بدأت نقاط التعقيد في ملف الأزمة الليبية بالتفكك واحدة تلو الأخرى، معطية مؤشرات إيجابية حول فرص التوصل لاتفاق شامل بين طرفي النزاع، بعد سنوات من الصراع السياسي والعسكري، خلّفت انقساماً كاملاً في مؤسسات الدولة، وتردياً واسعاً في الخدمات، بالإضافة إلى أزمات اقتصادية خانقة أثقلت كاهل المواطن.
فبعد توقيع وفدي مجلس النواب والدولة على مسودة الاتفاقات التي توصلا إليها حول تقاسم المناصب السيادية، بعد محادثات شاقة في المغرب، يقترب الطرفان من الاتفاق على بعض النقاط الخلافية، التي شكلت لسنوات عقبات حقيقية في طريق الحل السياسي، خصوصاً ما يتعلق بتقاسم الثروات وإدارة الدخل النفطي وتقاسم السلطة التنفيذية، بين أقاليم ليبيا التاريخية الثلاثة، في الحوارات الأخرى، على رأسها تلك الدائرة في مصر.
في المقابل، واصل الحراك الشعبي في شرق ليبيا، تظاهراته احتجاجاً على أداء الحكومة الليبية المؤقتة بقيادة عبد الله الثني، بعد العجز التام الذي أظهرته في مواجهة الأزمات المعيشية والخدمية الخانقة، ما دفع الحكومة إلى تقديم استقالتها لرئيس مجلس النواب بطبرق عقيلة صالح، الذي رفض الاستقالة.
تظاهرات الشرق تتمدد
وتواصلت التظاهرات الاحتجاجية في مدن الشرق الليبي لليوم الثالث توالياً، وتمددت إلى مدن أخرى بعد بنغازي والبيضاء وطبرق، لتشمل مدن المرج شرق بنغازي وإجدابيا غربها، كما شهدت تصعيداً كاد يخرج الأمور عن نصابها بعد يومين من التظاهر السلمي، الذي لقي إشادة من الجميع في ليبيا.
جاء هذا التصعيد، بعد إقدام متظاهرين على حرق إحدى البوابات الرئيسة لمبنى الحكومة الليبية المؤقتة في بنغازي، قبل تدخل قوات الجيش والشرطة، والسيطرة على الأمور من جديد. وقام المتظاهرون بمهاجمة مبنى الحكومة احتجاجاً على ما وصفوه بعجزها عن تلبية احتياجات المواطنين، وشبهات الفساد التي تحوم حول بعض وزرائها.
استقالة المؤقتة ورفض النواب
وبعد هذه التطورات، عقد صالح اجتماعاً عاجلاً مع الحكومة المؤقتة، طلبت خلالها الأخيرة إعفاءها من مهامها، لكن صالح رفض الاستقالة، طالباً تأجيلها حتى يعرضها على البرلمان في جلسة رسمية، تنعقد خلال أيام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال المكتب الإعلامي لمجلس النواب، إن "ذلك جاء خلال الاجتماع الطارئ الذي عقده رئيس مجلس النواب، الأحد 13 سبتمبر (أيلول)، مع عدد من المسؤولين، لبحث تلبية مطالب الشارع بشأن تردي الأوضاع الخدمية والمعيشية، وفي مقدمتها أزمة انقطاع الكهرباء ونقص السيولة في المصارف التجارية، وإيجاد الحلول لتجاوز هذه الأزمات والتخفيف من وقعها على المواطن".
الجيش يحذر من انحراف التظاهرت
وأكدت القيادة العامة للجيش الليبي من جهتها، في بيان تلاه اللواء أحمد المسماري، الأحد، على "حق الشعب الليبي في التظاهر ووقوف قيادة الجيش الليبي إلى جانبه، في سبيل تحقيق مطالبه العادلة وخصوصاً المتعلقة بالأمن"، مؤكداً أن "الجيش يتعهد بحماية المحتجين وتفويت الفرصة أمام المتسللين لحرف التظاهرات عن مسارها".
وقالت القيادة العامة إنها "تتابع باهتمام شديد تطورات الأزمة الليبية، السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية، وما نتج عنها من حراك شعبي، احتجاجاً على هذه الأزمات، التي باتت تمس حياة المواطن بشكل مباشر، خصوصاً مع انتشار وباء كورونا وانعدام السيولة النقدية وغلاء الأسعار وتفشي الفساد".
ووصف البيان هذه الأزمات بـ"المُفتعلة"، مؤكداً على "حق الشعب في التظاهر، ورفض الواقع المرير الذي وضع فيه المتآمرون والعملاء والخونة البلاد، وحصد شرها الليبيون".
وعود بإعادة ضخ النفط
سياسياً، لا يزال بيان السفارة الأميركية في ليبيا، الذي قالت فيه السبت إن "قيادة الجيش الليبي نقلت إلى الحكومة الأميركية، الالتزام الشخصي للمشير خليفة حفتر بالسماح بإعادة ضخ النفط بالكامل، في موعد أقصاه 12 سبتمبر" يثير جدلاً واسعاً في ليبيا، مع التزام الجيش الصمت تجاهه، وتجاوز المدة التي حددها البيان، من دون إعادة فتح الموانئ والحقول النفطية.
وكانت السفارة أعربت في بيانها عن "ارتياحها لقرب الاتفاق على تمكين المؤسسة الوطنية للنفط من استئناف عملها الحيوي غير السياسي"، مشيرةً إلى أن السفير "نورلاند" شدد في مراسلاته، مع الأطراف الليبية كافة، على "ثقة الولايات المتحدة في المؤسسة الوطنية للنفط، ودعمها لنموذج مالي، من شأنه أن يشكل ضمانة موثوقة بأن إيرادات النفط والغاز ستتم إدارتها بشفافية، والحفاظ عليها لصالح الشعب الليبي".
تفاؤل يشوبه الحذر
وعزز بيان السفارة الأميركية التفاؤل، الذي يعم المشهد الليبي منذ أيام، والذي تنامى بتوقيع وفدي مجلس النواب والدولة السبت في المغرب، على المسودة النهائية للاتفاق، الذي توصلا إليه أخيراً، بعد مفاوضات صعبة تواصلت لأيام.
وأدت هذه المفاوضات، إلى توصل الوفدين لتفاهمات حول آليات اختيار الشخصيات، التي ستشغل المناصب السيادية في الدولة الليبية، ووضع آليات لمحاربة الفساد في هذه المناصب، والاستفادة من الخبرات الدولية لبناء المؤسسات.
وجاء في البيان الختامي المشترك، الذي تلاه إدريس عمران، عن مجلس النواب الليبي، أن "الطرفين اتفقا أيضاً على مواصلة هذا الحوار واستئناف هذه اللقاءات في الأسبوع الأخير من الشهر الحالي، من أجل استكمال الإجراءات اللازمة التي تضمن تنفيذ هذا الاتفاق وتفعيله".
اتفاق على 4 نقاط
في السياق ذاته، صرح صالح أن "هناك اتفاقاً بين المجلس ومجلس الدولة في طرابلس على أربع نقاط رئيسة لإنهاء الأزمة في البلاد".
موضحاً أن "الاتفاق ينص على تولي كل إقليم من أقاليم البلاد الثلاثة، اختيار ممثلهم في المجلس الرئاسي الجديد المكون من رئيس ونائبين، عبر مجموعات انتخابية، ويشمل أيضاً أن تكون مدينة سرت وسط البلاد، مقراً للحكومة الجديدة وللمجالس التشريعية وللمصرف المركزي".
وشدد قائلاً "على جميع السلطات المعنية إنجاز مهامها في الفترة المحددة، وأهمها اتخاذ الإجراءات الدستورية والقانونية لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، في الموعد المحدد".
ويرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية جمال الشطشاط، أن "التفاؤل بما يتم الحديث عنه طبيعي، ولكن عوّدتنا المسارات المتعرجة والمعقدة، التي سارت بها الأزمة الليبية طيلة السنوات الماضية، على لزوم الحذر دائماً تجاه ما يُقال، وانتظار الأفعال التي هي أصدق وأوثق".
وأضاف "الاتفاق الحالي توصيفي له بأنه اتفاق بين الفرقاء السياسيين على تقاسم كعكة المناصب، ولكن تبقى كلمات لأطراف أخرى لم تقل، وقد تكون حاسمة وفاصلة، وأنا أعني الأذرع العسكرية لكل طرف، التي تراقب بصمت الآن، حتى تعرف مصيرها بعد هذه الاتفاقات، لتحدد موقفها منها".
وأشار إلى أن "الشيء نفسه تقريباً ينطبق على الأطراف الخارجية التي ستنظر نظرة مصلحية لهذه الاتفاقات، فإن خدمت مصالحها وحمتها ستدعمها، وإلا فلا، وأنا أقصد المنخرطين الكبار منذ سنوات في سياق الأزمة، قدموا دعماً كبيراً خلالها لأطراف النزاع، ولا يمكن الآن إخراجهم من (المولد بلا حمص)".