أشار تقرير حديث إلى أن صناديق الثروة السيادية حول العالم سوف تشهد تغييرات عميقة خلال الفترة المقبلة، وذلك في ظل لجوء الحكومات التي تعاني حالياً أزمات مالية إلى تلك الصناديق، للمساعدة في سد عجز التدفقات النقدية ودعم الاقتصادات المحلية.
وأوضح تقرير لأكاديميين في جامعتي بوكوني ونيويورك وكلية لندن للاقتصاد، أنه وبشكل خاص، تواجه الاقتصادات المعتمدة على النفط أكبر صدمة في تاريخها، إذ تشهد أكبر انخفاض في الطلب منذ زمن بعيد، وهو ما يعصف بإيرادات تلك الدول، وفي الوقت نفسه، تجبرها جائحة "كوفيد 19" على تكثيف برامج التحفيز المالي وضخ المزيد من السيولة في شرايين الاقتصاد، لوقف التداعيات والمخاطر التي تتعرّض لها.
ونتيجة لذلك، اتجهت صناديق الثروة في الدول الغنية بالنفط في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى بيع نحو 225 مليار دولار من حيازاتها في أسواق الأسهم، وفق تقديرات سابقة لمحللي "جي بي مورغان". في الوقت نفسه، توقع معهد التمويل الدولي، في تقرير حديث أن تفقد الصناديق السيادية الخليجية نحو 80 مليار دولار من حيازاتها بسبب الجائحة التي تعصف بالاقتصاد العالمي في الوقت الحالي، وتسببت في عديد من المخاطر التي نالت بالفعل من الاقتصاد العالمي.
خطط التحفيز تزيد أزمة الصناديق
وفق نشرة "إنتربرايز"، فقد شهدت الصناديق السيادية في النرويج وإيران والكويت ونيجيريا عمليات سحب لتمويل الإنفاق العام، بينما أنفقت حكومات سنغافورة وماليزيا وتركيا من أصول صناديقها السيادية لإنقاذ الشركات المحلية المتعثرة بسبب الجائحة.
وتوقع دييجو لوبيز العضو المنتدب لمؤسسة صناديق الثروة السيادية العالمية، وهي شركة تتتبع صناديق الثروة السيادية، أن تشهد دول الخليج خصوصاً عدة عمليات سحب أخرى لتمويل عجزها المالي.
وبالفعل، قال وزير مالية الكويت براك الشيتان، في تصريحات يوم الأحد، إن حاجة الحكومة إلى إقرار قانون الدين العام الذي سيمكّنها من اقتراض 20 مليار دينار (66 مليار دولار) خلال 30 عاماً "ما زالت ملحة وضرورية". وأفاد بأن الدين العام لن يزيد على 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للكويت، وأن حصيلة الاقتراض ستوجَّه إلى الإنفاق على مشروعات البنية التحتية والإنشائية.
لكن، يمكن لصناديق الثروة السيادية أن تصير "أكثر فعّالية" بعد الجائحة، لكن أقل تركيزاً على الربحية، بدلاً من الاستثمار عالمياً، فربما يخلق "كوفيد 19" صناديق ثروة سيادية "أكثر فاعلية"، تركّز على الاستثمارات المحلية بدلاً من البحث عن العائدات في الخارج، وهو ما يشير إليه التقرير.
ويعني ذلك أن تلك الصناديق، التي تمتلك مجتمعة أصولاً تزيد قيمتها على ستة تريليونات دولار، ستخسر عوائدها المالية، لأنها "ستركز على التأثير الاقتصادي والاجتماعي الأوسع". وأوضح التقرير أن الخسائر "على الورق" ستكون في حدود 800 مليار دولار، بينما شهدت صناديق الثروة السيادية تراجعاً في الاستثمارات المباشرة بالفعل قبل انتشار الجائحة.
لكن، هل يعني ذلك أن "العصر الذهبي" للصناديق السيادية قد ولّى؟ الإجابة المختصرة نعم، حسب التقرير الذي يرى أن تراجع أسعار النفط، وزيادة الإجراءات الحمائية، والحواجز التجارية الجديدة بين البلدان، أفسدت صناديق الثروة السيادية في العقدين الماضيين، وبينما سيبقى هناك بعض اللاعبين الأقوياء بين الصناديق السيادية، فإن الوباء والانكماش الاقتصادي يشكلان تحدياً جوهرياً لتلك الصناديق.
ويشير التقرير إلى أن التغييرات الجذرية التي تحدثها الأزمات الحالية لن يسلم منها بلد أو صندوق سيادي، وسيدفع ذلك المستثمرين السياديين جميعاً إلى إعادة تقييم استراتيجيتهم الاستثمارية، إذ ينبغي أن تدخل التزامات القطاع العام في الدولة ضمن حسابات صندوقها السيادي.
السيولة تهرب إلى أسواق السندات
في الوقت نفسه وعلى صعيد صناديق الأسهم، أشارت مذكرة بحثية حديثة إلى أن المستثمرين ضخوا المال في صناديق السندات للأسبوع العشرين على التوالي، بينما سحبوا أموالاً بقيمة 2.8 مليار دولار إضافية من صناديق الأسهم الأميركية، إذ بلغت الأسهم الأميركية مستوى قياسياً مرتفعاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفق بنك أوف أميركا، فقد سجّلت صناديق الأسواق الناشئة أداء أسبوعياً قوياً، بينما شهدت صناديق الدين أكبر دخول أسبوعي للتدفقات، عند 2.4 مليار دولار، منذ يناير (كانون الثاني) الماضي. وشهدت صناديق الأسهم ثاني أكبر تدفقات أسبوعية على التوالي للمرة الأولى منذ بداية العام حسب تقديرات محللين لدى البنك الأميركي تستند إلى بيانات التدفقات المالية في أسبوع حتى يوم الأربعاء.
واستقطبت صناديق السندات نحو 16.7 مليار دولار، ونزح المال من صناديق الأسهم الأميركية، وكذلك كان الأمر للصناديق اليابانية والأوروبية التي شهدت نزوحاً محدوداً للأموال في الأسبوع المنتهي يوم الأربعاء، وبلغت أسواق الأسهم الأميركية مستويات قياسية مرتفعة هذا الأسبوع، لتتعافى من خسائر فادحة ناجمة عن جائحة فيروس كورونا.
وأشار محللو بنك أوف أميركا إلى أنه إذا بلغ مؤشر ستاندرد آند بورز، الذي يقبع عند 3484 نقطة حالياً، مستوى 3630 نقطة بحلول موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فإن هذا سيمثل أعظم صعود على الإطلاق من حيث السرعة والمدى.