بعد نحو عام ونصف العام على الحراك الشعبي بالجزائر في الـ22 من فبراير (شباط) 2019، عاد النقاش ليحتدم بين النشطاء بشأن ضرورة تأطير الحراك أو تنظيمه في شكل جمعيات وأحزاب سياسية، بعدما كانت هذه الفكرة مرفوضة شكلاً ومضموناً لدى البعض، ممن لا يزالون يحافظون على الرأي نفسه، ويجزمون بأن المسيرات الأسبوعية أفضل خيار للتصعيد وإحداث التغيير في البلاد.
ومنح تعليق الحراك منتصف مارس (آذار) 2020، بسبب جائحة كورونا، الفرصة للنشطاء، للتفكير في تأسيس أحزاب سياسية، تأخذ على عاتقها مواصلة الدفاع عن مطالبها المرفوعة في التظاهرات وبمسيرات الجمعة والثلاثاء، أبرزها تأسيس دولة العدالة الاجتماعية وسريان القانون على جميع فئات المجتمع من دون تمييز.
الانتقال الديمقراطي السلمي
ومن بين هؤلاء، نجد الناشط السياسي طالب كلية الطب إسلام بن عطية، الذي أعلن قبل فترة إنشاء حزب سياسي بمؤازرة نشطاء من "حراك 22 فبراير"، يحمل اسم "التيار الوطني الجديد"، ويتبنى فكرة الانتقال الديمقراطي السلمي التوافقي، وإحداث القطيعة مع الممارسات "المشينة" التي أساءت للأداء السياسي والحزبي، وجعلته مرادفاً للفساد.
ووفق ورقة تعريفية لمشروعه السياسي، أدرج بن عطية تشكيلته في خانة "الحزب الوسطي" الحريص على تقريب وجهات النظر بين مكونات المجتمع الجزائري، ودفع الجميع إلى الاتفاق على أرضية مشتركة، تضع السلطة الحالية أمام مسؤولياتها السياسية والقانونية، في ضرورة الحفاظ على البلاد، وفتح المجال أمام مختلف التيارات السياسية الجديدة في جو تنافسي وشفاف.
وفي ضوء ذلك، يرى المحلل السياسي توفيق بوقاعدة أن مسألة الانتقال في الأحوال السياسية ضرورة مجتمعية وسياسية في المرحلة المقبلة، و"ليس الأمر في تقديري مرتبطاً بالحراك الذي يجب أن يبقى رافداً لكل الجزائريين على اختلاف انتماءاتهم وولاءاتهم الأيديولوجية، فهو الإطار الجامع لعموم الشعب الجزائري، ويجب أن يبقى فوق كل التنظيمات الحزبية والجمعوية".
الانخراط في العملية السياسية
ومن وجهة نظره، يعتبر بوقاعدة، في تصريح إلى "اندبندنت عربية"، أن إنشاء الأحزاب والجمعيات من قِبل ناشطين في الحراك الشعبي سوف يساعد على تنظيمه أكثر، سواء ما يتعلق بالشعارات المرفوعة خلال المسيرات أو في ما يتصل بالمطالب بمختلف مجالاتها السياسية والاجتماعية، لافتاً إلى أن ذلك أولوية ملحة في المرحلة المقبلة، للانخراط في العملية السياسية على مستوى البرلمان بغرفتيه أو المجالس المحلية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولتوضيح ذلك، يشير المحلل السياسي الجزائري إلى أن "الحراك لا يمكنه أن يستمر إلى الأبد"، داعياً الفواعل الناشطة فيه إلى أن تنقل نضالاتها "داخل الأطر الرسمية"، حتى تكون "أكثر فاعلية وأكثر تمرساً في العملية السياسية".
ووفق هذا الطرح، يرى بوقاعدة أن المجلس الشعبي الوطني (الغرفة السفلى للبرلمان الجزائري) المقبل، "يجب أن يكون ذا أغلبية من الحراك، لاستكمال تحقيق أهداف الحراك فشل في تحقيقها بالسلمية، لذلك هؤلاء (أي من سيؤسسون أحزاباً) لا يمثلون الحراك، إنما هم رافد في الحراك، وتبقى مسألة التمثيل مرتبطة بقدرة أي تيار على الحصول على الأغلبية الشعبية، بالتالي يمثل الحراك بناء على شرعية الانتخابات، التي وحدها تعطي الصفة التمثيلية للحراك".
هذا وصرح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بأن مسودة تعديل الدستور ستعرض على استفتاء شعبي بداية نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، على أن يتبعها حل آلي للمجالس المنتخبة حالياً والموروثة من نظام الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة.
عودة الحراك
ويحاول الجزائريون العودة إلى الحراك الشعبي من خلال تنظيم مسيرات متفرقة يوم الجمعة، إلا أن هذه المحاولات تبقى "مُحتشمة" وفق مراقبين، بسبب جائحة "كوفيد 19"، وهنا يقول بوقاعدة "مستقبل الحراك بعد توقفه وأخطار جائحة كورونا، قد يحولان دون عودته بالزخم والعنفوان، لكنه حتماً سيعود بعد انتفاء أسباب توقفه، لكن على الفاعلين العمل لتحقيق أهداف الحراك في كل الاتجاهات وعلى المستويات كافة"، كما قال.
وفي سياق متصل، قال الإعلامي محمد مسلم إن الحراك الشعبي "أصبح رهينة للجائحة الصحية التي تعصف بالعالم منذ مدة، كما يبقى مصيره متعلقاً بمدى نجاح السلطات الحالية في التجاوب مع المطالب التي رفعت في الـ22 من فبراير من العام الماضي".
ويعتقد في إفادته لـ"اندبندنت عربية" أن "الكثير من تلك المطالب تحقق، أولها إسقاط خطوة إجراء الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في الـ28 من أبريل (نيسان) 2019، عقب ترشح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، لعهدة رئاسية خامسة، التي سميت إعلامياً وسياسياً بـ(خطوة إسقاط الخامسة)، وتأجيل الانتخابات للمرة الثانية في الرابع من يوليو (تموز) 2019، وسجن الكثير من رموز نظامه، منهم رؤساء حكومات ووزراء، فضلاً عن سجن رجال المال الفاسدين والكثير من الذين رهنوا مستقبل البلاد".
ويبرز في السياق "أعتقد أن الكثير ممن شاركوا في الحراك عندما كان في بدايته، لن يعودوا، لأن قسطاً معتبراً من المطالب تحقق، فضلاً عن الانقسامات التي وقعت بين صفوفه".
ومن خلال هذه الزاوية، يرى مسلم أن "بداية تشكيل أحزاب سياسية تطور طبيعي للحراك، لأنه من غير المعقول الاستمرار في ممارسة السياسة عبر المسيرات، بل لا بد من تأطير المطالب، ونقلها من الشارع إلى مؤسسات مهيكلة وواضحة المعالم"، وهذا المعطى من المؤشرات التي تقود إلى "تراجع عنفوان الحراك وإطفاء شعلته"، وفق تعبيره.
ويُعتبر الحراك الشعبي بالنسبة إلى الجزائريين حدثاً تاريخياً بارزاً، يُضاف إلى نضالهم، إذ استطاع أن يُعيد إليهم أمل تغيير الأوضاع، لا سيما فئة الشباب التي هُمشت كثيراً في العقود الثلاثة الأخيرة، في ظل سوء التسيير وغياب تكافؤ الفرص وتفشي البطالة والفساد، بشكل حرمهم من حقوقهم، كما يقول هؤلاء.