بدأت مفاوضات سلام تاريخية بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان المتطرّفة في الدوحة، اليوم السبت، بحضور وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، ترمي إلى إنهاء ما يقرب من عقدين من الحرب على الرغم من الآمال الضئيلة بشأن عقد اتفاق سلام قريباً.
وانطلقت المفاوضات بحفل افتتاحي في فندق فخم بالعاصمة القطرية، بعد ستة أشهر من الموعد المقرّر، بسبب خلافات مريرة حول صفقة تبادل أسرى بين الطرفين مثيرة للجدل تم الاتفاق عليها في فبراير (شباط) الماضي.
وأقر المتفاوضون بأن المحادثات ستكون طويلةً ومعقدةً، إذ تجري على وقع استمرار أعمال العنف في المناطق الأفغانية.
بومبيو: اختيار النظام السياسي لأفغانستان عائد للأفغان
وفي افتتاح المحادثات، دعا وزير الخارجية الأميركي الحكومة الأفغانية وحركة طالبان إلى "اغتنام الفرصة" لضمان السلام للأجيال في المستقبل.
وقال "سنواجه بلا شكّ العديد من التحديات في المحادثات خلال الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة. تذكروا أنكم تعملون ليس فقط من أجل هذا الجيل من الأفغان بل من أجل الأجيال القادمة أيضاً".
وأضاف الوزير الأميركي إن "اختيار النظام السياسي المستقبلي أنتم من يحدّده بالطبع"، مضيفاً أنه يأمل في أن يضمن الحل حقوق جميع الأفغان ويكفل تطوّر المجتمع بما في ذلك مشاركة المرأة في الحياة العامة. وتابع "أحثكم بقوة على انتهاز هذه الفرصة".
وحذّر بومبيو من أن حجم ونطاق المساعدات الأميركية المستقبلية لأفغانستان، التي تعتمد بشدّة على التمويل الدولي، سيتحددان وفقاً "لخياراتهم وسلوكهم (الأفغان)".
مبعوث الولايات المتحدة الخاص إلى أفغانستان، زلماي خليل زاد، قال بدوره إن منع الإرهاب هو الشرط الأساسي لكن حماية حقوق النساء والأقليات ستؤثر أيضاً في أي قرارات مستقبلية بشأن التمويل الذي يخصّصه الكونغرس، مضيفاً "لا يوجد شيك على بياض".
وأكّد خليل زاد أن الجدول الزمني لمغادرة القوات الأجنبية من أفغانستان بحلول مايو (أيار) لا يزال على المسار الصحيح، وأن وقف إطلاق النار الشامل يجب أن يحدث قبل ذلك.
حركة طالبان تطالب بنظام إسلامي
في المقابل، دعا المسؤول الكبير في حركة طالبان، عبد الغني برادر، إلى أن تكون أفغانستان بلداً مستقلاً بنظام إسلامي في حال التوصّل إلى اتفاق سلام.
وقال في كلمته الافتتاحية، "أريد من الجميع أن يعتمدوا الإسلام في مفاوضاتهم واتفاقاتهم وألا يضحّوا بالإسلام من أجل مصالح شخصية". وأضاف "نريد أن تكون أفغانستان بلداً مستقلاً ومزدهراً وإسلامياً"، وأن "تتضمّن نظاماً إسلامياً يعيش في ظله الجميع من دون تفرقة".
الحكومة تدعو إلى وقف لإطلاق النار
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
رئيس لجنة السلام التابعة للحكومة الأفغانية، عبد الله عبد الله، شكر بدوره حركة طالبان على استعدادها للتفاوض حول مستقبل البلاد، وقال "أستطيع أن أؤكّد لكم بكل ثقة أن تاريخ بلادنا سيتذكر اليوم كنهاية للحرب ومعاناة شعبنا".
ودعا عبد الله طالبان إلى الاتفاق على وقف لإطلاق النار في أسرع وقت، قائلاً "علينا أن نوقف العنف وأن نتفق على وقف إطلاق نار في أسرع وقت ممكن. نريد وقف إطلاق نار إنسانياً". وأشار إلى أن 12 ألف مدني قتلوا وأصيب 15 ألفاً بجروح منذ توقيع اتفاق بين الحركة والولايات المتحدة بشأن الانسحاب من أفغانستان في فبراير الماضي.
وأضاف أنه حتى إذا لم يتمكّن الجانبان من الاتفاق على جميع النقاط فعليهم تقديم تنازلات، وتابع "الوفد التابع لي في الدوحة يمثل نظاماً سياسياً يدعمه ملايين الرجال والنساء من خلفيات ثقافية واجتماعية وعرقية متنوعة في وطننا".
الناتو يشيد بالمحادثات
الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، ينس ستولتنبرغ، أشاد من جهته السبت ببدء المحادثات الأفغانية، معتبراً أنها "فرصة تاريخية".
وكتب ستولتنبرغ على "تويتر"، "الناتو يقف بجانب أفغانستان للحفاظ على الإنجازات وضمان ألا تصبح البلاد مرة أخرى ملاذاً للإرهابيين".
وفي بيان منفصل، حضّ الناتو "الحكومة الأفغانية وحركة طالبان على الوفاء بالتزاماتهما تجاه عملية السلام". وأضاف أن "المستويات الحالية من العنف المرتبط بالهجمات التي تنفّذها حركة طالبان على قوات الدفاع والأمن الوطنية الأفغانية، لا تزال غير مقبولة وتقوّض الثقة في عملية السلام". وتابع "ندعو طالبان إلى اتخاذ إجراءات حازمة لإنهاء العنف".
كما أكّد الناتو "التزامه الطويل الأمد تجاه أفغانستان والشعب الأفغاني وقوات الأمن الأفغانية". وختم البيان "سنواصل التشاور بشأن وجودنا العسكري، وإذا سمحت الظروف بذلك، سنقوم بتعديله لدعم عملية السلام التي يقودها الأفغان".
الاتفاق الأميركي مع طالبان
وتأتي المفاوضات غداة الذكرى الـ19 لهجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، التي دفعت الولايات المتحدة إلى غزو أفغانستان، ليصبح ذلك أطول عمل عسكري لواشنطن في الخارج.
وعلى الرغم من الإطاحة بنظام طالبان بسرعة، إلا أن الحركة أعادت تنظيم صفوفها وبدأت تمرداً مسلحاً منذ ذلك الحين اجتذب جيران أفغانستان وقوات من عشرات الدول، بما في ذلك قوات حلف شمال الأطلسي.
ونصّ اتفاق سحب القوات الذي تم توقيعه بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في فبراير، في محاولة لإيجاد تسوية سياسية لإنهاء الحرب، على إجراء مفاوضات للتوصّل إلى اتفاق سلام شامل.
وبعد تأجيل استمر أشهراً، تمّ التوصّل الأسبوع الماضي إلى حل الخلاف بشأن طلب حركة طالبان الإفراج عن خمسة آلاف سجين.
ترمب ينفّذ وعده
ويتطلع الرئيس الأميركي دونالد ترمب أيضاً لإظهار التقدّم في تعهّده بإنهاء التدخل الأميركي وسحب معظم القوات الأجنبية المتمركزة في أفغانستان قبل الانتخابات الرئاسية التي تجري في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
وقال خبراء إن كيفية إشراك طالبان، التي ترفض شرعية الحكومة الأفغانية المدعومة من الغرب، في أي ترتيب لحكم البلاد، وكيفية حماية حقوق النساء والأقليات التي عانت من حكم الحركة، يمثلان تحديين كبيرين.
وعلى الرغم من ذلك، يقول كثيرون من الدبلوماسيين وضحايا العنف وأعضاء المجتمع المدني إن المفاوضات هي السبيل الواقعي الوحيد لإنهاء الصراع الذي أدى إلى قتل أكثر من 100 ألف مدني وعرقلة تنمية أفغانستان، تاركاً الملايين في حال فقر.