Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حروب "أوبك" وجنرالاتها

السعوديون قادوا المبادرات لانقاد المنظمة من الانهيار كلما قيل أوشكت أن تحتضر

تم تأسيس أوبك في بغداد عام 1960 (غيتي)

بدأت منظمة الدول المصدرة البترول المشهورة باختصارها "أوبك" مثل الولد الشقي الذي يثير خليطاً من السخرية والإعجاب، حتى يشب عن الطوق ويوقظ في النفوس كوامن الغيرة، وربما لهيب المكيدة والحسد، فحين جاءت فكرتها على الأرجح من عند أول وزير نفط سعودي الراحل عبد الله الطريقي وصديقه الفنزويلي خوان ببلو بيريز ألفونسو لم يأخذ أرباب الصناعة الغربيون مآربهما على محمل الجد.

لكن، ما لبث شأن المنظمة الوليدة في بغداد يكبر شيئاً فشيئاً، حتى أضحت تستدعي تعليقات دول عظمى وشركات نفط عملاقة، ظنت أن دول العالم الثالث، القابع بعضها تحت نير الاستعمار آنذاك، أقل عزيمة من أن يؤرق تكتلها المحترفين في الست الكبار مثل "إكسون موبيل، وشل، وبي بي، وتوتال"، التي تؤوي إلى ركن القوى الكبرى.

وفي مناسبة تأسيس المنظمة بمرور 62 عاماً على إنشائها، استذكرت عبر شريط صور تاريخية، لحظات حاسمة من نضالها في سبيل الدفاع عن رغد عيش بلدانها وكرامتهم في الاستقلال بقرار التحكم في خيراتها، فأظهرت الصور العتيقة نجوم "مؤتمر بغداد" التاريخي الذي عقد في الفترة ما بين 10 - 14 سبتمبر (أيلول) 1960 في قاعة الشعب بالعراق، وهم يمثلون الدول الخمس المؤسسة للمنظمة: السعودية والعراق والكويت وإيران وفنزويلا.

وكان من الطبيعي أن يمثل السعودية وزيرها عراب الفكرة الطريقي، الذي وثقت الدراسات عنه كيف كان بين أوائل الموقظين لنفس الاستقلال النفطي، إذ كان يومها محتكراً من جانب شركات القوى العظمى، التي استمرأت جني الأرباح الطائلة من نفط العرب والدول النامية، ولا تخصص لهم غير "الفتات"، مستندة إلى عقود إذعان جائرة أبرمت في ظروف مغايرة.

لكن، مع ذلك فضلت دول، بينها السعودية، أن تستعيد حقوقها بالطرق القانونية عبر شراء حصص الشركة المستثمرة في حقولها، بدلاً من التأميم الذي لجأت إليه دول أخرى مثل مصر، وكان ذلك بين أسباب عديدة قيل إنها منحت السعودية ثقة عالمية، كمصدر موثوق للطاقة يمكن الاعتماد عليه.

بعد أن انتهت فترة الطريقي، بزغ نجم آخر استمر طويلاً في قيادة زمام المبادرة في صنع القرار النفطي السعودي أكثر من 20 عاماً هو الوزير أحمد زكي يماني، وبين المحطات التي صنعت نجوميته مجيئه في عهد الملك فيصل الذي اشتهر بمواقفه الحاسمة في قضية حرب 73 مع إسرائيل، يوم عاقب حلفاءها بقطع إمدادات النفط عنهم، ما أحاط المقربين من القرار بهالة كبيرة، ربما أثارت غيرة قوى المقاومة الفلسطينية التي أرسلت إلى اجتماع أوبك في فيينا 1975 عصابة مسلحة بقيادة الفنزويلي الشهير بلقب "كارلوس"، فاقتحم القاعة التي تضم وفود أعضاء المنظمة، الذين أصبحوا أكثر من الخمسة المؤسسين، مثل نيجيريا والإمارات والجزائر.

 

لكن، من حسن الحظ أن كارلوس لم ينفذ تعليمات رؤسائه، فلم يقتل الوزير السعودي أحمد زكي يماني ونظيره الإيراني، حسب التعليمات التي انكشف أنه تلقاها من القذافي، وفقاً لكتاب أصدره قبل سنوات بواسطة كاتب فرنسي، وآخر هو "الصندق الأسود" للزميل غسان شربل الذي التقى مجموعة من رفاق كارلوس، ووثق بعض وقائع عمليات الرجل المثير للجدل حتى اليوم.

من هذه المحطة تجددت نجومية يماني عبر تركيز الخاطفين على استهدافه، وقيادته دفة الحوار معهم، قبل أن تجري التسوية في الجزائر بتفاوض من رئيس الجزائر الأسبق عبد العزيز بوتفليقة الذي كان حينها وزير الخارجية، بعد رحلة رعب تنقلت بين النمسا وتونس والجزائر.

 

وفي هذا السياق برز الوزراء المختطفون في دولهم، خصوصاً الإيراني والكويتي عبد المطلب الكاظمي، الذي ذكر في فيديو له، شاهدته "اندبندنت عربية" أنه تشابك مع الخاطفين عند الباب، ولم يكن يعرف حينها أنهم مسلحون، إلا أن حسن حظه جعله في خانة بين الأعداء والأصدقاء، فلم تطلق عليه جماعة كارلوس الرصاص.

وقال إنه عندما اقتُحم الاجتماع قسم الأعضاء إلى ثلاث قوائم، هي "الأعداء، والأصدقاء، والمحايدون"، وجرى تصنيف بلاده بين الأصدقاء، على أنهم أقروا بأنها نصفها عدو. وكان العدوان من دون استثناء بين المجموعة هما "السعودية وإيران"، وذلك في عهد الملكية قبل وصول الإسلاميين إلى السلطة في طهران 1979.

وكان الكاظمي قد نجا قبل ذلك بأشهر فقط من عملية لا تقل دموية، راح ضحيتها الملك السعودي فيصل بن عبد العزيز، الذي كان في استقباله لحظة اغتياله في مكتبه في الـ25 من مارس (آذار) 1975 قبل أشهر من اقتحام اجتماع أوبك في الـ12 من ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه.

لم تكن الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية مثل حروب الخليج الثلاث في الثمانينيات والتسعينيات ومطلع الألفية الجديدة وغيرها بمعزل عن منظمة أوبك، إذ لعبت المؤسسة في كل المراحل دوراً حافظ على إمداد أسواق الطاقة في العالم بالنفط من دون انقطاع. إلا أن ذلك لم يجعلها محل الرضا من الغرب والمصدرين والمستهلكين من خارجها، اللائمين لها على انهيار الأسعار تارة، وارتفاعها تارة أخرى.

ويعيد المختص في الطاقة أنس الحجي ذلك الدور إلى قيام الحكومة السعودية بجهود مضاعفة، كانت السر في صمود المنظمة أمام ظروف متغيرة بالغة التعقيد، هذا على الرغم من أن جميع دول أوبك متساوية في التصويت واتخاذ القرار، وليس وفقاً لحجم الإنتاج لكل منها.

وقال، في مقالة كتبها لـ"اندبندنت عربية"، "الأمر الوحيد الذي يتفق عليه كل الخبراء والإعلاميين، حتى أعداء النفط والعرب وأوبك، هو دور السعودية المهم في أوبك وأسواق النفط العالمية، وأنه لولا السعودية لما قامت لأوبك قائمة. ويذهب البعض أبعد من ذلك، وأنا منهم، إلى القول إنه على أرض الواقع أوبك هي السعودية والسعودية هي أوبك. وأهمية دور السعودية تنبع من مرونتها في تغيير الإنتاج صعوداً أو هبوطاً بشكل لا يمكن لأي دولة أخرى أن تقوم به".

وهذا ما سجله أحد نجوم أوبك السعوديين المهندس علي النعيمي حين لفت في مذكراته "من البادية إلى عالم النفط"، إلى أن الأنظار دائماً تتجه إلى الرياض كلما ساءت أحوال الطاقة صعوداً أو هبوطاً، لمستويات أحياناً تتجاوز المنشغلين بالنفط إلى مصادر صنع القرار في الاقتصادات العالمية الكبرى، قائلا "اتسمت جميع معاركنا السابقة بمحاولة دفع أسعار النفط إلى الارتفاع، لكن منذ عام 2008 فصاعداً أخذنا نناضل لكبح جماحها. لم يكن ذلك أقل صعوبة، بل تطلب جهداً وتنسيقاً على صعيد عالمي".

 

وذكر على سبيل المثال أنه في الثالث من مارس (آذار) 2008 "بلغت عقود النفط في بورصة نيويورك التجارية (نايمكس) 103.95 دولار للبرميل، وهو أعلى سعر سُجل على الإطلاق، متجاوزاً بذلك الرقم القياسي الذي حققه في أبريل (نيسان) عام 1980 بـ19 سنتاً، بعد تعديل السعر حسب التضخم، ليعادل بذلك أربعة أضعاف متوسط السعر قبل بضع سنوات. ولم يبدُ أن الأسعار ستشهد انخفاضاً قريباً".

ومع أن لذلك الارتفاع أسبابه المنطقية بعض الشيء الآتية من فنزويلا والمكسيك والعراق واسكتلندا، فإن السعودية بخبرتها النفطية، أدركت حسب النعيمي أن العالم "بصدد أزمة إن استمر ارتفاع أسعار النفط. فلطالما طالبنا باستقرار الأسعار لتعكس التوازن في تكلفة خلق العرض والطلب بما يقتضيه واقع النمو الاقتصادي في العالم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن، مع هذا لم ترض "أوبك" قط للقوى العالمية، وبعض النافذين فيها أمثال الرئيسين الأميركيين دونالد ترمب وجو بايدن، وكذلك الروسي فلاديمير بوتين، إذ اشتهر (ترمب) بمواقفه المعادية المنظمة حتى قبل وصوله إلى البيت الأبيض، بينما حاول رجال بوتين لي ذراع مؤسسة النفط الأبرز في العالم، عبر رفض تجديد اتفاق خفض الإنتاج عبر منظومة "أوبك بلس" 2020، مشعلين بذلك حرب أسعار مع الرياض، بوصفها اللاعب الأهم في الطاقة على مستوى العالم، لا في أوبك وحدها.

بيد أن هذا السجال حول حصص السوق النفطية، سمح ببزوغ نجم سعودي آخر هو الأمير عبد العزيز بن سلمان وزير الطاقة السعودي الذي استطاع كسب معركة الأسعار في أصعب الظروف التي مرت بالعالم، وسط أزمة جائحة كورونا، فتمكن وهو الخبير النفطي منذ عقود أن يقنع الروس والمكسيكيين ليس فقط بأن يجددوا الخفض السابق في تفاهم ما عرف بـ"أوبك بلس"، لكن أقنعهم بجدوى خفض أكثر، انضم إليه أعضاء جدد ليسوا ضمن الأول، بل يتردد إن نتائج الاتفاق الإيجابية ربما أقنعت مجموعة "بلس" مع الوقت بأن ينضموا إلى "أوبك" ليتجدد بهم شبابها بعد عيدها الستين، حسب اعتقاد متخصصين مثل الحجي توقعوا "إعادة هيكلة (أوبك بلس) بحيث تظهر منظمة جديدة"، يمثل أعضاء أوبك لبنتها الأولى ولو بعد حين.

وعلى الرغم من ذلك شهدت المنظمة بعض الإخفاقات دفعت إلى انسحاب أعضاء كانوا فيها مثل إندونيسيا وقطر، بيد أن الأخيرة جرى تفسير انسحابها على أنه محاولة للضغط سياسياً على جيرانها في الخليج التي كانت على خلاف معهم حينها، إلا أن الدوحة نفت ذلك، واعتبرت الخطوة المستغربة من جانبها في 2018 أرادت بها التركيز على مجال آخر من الطاقة أكثر حيوية بالنسبة إليها. في إشارة إلى "الغاز" الذي تملك الإمارة الخليجية منه احتياطيات ضخمة على مستوى العالم.

اقرأ المزيد

المزيد من البترول والغاز