بين العامين 1994 و2017، فقدت الأرض 28 تريليون طن من الجليد، فيما يتسارع معدل الذوبان. وما تقدم هو نتيجة خلُص إليها عدد من العلماء بعدما استعانوا ببيانات مستقاة من الأقمار الاصطناعية ونماذج أخرى كي يحدّدوا بالتفصيل، وللمرة الأولى، التأثير الكلي الهائل الذي تخلّفه أزمة المناخ في تكوينات مختلفة من الجليد.
درس فريق العلماء من جامعات "ليدز" و"إدنبرة" و"إمبريال كوليدج لندن" الصفائح الجليدية في القارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا) وجزيرة غرينلاند والأنهر الجليدية حول العالم، بالإضافة إلى الجليد البحري والجروف الجليدية في المنطقتين القطبيتين الشمالية والجنوبية.
وفي النتيجة، وجد العلماء أنّ المناطق كافة خسرت تريليونات الأطنان من الجليد، وقد شهد نصف الكرة الشمالي 60 في المئة من نسبة الذوبان تلك.
بينما لا يترك الذوبان الذي يطاول الجليد البحريّ العائم تأثيراً مباشراً في ارتفاع مستوى سطح البحر، ساهمت الكميات الضخمة الذائبة من جليد القاع الموجود في القارة القطبية الجنوبية وغرينلاند، كذلك الجليد الذي خسرته الأنهر الجليدية، في رفع مستويات سطح البحر العالمية حتى 3.5 سنتمتر بين العامين 1994 و2017.
وللوقوف على أبعاد المسألة أبلغت الدكتورة إيزوبيل لورانس، وهي زميلة باحثة في جامعة "ليدز" وباحثة مشاركة في الدراسة، "اندبندنت" أنه إذا توزّعت 28 تريليون طن من الجليد على مسافة ويلز، بلغت سماكة الغطاء الجليدي فيها 1.2 كيلومتر.
ولكن على الرغم من الحجم الهائل للذوبان الجليدي، قالت الدكتورة إنّ فريق البحث لم يُفاجأ بمستوى الخسارة في حجم الجليد حول العالم، إذ كانوا على دراية سلفاً بالتقديرات الإقليمية.
بيد أنّ قلقاً شديداً اعتراهم، وفق لورانس، من جراء التسارع الشديد في الذوبان الذي كشفه البحث. وقالت الدكتورة في هذا الصدد: "الأمر الأكثر إثارة للقلق أنّ معدل (الذوبان) الذي توصلنا إليه في عملياتنا الحسابية آخذ في التسارع. في العقدين الماضيين، منذ تسعينيات القرن الماضي، وجدنا أنّ هذا الرقم التقديري يرتفع من 0.8 إلى 1.2 تريليون طن من الجليد سنوياً، أي بزيادة قدرها 57 في المئة في عقد واحد. وإذا استمرّت تلك الحال على ما هي عليه، وهو أمر مُتوقّع لأنّ انبعاثات غازات الدفيئة مستمرّة في الارتفاع، لن تتوقّف وتيرة ذلك الذوبان كله عن التسارع".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضافت، "يترك ذلك عواقبه على ارتفاع مستوى سطح البحر. نظراً إلى أنّ الصفائح والأنهر الجليدية في غرينلاند و"أنتاركتيكا" عبارة عن جليد قاعي، يساعد ذوبانها في ارتفاع مستوى سطح البحر. على خلاف ذلك، لا يؤدي ذوبان الجليد البحري والجروف الجليدية دوراً في ارتفاع مستوى سطح البحر لأنهما يطفوان على سطح الماء، ولمّا كان حوالى 54 في المئة من الجليد يطفو على السطح فيما يبقى 46 في المئة منه في القاع، يحمل نحو نصف الخسائر التي قدرناها إضافة مباشرة إلى الارتفاع في مستوى سطح البحر".
وفق لورانس، ذوبان الغطاء الجليدي في غرينلاند و"أنتاركتيكا" من شأنه أن يتسبّب بزيادة تتراوح بين 25 إلى 30 سنتمتراً في مستويات البحار على الصعيد العالمي بحلول نهاية القرن الحالي، وذلك في ظل السيناريو "الأسوأ" الذي حدّدته "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" Intergovernmental Panel on Climate Change، في حين أنّ التمدّد الحراري لمياه المحيطات (أي تغيّر منسوب الماء نتيجة لتغير درجة حرارته) بسبب ارتفاع درجات الحرارة، من شأنه أيضاً أن يتسبَّب بارتفاع مستوى سطح البحر بشكل أكبر.
ويشتمل الغطاء الجليديّ في غرينلاند وحدها على ما يكفي من مياه لرفع مستوى سطح البحر بمقدار 7.4 متر، في حين أنّ الذوبان الكلي لجليد القارة القطبية الجنوبية برمّته سيرفع مستويات سطح البحر بنحو 60 متراً، بحسب ما ذكرت "ناسا"، وكالة الفضاء الأميركية.
وعلاوة على ارتفاع مستوى سطح البحر، يطرح ذوبان تلك الكتل الكبيرة من الجليد مشاكل أخرى. معلوم أنّ كل الجليد المخزّن في الأنهر والصفائح الجليدية في القارة القطبية الجنوبية وغرينلاند يتكوّن من مياه عذبة، وعندما تذوب تلك التكوينات الجليدية وتصبّ في المحيطات، تؤدي إلى تغيّر ملوحة مياه البحار.
هكذا، يمكن للتباين (في الحرارة والكثافة والملوحة) بين المياه المالحة في المحيطات وبين المساحات الكبيرة من المياه العذبة أن يكون كافياً ليمنع التكوّن الموسمي للجليد البحري. وفي بعض المناطق، في مقدوره أن يُغير طريقة التفاعل بين التيارات المحيطية المتولِّدة.
وذكرت الدكتورة لورانس في هذا الشأن: "في المحيطين الجنوبي والمتجمد الشمالي، شهدنا تغيرات في حركة المياه نتيجة التأثير الذي خلّفته المياه العذبة. ما لا نعرفه حتى الآن النتيجة التي أسفر عنها ذلك في بقية العالم، ذلك أنّ حركة دوران المحيطات العالمية عبارة عن نظام مترابط. إذا أحدثت تلك المياه العذبة التي دخلت المحيطات تغيّراً في حركة دوران المحيطات العالمية، وهو ما أظهره بعض النماذج، يمكنها إذاً أن تخلّف عواقب على المناخ عالمياً، خلال فترة زمنية طويلة."
تذكيراً، لم تستبعد دراسات سابقة أنّ تكون التغيّرات في ملوحة المحيطات مسؤولة عن التباطؤ في التيارات مثل "الحزام الناقل" conveyor belt الأطلسي، الذي يحمل المياه الدافئة من تيار الخليج، ومن ثمّ المناخ الدافئ، إلى أوروبا الغربية. وفي غياب ذلك الحزام، قد يزداد شتاء المملكة المتحدة برودة بنحو خمس درجات مئوية، على ما قال العلماء.
في الدراسة الأخيرة، أفاد العلماء بأنّ شطراً راجحاً من خسارة الكتل الجليدية كانت وراءه أسباب مناخية، إذ ذاب 68 في المئة من جليد المحيط المتجمد الشمالي، والأنهر الجليدية الجبلية، والجروف الجليدية، وكتلة سطح الصفائح الجليدية.
أما الخسائر الجليدية الأخرى، وتبلغ نسبتها 32 في المئة، فكانت جراء انفصال الصفائح الجليدية، وترقّق الجروف الجليدية، الناجمين عن الذوبان المتصل بالمحيطات، وفق العلماء.
نُشر البحث كمسودة في المجلة العلمية المتاحة للجميع "ذا كرايوسفير" The Cryosphere ، ولم يخضع بعد لمراجعة وتحكيم متخصصين نظراء للعلماء الذين أعدوه.
إجمالي الخسائر الجليدية:
الجليد البحري في المنطقة القطبية الشمالية: 7.6 تريليون طن
الجروف الجليدية في المنطقة القطبية الجنوبية: 6.5 تريليون طن.
الأنهار الجليدية الجبلية: 6.2 تريليون طن.
الغطاء الجليدي في غرينلاند - 3.8 تريليون طن.
الغطاء الجليدي في المنطقة القطبية الجنوبية - 2.5 تريليون طن.
الجليد البحري في المحيط الجنوبي - 0.9 تريليون طن.
© The Independent