بين الأزمات التي لا تنتهي في قطاع غزّة تبرز معاناة الشباب، بخاصة جيل التسعينيات، الذين قضوا زهرة أعمارهم تحت وطأة الحرمان من الوظائف والتمكين الاقتصادي. وهذا ما دفعهم إلى إطلاق حملة إلكترونية بعنوان "شيّبنا" على مواقع التواصل الاجتماعي تعرض تجاربهم ومطالبهم بالحصول على فرص عمل.
انطلقت الحملة بعد إعلان وزارة الداخلية في غزّة، التي تسيطر عليها حركة "حماس"، عن حاجتها لحوالى 200 عنصر أمن، على أن يكونوا من جيل الألفين.
جيل بلا فرص عمل
يقول منسق حملة جيل التسعينيات حمزة حماد إن هذه الفئة عاشت مراحل خطيرة وظروفاً صعبة في قطاع غزّة، إذ شهدت الانقسام الفلسطيني وثلاثة حروب مدمرة، فضلاً عن واقعٍ معيشي واقتصادي صعب جداً، ولم يحصل إلا القليل منها على فرص توظيف أغلبها في السلك الخاص أو المؤسسات الأهلية.
في الواقع، لم يحصل جيل التسعينيات على أي فرصة عمل في السلك الحكومي منذ وقوع الانقسام الفلسطيني بين حركتي "فتح" و"حماس" عام 2007. إذ أغلقت السلطة الفلسطينية باب التوظيف أمام سكان القطاع، واقتصرت الوظائف في حكومة "حماس" على المنتمين أو المقربين من الحركة.
وفي ذلك الوقت، كان عمر جيل التسعينيات يتراوح بين 10 و16 سنة، أي أنهم كانوا غير مؤهلين للتقدم لوظائف في السلك الحكومي. وبعد استيعاب "حماس" كادرها الوظيفي في الحكومة الموازية، أغلقت باب التوظيف.
وفي عام 2019، فتحت حكومة "حماس" باب التوظيف أمام ألف من الخريجين في جميع الوزارات الحكومية، وفي عام 2020، أعلنت عن حاجتها لأكثر من ألفي موظف في القطاع العسكري (الشرطة وأجهزة الأمن)، شرط أن يكونوا من جيل الألفين.
يقول حمّاد "بات عمر الشباب غير صالح للتوظيف من وجهة نظر الجهات الحكومية. واليوم تتعامل مع جيل الألفين، وتهمش حق الشباب في التوظيف".
اعتراض حمّاد على سياسة حكومة غزّة في اختيار الفئة العمرية للتوظيف، يأتي من باب عدم حصول الشباب في جيل التسعينيات، على أي فرصة عمل خلال 15 عاماً الماضية، سواءً كانت في السلك الحكومي أو الخاص أو الأهلي.
واقعياً، قلّصت الدول المانحة مشاريعها التشغيلية في قطاع غزّة، واستغنت المؤسسات الدولية عن عدد كبير من موظفيها، وكذلك أغلق القطاع الخاص أكثر من 250 ألف من المنشآت التجارية والاقتصادية التي أدت إلى فقدان الشباب وظائفهم.
وبحسب حمّاد، فإن جيل التسعينيات يحمل كثيراً من الطاقة ولديه طموح وقدرات عملية وعلمية وجسدية كبيرة، تمكنه من قيادة المؤسسات والوزارات، لكنه يحتاج إلى فرصة حقيقة.
تجارب مريرة
انطلاقاً من ذلك، كتب جيل التسعينيات قصصاً مريرة عن تجاربه في الحصول على فرصة عمل. يقول كرم مهدي "لدي جميع المواصفات المطلوبة في إعلان الوظيفة الخاص بالجهاز الأمني، لكن عمري غير متطابق. فأنا أبلغ 25 سنة، بينما المطلوب من سن 18 حتى 22".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويروي علي شلح "تقدمت إلى وزارة في غزّة طالباً العمل تحت أي مسمى وظيفي، لكنهم طلبوا مني شهادة خبرة بخمس سنوات، وعندما وجدوا أن عمري 27 سنة رفضوني، بذريعة أنني أكبر من سن التوظيف (22 سنة). وبعدها، توجهت إلى القطاع الخاص والأهلي وطلب مني شهادة خبرة بعشر سنوات". ويتساءل: "كيف أحصل على شهادة خبرة عشر سنوات وعمري 27 سنة؟".
وفق القانون الأساسي الفلسطيني، فإن سن التوظيف في فلسطين يتراوح بين 18 و22 سنة في الشق العسكري من السلك الحكومي، وبين 20 و24 في الشق المدني. لكن ذلك غير مطابق لظروف شباب قطاع غزّة، يقول المحامي صلاح عبد العاطي. ويوضح "عندما يكون الشاب في عمر 22 يبدأ مرحلة التدريب وتأهيل القدرات، وينتهي منها في عمر 25. عندها، لن يسمح له سنه بالحصول على وظيفة. لذلك، على صناع القرار تعديل القوانين لتصبح أكثر ملاءمة مع الواقع في القطاع".
تبرير واستدعاء
وبعد كتابة حوالى 7 آلاف قصة عن مرارة ظروف حياة جيل التسعينيات وصل صوتهم إلى صناع القرار في غزّة. لكن المتحدث باسم وزارة الداخلية والأمن الوطني إياد البزم اعتبر أن الانتقاد لتخصيص الوظائف لجيل الألفين غير منطقي، بخاصة في ظلّ الظروف الصعبة التي تمر فيها الحكومة في غزّة.
وأوضح رئيس الديوان العام للموظفين يوسف الكيالي "في الفترة ما بعد عام 2007 تمّ توظيف أكثر من 37 ألف موظف في القطاعين المدني والعسكري، كان نصيب جيل التسعينيات منهم ما يزيد على خمسة آلاف موظف (3121 عسكرياً + 2843 مدنياً) أي ما نسبته 15.8 في المئة من إجمالي مَن تمّ توظيفهم"، معتبراً أن هذه النسبة عادلة، لا سيما أن جيل التسعينيات كان لا يزال في حينها على مقاعد الدراسة.
ووفقاً لحماد، فإنه استدعي مع آخرين شاركوا في الحملة من قبل جهاز المباحث العامة على خلفية كتابته على "فيسبوك" لنصوص مخالفة للقانون.