تترقب الأنظار في واشنطن ساكن البيت الأبيض المقرر في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، حيث ترجح استطلاعات الرأي فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن بالرئاسية على حساب الرئيس الحالي دونالد ترمب الذي يسعي لولاية ثانية. بايدن الذي كان يرأس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ قبل أن يصبح نائب الرئيس السابق باراك أوباما في 2009، يحتفظ بسجل طويل من العمل السياسي الذي يجعله مؤهلاً لإدارة السياسات الخارجية للولايات المتحدة بطريقة تختلف عن الرئيس الحالي الذي يواجه انتقادات واسعة على الصعيد المحلي والدولي.
اتفاقات إبراهام
على الرغم من أن الشرق الأوسط منطقة مألوفة لبايدن، لكن المنطقة التي عادة ما استحوذت على الكثير من شواغل الإدارات الأميركية المتعاقبة خلال العقود الأربعة الماضية، تختلف تماماً عن الشرق الأوسط الذي كان في نهاية إدارة أوباما على الصعيدين العداوات والصداقات. ربما أهم تغيير طرأ ويمثل بداية فصلاً جديداً في تاريخ المنطقة، هي اتفاقات السلام العربية - الإسرائيلية أو ما يعرف بـ"اتفاقات أبراهام أو إبراهيم".
بدأت اتفاقات إبراهام بإعلان معاهدة سلام بين الإمارات وإسرائيل بوساطة أميركية في منتصف أغسطس (آب) الماضي ثم انضمت البحرين إلى الاتفاق، الذي تم توقيعه الثلاثاء الماضي في البيت الأبيض، لتحقق إدارة الرئيس ترمب انتصاراً سياسياً تاريخياً لم يحرزه قبله سوى الرئيس الحائز على جائزة نوبل للسلام جيمي كارتر عندما قام برعاية اتفاق كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل. وعلى الرغم من أن الرئيس الأسبق بيل كلينتون كان وسيطاً في اتفاق مماثل بين الأردن وإسرائيل عام 1994، لكن ما يميز اتفاقات أبراهام أنها تشمل أكثر من دولة وليس دولة واحدة.
حظي الإعلان الأولي عن السلام بين الإمارات وإسرائيل، الذي جاء كثمرة جهود طويلة عملت عليها إدارة ترمب بقيادة مستشاره وصهره جاريد كوشنر، على ثناء من بايدن الذي قال خلال حدث خاص لجمع التبرعات لحملته، "أعتقد أن ترمب سيفعل شيئاً إيجابياً عن طريق الصدفة، في ما يتعلق بهذه القضية، باعتراف الدول العربية الأخرى بدولة إسرائيل". أضاف أن اشتراط السلام بتعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتعليق خطط ضم أجزاء من الضفة الغربية "ليس أمراً سيئاً أيضاً".
غضب فلسطيني
هناك حالة كبيرة من الغضب الفلسطيني تجاه إدارة ترمب، إذ إنهم يرون أن سياستها تتحيز بشدة نحو إسرائيل، لذا يعلق القادة الفلسطينيون الآمال على فوز بايدن لتغيير دفة سياسات واشنطن. وبحسب مصادر تحدثت لوكالة "رويترز" قبل شهرين، فإن الفلسطينيين الأميركيين يضغطون على حملة المرشح الديمقراطي من أجل التغيير، وهو التوجه الذي يدعمه التيار التقدمي داخل الحزب الديمقراطي. وخلال مؤتمر افتراضي مع مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، في يوليو (تموز) الماضي، قال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتيه، "إذا تم انتخاب بايدن في نوفمبر، نأمل بأن تكون هناك ديناميكية مختلفة تماماً في التعامل مع القضية".
إضافة إلى اتفاقات إبراهيم، يتعلق الغضب الفلسطيني تجاه ترمب باعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إلى هناك وتقدمه بمقترحات سلام (صفقة القرن) تتضمن سيادة إسرائيل على أجزاء من الضفة الغربية، وهي أراض يسعى الفلسطينيون لإقامة دولتهم عليها. دفعت تحركات ترمب، بما في ذلك قطع المساعدات للسلطة الفلسطينية، المسؤولين الفلسطينيين إلى قطع العلاقات مع واشنطن.
السلام لا رجعة فيه
وفي حين تشكل اتفاقات السلام جزءاً كبيراً من الغضب الفلسطيني، يبقى التساؤل عما إذا كان بإمكان بايدن التوقف عن مواصلة عملية وُصفت عالمياً بالخطوة التاريخية نحو تحقيق السلام والازدهار في الشرق الأوسط.
الواقع يقول إنه طالما دفعت الإدارات الأميركية المتعاقبة على تحقيق ذلك الإنجاز، ومن ثم فسيكون من مصلحة الرئيس الأميركي الجديد (في حال فوز بايدن بالرئاسة) أن يواصل ما بدأه سلفه من إنجاز على هذا النحو. حتى أن بايدن في إشادته بها رفض أن يخص إدارة ترمب وحدها بهذا الانتصار بل قال إن "التقاء إسرائيل والدول العربية يبني على جهود الإدارات المتعددة لتعزيز انفتاح عربي- إسرائيلي أوسع، بما في ذلك جهود إدارة أوباما وبايدن للبناء على مبادرة السلام العربية".
وفي حديثه عقب الإعلان عن اتفاق السلام بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، قال بايدن: "اتخذت إسرائيل والإمارات العربية المتحدة اليوم خطوة تاريخية لرأب الانقسامات العميقة في الشرق الأوسط. إن عرض الإمارات للاعتراف العلني بدولة إسرائيل هو عمل سياسي مرحب به وشجاع ومطلوب بشدة. وهو اعتراف حاسم بأن إسرائيل جزء حيوي لا يتجزأ من الشرق الأوسط موجود ليبقى. يمكن لإسرائيل وستكون شريكاً استراتيجياً واقتصادياً قيماً لكل من يرحب بها"، وأضاف صراحة "ستسعى إدارة بايدن-هاريس للبناء على هذا التقدم، وستتحدى جميع دول المنطقة لمواكبة هذا التقدم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا تراجع عما اتخذه ترمب
ويرى مراقبون أن بايدن حتماً سيواصل هذه الجهود، لكن ذلك سيسير جنباً إلى جنب مع الضغط على إسرائيل لوقف عمليات الضم، لكن في الوقت نفسه لن يتراجع بايدن عن أمور أخرى أغضبت الفلسطينيين وأهمها تسمية القدس عاصمة لإسرائيل أو إعادة السفارة إلى تل أبيب.
وقال خالد الجندي، الزميل الرفيع لدى معهد الشرق الأوسط، مركز أبحاث في واشنطن، "أعتقد أن أفضل ما يمكن أن نأمله من حكومة بايدن هو التراجع عن الكثير من الضرر وعدم إلحاق المزيد من الأذى، مع منح الفلسطينيين مساحة لترتيب منزلهم الخاص". ولا يتوقع الجندي وآخرون أن تكون هناك مبادرات جريئة بشأن الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني في بداية إدارة بايدن. وبحسب صحيفة "لوس أنجليس تايمز"، الأميركية، يقول مستشارو المرشح الديمقراطي إنه ستكون هناك أزمات أكثر إلحاحاً، كما أن البيئة ليست ناضجة لمفاوضات جديدة.
في مقابلة أجريت معه أخيراً قال توني بلينكين، كبير مستشاري السياسة الخارجية لبايدن، "سيستفيد جو بايدن فقط من خلال عدم كونه الرئيس ترمب"، مضيفاً "هذه هي الفرصة الافتتاحية". وبحسب مستشاري بايدن فإنه لن يعيد السفارة الأميركية إلى تل أبيب، وهو ما أكده بايدن نفسه في تعليقات لصحيفة "نيويورك تايمز" في أبريل (نيسان) الماضي، لكن من المرجح أنه سيعيد فتح قنصلية أميركية في القدس الشرقية تلبي حاجات الفلسطينيين وتسمح بسفارة فلسطينية في واشنطن.
رفض الضم
يرفض بايدن بوضوح عمليات ضم أجزاء من الضفة الغربية، وقال في مايو (أيار) الماضي، خلال لقاء افتراضي مع داعمين يهود لحملته: "أنا لا أؤيد الضم، إسرائيل بحاجة إلى وقف تهديدات الضم ووقف النشاط الاستيطاني، لأنه سيخنق أي أمل في السلام". وأكد أن هذه العمليات لن تحصل على الضوء الأخضر أو الاعتراف من إدارته. وهو نفسه ما تنص عليه وتشترطه اتفاقات إبراهيم بين إسرائيل والإمارات والبحرين، مما سيعزز التعاون العربي- الأميركي في هذا الصدد ويزيد الضغوط على إسرائيل.
وفي حديثه لـ"اندبندنت عربية"، قال ساشا توبريتش، نائب رئيس شبكة القيادة عبر الأطلسي، إن إدارة بايدن ستصر على حل الدولتين بين إسرائيل وفلسطين. ويرى الباحث الأميركي أنهم بالتأكيد يرحبون باتفاق السلام الإماراتي- الإسرائيلي التاريخي، لكنه توقع أن يسعي الديمقراطيون لاحقاً للتقليل من أهميته لأن كل شيء إيجابي قام به ترمب سيتم التقليل منه.
دعم إسرائيل
ربما ينظر البعض لموقف بايدن من الفلسطينيين بشكل ملتبس، لكن دعم إسرائيل يظل محوراً رئيسياً من سياسات إدارة بايدن مثلما كان وقت أوباما، وقد قال في تعليقات سابقة: "إن التزامي بإسرائيل لا يتزعزع على الإطلاق كرئيس، سأواصل مساعدتنا الأمنية"، مشيراً إلى أن المستوى الحالي للمساعدة العسكرية المقدمة لإسرائيل هو نتيجة لاتفاق وقعته إسرائيل مع إدارة أوباما في عام 2016، عندما كان نائباً للرئيس. أضاف المرشح الديمقراطي: "سأحافظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل".
وقال بايدن إن الفلسطينيين بحاجة إلى إنهاء "التحريض" في الضفة الغربية والهجمات الصاروخية من غزة. أضاف في تعليقات سابقة "ما يدرسونه في مدارسهم لا يزال في الكتب المدرسية. بغض النظر عن الخلاف المشروع الذي قد يكون لديهم مع إسرائيل، فهذا ليس مبرراً للإرهاب على الإطلاق، ولا ينبغي لأي زعيم أن يفشل في إدانة أولئك الذين يرتكبون هذه الأعمال الوحشية باعتبارهم إرهابيين". ودعا الفلسطينيين للاعتراف بشكل قاطع بحق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية مستقلة.
وعلى الرغم من أنه تعهد بإعادة المساعدات المالية الأميركية لدعم الفلسطينيين، التي قام ترمب بتعليقها، لكن بايدن أكد أيضاً أنه سيدعم بشكل كامل قانون "تايلور فورس"، الذي يحظر وصول المساعدات الأميركية إلى بعض الكيانات الفلسطينية التي تمنح رواتب لعائلات الفلسطينيين الذين قتلوا في هجمات شنوها على الإسرائيليين.
منافسة القوى العظمى
السلام بين إسرائيل والدول العربية يحقق للولايات المتحدة مخرجاً بعيداً من توترات المنطقة. وبحسب أحد كبار مستشاريه، الذي تحدث لمجلة "فورين بوليسي" مطلع الشهر الحالي من دون ذكر اسمه، فإن الشرق الأوسط ستتراجع رتبته في أجندة أولويات بايدن إلى ما بعد أوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ (حيث التنافس مع الصين) وأميركا اللاتينية.
وفي حديثه لـ"اندبندنت عربية" قال بهنام بن طالبلو، الزميل الرفيع لدى المجلس الأطلسي، في واشنطن، أنه بغض النظر عمن سيكون الفائز في نوفمبر المقبل، فإن الرئيس الأميركي، سواء ترمب أو بايدن، لا يريد الاستمرار في مستنقع إقليمي. ويشير بن طالبلو إلى التركيز الأميركي نحو نقطة أكثر توتراً بالنسبة للولايات المتحدة، ويقول "سمعت حديث أوباما عن التمحور نحو آسيا. والآن ترمب يتحدث عن منافسة القوى العظمى"، لذا إذا كان هناك تغيير في 2020، فمن المحتمل أن يواصل الرئيس الجديد البحث عن مخرج من المنطقة.
الشرق الأوسط "أقل أهمية بشكل ملحوظ" بالنسبة للولايات المتحدة مما كان عليه من قبل، على حد تعبير مقال كتبته تامارا كوفمان ويتس، المسؤولة السابقة في وزارة الخارجية في إدارة أوباما، ومارا كارلين، المسؤولة السابقة في البنتاغون في إدارة أوباما، إذ خلصوا إلى أن الوقت قد حان "لوضع حد للتفكير بالتمني" حول قدرة واشنطن على التأثير في الديناميكيات الداخلية أو الحسابات الخارجية للفاعلين الإقليميين.