تزايد عدد القضايا التي يوجه فيها قضاة التحقيق في المحاكم الجزائرية تهمة "الاتجار بالبشر" لمشتبهين في جرائم تتصل بـ"الهجرة السرية"، سواء عبر السواحل الشمالية للبلاد أو عبر الحدود البرية الجنوبية. ويعتمد قضاة التحقيق على قانون العقوبات بما في ذلك تهمة "نية الشروع" في الهجرة. وقد لاحظ قانونيون استعادة هذه التهمة "النادرة" ضمن بعض القضايا التي طفت أخيراً ولهم عليها بعض الاعتراضات.
وتعطي المصالح الأمنية المختصة بمحاربة الهجرة السرية في البلاد، انطباعاً في الفترة الماضية، بوجود تحوّل لافت في التعاطي مع هذا النوع من القضايا، بوجود عدد كبير من البيانات والتسجيلات المصورة لعمليات توقيف مهاجرين سريين أو لمشتبهين بتنظيم تلك الرحلات السرية قبل إحالة القضايا على قضاة التحقيق في محاكم في شمال البلاد أو أقصى جنوبها.
ونادراً ما وجه القضاء الجزائري تهمة "الاتجار بالبشر" في قضايا تتصل بهجرة سرية، لكن بعضاً من المحامين لاحظوا تفعيل ما يرد في هذا الخصوص في قانون العقوبات الجزائري بتعديلاته الكثيرة، لا سيما في الفصل المتعلق بشروط دخول الأجانب إلى الجزائر وإقامتهم وتنقلهم فيها، أو بمخالفة قوانين مغادرة الإقليم الوطني، الاتجار بالأشخاص، الإتجار بالأعضاء البشرية، ثم تهريب المهاجرين في المادة 303 مكرر 30 وما بعدها.
الاتجار بالأشخاص
يصف قانون العقوبات الجزائري الاتجار بالأشخاص كل "تجنيد أو نقل أو تنقيل أو إيواء أو استقبال شخص بواسطة التهديد بالقوة أو باستعمالها أو غير ذلك من أشكال الإكراه، أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو إساءة استعمال السلطة أو استغلال حالة استضعاف أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سلطة على شخص آخر بقصد الاستغلال".
ويتضمن نص القانون فصل يشجع المساهمين بالإعفاء وتخفيف العقاب عليهم في حال تبليغهم عن جريمة تهريب المهاجرين، ويشمل كل من يبلغ السلطات الإدارية أو القضائية عن جريمة تهريب المهاجرين قبل البدء في تنفيذها أو الشروع فيها.
يذكر المحامي لدى مجلس قضاء العاصمة، أمين سيدهم، لـ"انبدندنت عربية"، أن تهمة الاتجار بالبشر "نادرة جداً في تعاملات القضاء الجزائري، لكنها لم تعد منعدمة وفق متابعات قانونية تمت في محاكم في الجنوب الجزائري، لكنها حالات قانونية ضئيلة جداً". ويضيف "في وقت سابق، تعامل القضاء مع هذه القضايا وفق تهم محاولة الإبحار السري إذا ما تعلق الأمر بمغادرة التراب الوطني سراً عبر البحر، في حين شهدنا حالات توجيه تهمة المتاجرة في قضايا الإبحار السري، لا سيما بوجود مقابل مادي ثابت".
تضييق أكثر
إلى وقت قريب، كان مجرد التلميح إلى قضايا الاتجار بالبشر على الأراضي الجزائرية ضمن بعض التقارير الحقوقية الدولية يثير رد فعل غاضباً من سلطات البلاد. ومرد الغضب الجزائري يتصل بقضايا "الرق والدعارة"، لا سيما الآتية من جنوب القارة الأفريقية بعيداً من قضايا الهجرة السرية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويمكن التصور أن هذا التوجه على علاقة ببعض الضغوط الأوروبية التي تواجهها الجزائر على فترات متقطعة، لا سيما من أحزاب يمينية في إسبانيا وإيطاليا على وجه التحديد، وتعلن السلطات الجزائرية أنها تبذل مجهودات كبيرة للحد من الهجرة السرية من جنوب الصحراء وأنها تفضل معالجة جذور الظاهرة وليس نتائجها، لكنها كثيراً ما رفضت دور "الدركي المتقدم" على الرغم من "سخاء" الاتحاد الأوروبي مادياً في دعم البلدان التي تعبر عن نيتها أداء هذا الدور.
يعتقد المحامي قرازة الياس أن "مشكلة الهجرة السرية والواقع القانوني الذي أصبحت المحاكم تنظر فيه وبصفة متزايدة، هو نتيجة لظروف إقليمية من انعدام الأمن والصعوبات الاقتصادية لكثير من الدول وهشاشة فرض الأمن عبر الحدود".
ويضيف الياس لـ"اندبندنت عربية"، أنه بناء على ملاحظات من محاكم المحافظة الجنوبية، فإن "الظروف المعيشية والأمنية في بلدان الجوار جنوباً دفعت بموجات من البشر إلى الهروب نحو دول الجوار التي تتمتع باستقرار سياسي وأمني، سواء اللجوء إليها أو اعتبارها كمرحلة لبلوغ الضفة الثانية من البحر الأبيض المتوسط".
جماعات سرية منظمة
ويكشف الياس أن "هناك جماعات تنشط في شكل منظم لتسهيل عملية تنقل الأفراد في مقابل بدل مادي، وهذا ما يطلق عليه الاتجار بالبشر، وهذه جنحة يعاقب عليها القانون، وقد لاحظنا في الآونة الأخيرة أن المحاكم بدأت وبشكل شبه يومي معالجة كثير من قضايا تأخذ وصف الجريمة المنظمة والجنحة البسيطة، وأغلب الجنسيات المتورطة هي من منطقة الساحل الأفريقي".
ويوضح أن "توجيه الاتهام ووصف الفعل المجرّم بات أوسع، وقد بات الاتهام يشمل حتى الناقل داخل التراب الوطني، وهنا يثار الإشكال القانوني حول مدى اعتبار أركان الجريمة قائمة بوجود عامل حسن النية وانعدام الركن المعنوي، كهيئة دفاع نتساءل أحياناً كيف يوجه اتهام في هذه الحال أمام وجود جريمة عدم تقديم مساعدة لشخص في حالة خطر".
ويعتقد الياس أن "الأليات القانونية الموجودة تحاول منع الاتجار بالبشر لحماية حقوق الإنسان وحرية تنقل الأشخاص وفق المواثيق والمعاهدات الدولية، وقطع الطريق أمام الشبكات الإجرامية التي تطورت إلى دعم الجماعات الإرهابية بنقل المرتزقة عبر الحدود. وعلى العموم، القضاء في الجزائر وبمنظومته القانونية المتكيفة مع المواثيق والمعاهدات الدولية لحماية حقوق الإنسان يحاول حماية سيادته من خلال محاولة وقف عملية تجارة البشر".
سلامة الأمن القومي
يتعاطى القانون الجزائري مع الاتجار بالأشخاص على أساس جريمة تهدد سلامة البشر، أما التهريب فهو جريمة ضد الدولة تشكل تهديداً لسلامة الأمن القومي. ففي بحث أكاديمي للأستاذة المحاضرة في جامعة الجلفة، بسعود حليمة، في شأن جريمة تهريب المهاجرين في قانون العقوبات الجزائري، يرد أنه "على الرغم من أن الاتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين جريمتان متمايزتان، لا يعني ذلك أنه ليس بينهما قواسم مشتركة وأوجه تشابه، فكلاهما جرم يشتمل على نقل أفراد من البشر كسباً للربح، والحالات الفعلية من كل منهما قد تنطوي على عناصر من هذين الجرمين معاً، أو قد تنتقل من جريمة إلى أخرى، فالعديد من ضحايا الاتجار بالأشخاص يبدأون رحلتهم بموافقتهم على تهريبهم من دولة إلى أخرى. ثم إن المهاجرين المُهرّبين قد يتورطون بالخداع أو بالقسر في حالات استغلالية في ما بعد، وبذلك يصبحون ضحايا الاتجار بالأشخاص".