أبقى البنك المركزي التركي سعر الفائدة القياسي دون تغيير، الخميس، تماشياً مع مطالبة الرئيس رجب طيب أردوغان بإبقائها منخفضة، لكنه ترك الاقتصاد الناشئ معرضاً لمزيد من هروب رأس المال وأزمة عملة محتملة مماثلة لعمليات البيع التي عصفت بتركيا قبل عامين.
ترك البنك المركزي سعر إعادة الشراء الرئيس لمدة أسبوع عند 8.25 في المئة للشهر الثالث على التوالي، لكنه بدأ في تشديد المعروض النقدي من خلال توجيه المقترضين عن طريق بعض تسهيلات الإقراض الأخرى التي تحمل معدلات أعلى.
وفي هذا السياق، يقول الاقتصاديون إن النهج، الذي يمكن للبنك المركزي بموجبه رفع متوسط معدل سياسته الفعالة إلى نحو 11.5 في المئة، يبدو أنه مصمم لتجنب استفزاز الرئيس أردوغان. إذ أقال الرئيس محافظ البنك المركزي الذي أحجم عن خفض أسعار الفائدة العام الماضي. لكن قد لا يكون ذلك كافياً للتخلص من فائض المعروض من الليرة التركية الذي ضرب العملة إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق مقابل الدولار الأميركي هذا الشهر.
خطورة امتلاك الأصول المقومة بالعملة التركية
من جهتها، تقول وول ستريت جورنال، إنه حتى مع الأخذ في الاعتبار الارتفاع "الخلفي"، حذر الاقتصاديون من أن متوسط سعر الإقراض للبنك المركزي يظل سالباً عند تعديله وفقاً للتضخم، الذي بلغ 11.8 في المئة خلال يوليو (حزيران)، مما زاد من ضغط البيع على الليرة. إذ أصبح امتلاك الأصول المقومة بالعملة التركية اقتراحاً أكثر خطورة.
يلاحظ أن هذا الوضع يشبه صيف 2018، عندما ترك البنك المركزي سعر الفائدة الرئيس ينخفض إلى ما دون معدل التضخم وانهارت الليرة إلى مستوى قياسي منخفض. استقرت العملة لاحقاً، واستعادت بعض القوة، ولكن فقط بعد أن رفع البنك المركزي سعر الفائدة القياسي إلى 24 في المئة.
من ناحية أخرى، قال فيراج باتيل، خبير العملات الأجنبية وإستراتيجي الأسعار العالمية في شركة الأبحاث آركيرا "يبدو الأمر وكأنه نوع آخر من ديجافو لعام 2018، لم يتعلموا من درسهم".
في المقابل، قال البنك المركزي إن "جميع قراراته خالية من التدخل السياسي".
بحسب دورموس يلماز، محافظ البنك المركزي السابق، فإنه قُدم إطار العمل متعدد الأسعار في عام 2012 لمنح البنك المركزي التركي القدرة على ضبط سياسته دون اللجوء إلى اجتماعات طارئة ربما تسببت في حالة من الذعر في وقت يشهد تقلبات كبيرة في أسواق الصرف الأجنبي، في الآونة الأخيرة، كما قال، استُخدم لتقليص المعروض من النقود دون المساس بالمعدل القياسي - مع إسعاد السياسيين.
وأضاف يلماز "الهندسة المعمارية الحالية ليست فعالة في نقل الإشارات الصحيحة. لقد حان الوقت لأن يغير البنك المركزي تصميم السياسة النقدية وتبسيطها".
من زاوية أخرى، ضرب تفشي فيروس كورونا الاقتصاد التركي بشدة هذا العام، مما تسبب في انخفاض عائدات السياحة والتصدير. لكن الاقتصاديين يقولون إن "الكثير من الصعوبات المالية الحالية في البلاد يمكن إرجاعها إلى القرارات التي اتخذها أردوغان العام الماضي".
تعهد أردوغان بفتح صنبور الائتمان
في مواجهة انخفاض معدلات التأييد وسلسلة من الهزائم الانتخابية في الانتخابات البلدية، تعهد أردوغان بفتح صنبور الائتمان لإعادة خلق النمو الاقتصادي السريع الذي ميز العقد الأول من 18 عاماً في السلطة.
في يوليو (تموز) 2019، أقال أردوغان محافظ البنك المركزي مراد تشيتينكايا، قائلاً إنه "فشل في التصرف بناءً على أوامره بخفض أسعار الفائدة". ومنذ ذلك الحين، خفض مراد أويسال، الذي خلف تشيتينكايا، سعر الفائدة الرئيس بنحو 16 نقطة مئوية، بينما أصدرت الحكومة تعليمات للبنوك بضخ الإقراض.
في مقياس لمدى سرعة توسع الائتمان، ارتفعت محفظة الأصول المحلية الخاصة بالبنك المركزي - بشكل أساسي السندات الحكومية التي يأخذها كضمان مقابل إقراض البنوك - إلى أكثر من 200 مليار ليرة (27 مليار دولار) اعتباراً من منتصف أغسطس (آب)، من نحو 65 مليار ليرة قبل عام.
هذا الاندفاع للنمو جدد الضغط على الليرة التي بدأت في الانخفاض مرة أخرى. في محاولة لاحتواء الانزلاق، باع البنك المركزي العملات الأجنبية من احتياطياته واقترض الدولارات من البنوك المحلية لشراء الليرة.
ولكن عندما أصاب الوباء الاقتصاد العالمي بالشلل، جاءت هذه الاستراتيجية بنتائج عكسية.
وبتشجيع على الحصول على قروض رخيصة، تفاخرت الشركات والأسر بشراء المنتجات المستوردة، حتى مع انهيار السياحة، مما قلل من كمية العملات الأجنبية التي تدخل البلاد وتسببت في فجوة بالحساب الجاري للبلاد. كما أدى سدها إلى استنزاف موارد النقد الأجنبي من البنك المركزي، الذي يدين الآن للبنوك المحلية بعملات أجنبية أكثر مما يدين به حالياً في خزائنه.
من جهته، قال كافيت داجداس، نائب وكيل وزارة الخزانة التركية السابق، إن "العديد من الحكومات زادت الإنفاق استجابة لتفشي المرض، ولكن نظراً لعدم وجود حيز مالي لتركيا، قامت بتحويل العجز، بينما تحاول الحفاظ على استقرار الليرة في نفس الوقت". عضو مؤسس في حزب ديفا المعارض. "لم يكن ذلك مستداماً".
سحب المستثمرون الأجانب 567 مليون دولار من الأسهم التركية
التطورات أذهلت المستثمرين الأجانب الذين باعوا كميات كبيرة من الأصول المقومة بالليرة في الأشهر الأخيرة. وانخفضت ملكية الأجانب للسندات المقومة بالليرة إلى 4 في المئة من 10 في المئة بداية العام. في الأسبوع الأول من أغسطس، سحب المستثمرون الأجانب 567 مليون دولار من الأسهم التركية، مما جعله سادس أسوأ تراجع أسبوعي، وفقاً لبيانات البنك المركزي التي تعود إلى عام 2005.
ومع ذلك، لا يزال صانعو السياسة في تركيا غير خائفين. وقال وزير المالية بيرات البيرق، وهو أيضاً صهر أردوغان، الأسبوع الماضي إن "تنافسية الليرة أهم من سعر صرفها مع الدولار".
وأضاف البيرق خلال مقابلة تلفزيونية "عندما يُبالغ في قيمة العملة، فإن البلاد تصبح جنة استيراد، لا أحد ينتج أي شيء، الكل يتوقع أن يأتي كل شيء من الخارج".
من ناحيتهم، فسرها المحللون الاقتصاديون على أنها إشارة إلى أن البنك المركزي سيتوقف عن الدفاع عن الليرة. الإثنين، اشترى دولار واحد ما يقرب من 7.40 ليرة، وهو أدنى مستوى جديد على الإطلاق وانخفاض بنحو 20 في المئة بقيمة العملة التركية منذ بداية العام.
الشركات التركية مثقلة بالديون
عُززت الليرة، الأربعاء، بعد أن لمح الرئيس أردوغان إلى "أنباء سارة" وشيكة، والتي قال المسؤولون الأتراك إنها قد تكون اكتشافاً للغاز الطبيعي في البحر. لكنها استأنفت هبوطها، الخميس، منخفضة 0.7 في المئة مقابل الدولار بعد أن قال البنك المركزي إنه "أبقى أسعار الفائدة دون تغيير".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في هذا الشأن، يقدر معهد التمويل الدولي، وهو اتحاد تجاري مقره واشنطن، القيمة السوقية للعملة بنحو 7.50 ليرة للدولار، بناءً على تقديرات احتياجات التمويل لتركيا من رصيد حسابها الجاري، مما يشير إلى أن العملة قد تنخفض أكثر. في المقابل قال البنك المركزي إنه "ليس لديه هدف مسبق للعملات الأجنبية، وإن انخفاض الاحتياطيات أمر طبيعي وسط البيئة العالمية المضطربة".
ويقول محللون إن "ضعف الليرة سيقطع شوطاً ما للمساعدة في تضييق عجز الحساب الجاري لتركيا من خلال زيادة تكلفة الواردات وزيادة تنافسية الصادرات. لكنهم يحذرون من أنه قد يؤدي أيضاً إلى زيادة التضخم وخلق مشاكل أخرى". الشركات التركية مثقلة بنحو 165 مليار دولار من الديون بالعملات الأجنبية، اقترضت كثيراً منها عندما كان الاقتصاد ينمو بقوة، لكن سدادها الآن سيكلف أكثر.
المركزي التركي عليه سداد المليارات للبنوك التجارية
ويواجه البنك المركزي مشكلة مماثلة في سداد مليارات الدولارات التي اقترضها من البنوك التجارية للدفاع عن الليرة. في غضون ذلك، جمعت البنوك التجارية مجموعة متزايدة من الودائع بالعملات الأجنبية، في علامة على مدى تراجع ثقة الشعب التركي في الليرة.
كان البيرق في حالة مزاجية متحدية عندما ظهر على شاشات التلفزيون، مع ذلك، رافضاً فكرة أن المشاكل تتخمر. وقال "مقارنة بما كان عليه الحال قبل عامين، أصبح الاقتصاد التركي اليوم أقوى بكثير".