أعدت وزارة التربية التونسية مشروع أمر حكومي ينصّ على توسيع صلاحيات المتفقدين (المراقبين) الإداريين والماليين من أجل إحكام التصدي للدروس الخصوصية التي تُقدّم خارج المؤسسات التربوية وفي فضاءات عشوائية وغير آمنة للتلاميذ.
في السياق نفسه، أفاد فتحي الزرمديني المدير العام للشؤون القانونية في وزارة التربية التونسية بأن "مشروع الأمر ينصّ أيضاً على تعزيز سلك المتفقدين الإداريين والماليين الذين لا يتجاوز عددهم حالياً الـ30 يتوزعون على جميع جهات الجمهورية بمعدل متفقد (مراقب) واحد أو اثنين لكل مندوبية جهوية للتربية".
وبيّن الزرمديني أن "الهدف المنشود يتمثل في رفع هذا العدد إلى 4 متفقدين لكل مندوبية جهوية حتى يتمكنوا من أداء المهمات الموكلة إليهم بشكل صحيح، ومكافحة أي تجاوزات محتملة".
أزمة التعليم الرسمي
تعيش تونس كل عام منذ الثورة ضد نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي في العام 2011، على وقع إضرابات الأساتذة والمعلمين في المستويين الأساسي والثانوي وصلت إلى حد الانقطاع عن الدراسة. وتمثلت مطالب المعلمين أساساً في تحسين وضعهم الاجتماعي والمادي ودعوتهم إلى إصلاح التعليم الرسمي الذي بات يشكو نواقص عدة أسهمت في تفاقم ظاهرة المدارس الخاصة وانتشار ظاهرة الدروس الخصوصية العشوائية غير الخاضعة لمراقبة الدولة.
وقال الكاتب العام للجامعة العامة للتعليم الثانوي لسعد اليعقوبي إن قرار وزارة التربية تفعيل الأمر الحكومي الصادر في سبتمبر (أيلول) 2015 المنظم للدروس الخصوصية، ورد في اتفاق مبرم بين وزارة التربية والجامعة العامة للتعليم في 6 أبريل (نيسان) 2015. وأضاف اليعقوبي أن الجامعة العامة أصرّت على تضمين هذا القرار في النقطة الخامسة من اتفاق أبريل 2015، الداعية إلى تنظيم الدروس الخصوصية ضمن القطاع التربوي ووضعها تحت رقابة إدارية وتربوية.
واستدرك اليعقوبي "للأسف الشديد بعد سنة من تنظيم هذه الدروس الخصوصية داخل المؤسسات التربوية، تراجعت وزارة التربية وأصدرت أمراً ثانياً يسمح بدروس التدارك خارج الفضاء المدرسي ووضعت كرّاساً تضمّن شروط إنشاء مؤسسات غايتها تقديم هذه الدروس خارج المؤسسات التربوية". وذكّر بأن الجامعة العامة للتعليم الثانوي أصدرت بيانات تندد بتراجع وزارة التربية عن قرار تنظيم هذه الدروس واليوم عادت الوزارة إلى تطبيقه.
كما دعا الكاتب العام زملاءه إلى تقديم دروس خصوصية داخل المؤسسات التربوية بالتنسيق مع إدارات المؤسسات لضمان حسن سيرها رقابياً وإدارياً.
وأشار اليعقوبي إلى أن القضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية ليس سهلاً، داعياً الوزارة إلى "تنفيذ إصلاحات جذرية في المنظومة التربوية، تشمل البرامج والمناهج بما يكفل تقديم زادٍ معرفي متكامل للتلميذ ضمن ساعات الدرس، وهذا ما يدفع إلى استغناء المدرّس والتلميذ عن الدروس الخصوصية التي تثقل كاهل الأهل".
ثغرات قانونية
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، ترى أصوات أخرى أن منع الدروس الخصوصية بهذه الطريقة "الزجرية"، لن يحل مشكلة تردي منظومة التعليم الرسمي. وذكر رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم سليم قاسم أن "الدروس الخصوصية هي نتيجة تردي المنظومة التربوية، والغاءها وحدها لن يحسّن مستوى التلاميذ". وأضاف أن "المقاربة الزجرية لن تحلّ مشكلة انتشار هذه الظاهرة". ولاحظ أن التصدي للدروس الخصوصية يُعدّ "مطلباً من مطالب المجتمع المدني الذي شارك في ورشات للبحث عن حلول حقيقية للظاهرة، لكن وزارة التربية لم تتابع المقاربة التشاركية".
ولفت قاسم إلى وجود ثغرات عدة في الأمر الجديد الخاص بالدروس الخصوصية، من بينها أنه تطرّق فقط إلى الدروس الخصوصية المعطاة من قبل الأساتذة العاملين من دون التطرق إلى الطلاب والمتقاعدين والدخلاء الذين يعطون دروساً خصوصية. كما لم يتطرق إلى المدارس الخاصة التي تتفرغ مساء أيام السبت والأحد لإعطاء دروس خصوصية.
إثقال كاهل العائلات
تشير إحصاءات رسمية إلى أن العائلة التونسية تنفق حوالي 300 دينار شهرياً (100 دولار تقريباً) على الدروس الخصوصية. وأعلن وزير التربية حاتم بن سالم في بداية السنة الدراسية أنه سيشنّ "حرباً حقيقية على الدروس الخصوصية التي أثقلت كاهل العائلات التونسية".
وأشار بن سالم إلى "اتخاذ جملة تدابير ذات طابع وقائي، أهمها الشروع بدءاً من السنة الدراسية الجديدة في إعادة الاعتبار إلى دروس التدارك المجانية في المؤسسات التربوية التي سيؤمّنها الأساتذة أيام السبت، فضلاً عن تكثيف الدروس الرقمية لمصلحة التلاميذ المقبلين على الامتحانات والمناظرات الوطنية، التي تتيح للتلميذ التفاعل المباشر وتدارك ما فاته من التحصيل العلمي في القسم".
وأوضح الوزير أن منع الموظفين العامين من التدريس في المدارس الخاصة سيمكّن من تقليص هذه الظاهرة وإشعار المعلمين والأساتذة بتأثير هذه الدروس على الطاقة الشرائية للعائلات، مضيفاً أن الجانب الردعي للمخالفين لن يستثني أحداً وقد يصل إلى الفصل عن العمل.