تعد الترجمة من أكبر روافد المحتوى عالمياً، ويُقال إنها "خيانة للنص الأصلي"، وسواء صحت المقولة الباعثة على الجدل في أوساط النقاد أو لم تصح، فإن لسان حال واقع المحتوى العربي بصورة عامة عندما تقارنه بثراء نظيره الإنجليزي، قد يصرخ قائلاً "أهلاً بالخيانات"، ما دامت مصدراً لتسلية القارئ، وتوسيع آفاق معرفته.
غياب الحوافز
اليوم وعلى الرغم من وجود 422 مليون ناطق باللغة العربية، فإن عدد المحررين والمساهمين العرب في ويكيبيديا، بحسب إحصاءات حصلت عليها "اندبندنت عربية"، لا يتجاوز 111 شخصاً، أي بمعدل اثنين لكل مليون متحدث بالعربية، وهو ما يبرر قصور المحتوى على الإنترنت، برغم مبادرات عربية متفرقة، لكتابة مقالات، أو ترجمة منشورات أجنبية مرئية ومكتوبة، تراوحت ما بين فردية ومؤسسية، نجح بعضها واستمر، فيما غابت أخرى سريعاً وتلاشى بريقها، لعدة أسباب منها عزوف المتمكنين، وغياب الحافزين المادي والمعنوي، لا سيما أن ترجمة مقالات إلكترونية، أو مقاطع فيديو في يوتيوب ربما لا تكون نافعة مادياً على المدى القصير.
مبادرة لانتشال ويكيبيديا العربي
إلى ذلك فإن أقل ما ينتظره المتصفح العربي هو أن تجتمع الرغبة الفردية والتنسيق الحكومي لتوحيد الجهود، وهو ما أعلنته السعودية، الأسبوع الماضي، حين كشفت عن تطوع 50 شاباً وفتاة، لإثراء المحتوى العربي بموسوعة ويكيبيديا، بإنشاء مقالات جديدة بالموسوعة، أو تطوير وترجمة المقالات الحالية في الموسوعة الإلكترونية الشهيرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتندرج المبادرة السعودية تحت مشروع "ويكي دَوّن" الذي أطلقته دارة الملك عبد العزيز أواخر عام 2018 بهدف إثراء المحتوى التاريخي، وذلك خلال الفترة من 20 إلى 27 سبتمبر (أيلول) المقبل، كأولى مراحل المبادرة التي ستستمر بتخريج متدربين مؤهلين بالأدوات اللازمة، واستقبال أعداد إضافية من الشباب والفتيات من فترة لأخرى.
وأوضح زهير الحارثي مدير مشروع "ويكي دَوّن"، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن المبادرة الأخيرة ستركز على علوم الحضارة والمعالم والسياحة والآثار للتاريخ السعودي والعربي والإسلامي، منوهاً إلى مبادرات دورية مقبلة تتاح فيها الفرصة للجميع من الجهات والأفراد للإسهام في مجالات متنوعة، وأشار إلى أن المتطوعين الحاليين سينخرطون بدورة تدريبية عن بُعد في التحرير تسهيلاً لمشاركتهم.
وهو الأمر الذي يبعث آمالاً في أن يحقق المشروع الجديد ما لم تستطع مبادرات أخرى إنجازه على صعيد الاستمرارية، فوفقاً لوكالة الأنباء السعودية، ستشمل الرحلة التطوعية لخمسين شخصاً دورة تدريبية افتراضية في مهارات التحرير في موسوعة ويكيبيديا، وإنشاء أو تطوير أو ترجمة المقالات، بحجم 5000 بايت، كما ستتيح لهم "فوائد مهمة منها خدمة المحتوى العربي واستثمار الوقت، وبناء مهارة التحرير في الموسوعة، وبناء وتوثيق العلاقات العامة للمتطوع، إضافة إلى الحصول على توثيق الساعات التطوعية...".
إنجاز أكثر من 7000 مقالة
وأسهم مشروع "ويكي دون" الذي بدأ أواخر عام 2018، في إنشاء ما يقارب 450 مقالة، وتطوير 2200 وترجمة 650، وبلغ عدد المقالات المعدلة 4000، في حين فاق عدد مقالات ويكيبيديا 50 مليون مقالة، منها أكثر من مليون مقالة عربية، وأكثر من 15 ألف مقالة ترتبط بالسعودية التي تعد أكثر الدول زيارة للموسوعة العربية بنحو 40 مليون زيارة شهرياً، وتقع اللغة العربية في المرتبة السادسة عشرة من بين 300 نسخة لغوية، وتأتي في المركز التاسع من ناحية العمق والجودة.
كيف أخلت الجامعات برسالتها؟
في سياق متصل، يطالب محمد البركاتي رئيس جمعية المترجمين السعوديين باستحداث جهة تابعة للجامعة العربية تتولى عملية التواصل مع الترجمة والمترجمين وتكوين فرق عمل لإدارة المشاريع الترجمية، نظراً إلى أن توحيد الجهود بات أمراً مهماً لرفع مستوى التنسيق وتفعيله بين مؤسسات الترجمة في العالم العربي.
وبحسب الأكاديمي السعودي، فإن الجامعات العربية التي يُعول عليها لنشر المعرفة، تقبع في قفص الاتهام بسبب نهجها في التدريس باللغة الإنجليزية الذي انعكس على ضعف المحتوى، وقلة الطلب على تعريب المحتوى العلمي، فالدول التي تتصدر إحصاءات الترجمة هي دول تقوم بتدريس العلوم في المدارس والجامعات بلغاتها وتحتاج سنوياً لترجمة كم كبير من المؤلفات لهذا الغرض، في حين غالباً ما يساء فهم وقراءة هذه الإحصائيات ظناً أنها ترجمات أدبية وروائية، فيُلاحظ توجهاً نحو ترجمة الأدب العالمي يراد منه رفع كم المحتوى العربي، إلا أن النتيجة تكون دون التوقعات لاختزال المحتوى العربي في هذا النوع الأدبي.
مشاريع فردية
وعلى صعيد الأفراد، هناك بعض المشاريع التي أسهمت بشكل فعال في إثراء المحتوى العربي مثل منصة "تراجم" التي ما زالت فاعلة من خلال ترجماتها لمقالات عالمية بأيدي كفاءات متخصصة، كما تضم قناة يوتيوب تحتوي على مجموعة من المقاطع المترجمة في مختلف المجالات والمحتويات الذي صنعها فريق العمل سواء عن طريق اللقاءات أو تنظيم الفعاليات.
لكن ومع ذلك، فإن عبد الرحمن السيد، مؤسس مشروع تراجم الذي انطلق قبل ثلاث سنوات، لا ينفي وجود ضعف في المحتوى العربي بصورة عامة، ويعزو ذلك إلى القصور التنظيمي وقلة الدعم والتحفيز، فعلى مستوى التنظيم ما زال مستوى حماية الملكية الفكرية في المجتمعات العربية لا يقارن بمثيله في البلدان الأخرى، وهذا يثبط صانع المحتوى.
ويضيف السيد، "شح الجهات الحاضنة والداعمة لمشاريع إثراء المحتوى العربي، قد يكون السبب الأشمل لضعف المحتوى العربي، إضافة إلى قصور التخطيط اللغوي الذي يعزز مكانة العربية لدى المتحدثين بها سواء عن طريق المشاريع الثقافية أو الأنظمة الداعمة لاستخدامها في أسواق العمل والمناهج التعليمية والمنشورات وغيرها".