لا تزال ارتدادات إعلان رئيس حكومة الوفاق فايز السراج استقالته من منصبه متواصلة في ليبيا وخارجها بعد يومين من إعلانها، وقبل أكثر من شهر من دخولها حيز التنفيذ، حسب الموعد الذي حدده في الكلمة الخاصة بإعلان الاستقالة. والأبرز تصريحات عبر فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن انزعاجه من هذا القرار المفاجئ.
وتعتقد مصادر ليبية مطلعة ومهتمة بالشأن السياسي، أن استقالة السراج دليل جديد على تصدع حلف العاصمة طرابلس، الذي بدأ منذ انتهاء العملية العسكرية، التي شنَّها الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، على مدار عام كامل. كما أنها فصل جديد في سياق تصفية الحسابات القديمة والجديدة، التي ظلت مُستترة لفترة قبل أن تكشف عنها أحداث التظاهرات الشعبية في طرابلس، قبل أسابيع مضت.
فمنذ انتفاضة الشارع الطرابلسي بدأت الانقسامات في هذا الحلف تظهر بشكل جلي مع حملة لتبادل الاتهامات بشأن المسؤولية عن تردي أوضاع البلاد، بين السراج وحلف مصراتة وجماعة الإخوان المسلمين الليبية، التي شنَّت حملة انتقاد عنيفة كانت سبباً في إعلان رئيس الحكومة الانسحاب من المشهد.
موقف أردوغان
في أبرز المواقف الجديدة التي أفرزتها استقالة السراج، وبعد تصريحات أولية لوزير الخارجية التركي جاويش مولود أوغلو لم تعبر صراحة عن الموقف التركي المرتقب من استقالة حليفها في طرابلس، أبدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اليوم الجمعة، انزعاج بلاده من القرار.
وقال أردوغان للصحافيين في أنقرة "تطور مثل هذا، وسماع مثل هذه الأخبار، كان مزعجاً بالنسبة إلينا، لكن سيهزم الانقلابي حفتر أجلاً أو عاجلاً". وأشار إلى أن وفوداً تركية قد تعقد محادثات مع حكومة السراج الأسبوع المقبل.
ويعتقد محللون أن غضب تركيا سببه عدم تحقيق أهدافها من التدخل في ليبيا كاملة، التي تعتمد على إنهاء الاتفاقات الأمنية والسياسية والاقتصادية، التي وقعها معها السراج على مدار عام كامل، وتعثرت أخيراً.
وسبق أن منح السراج تركيا اتفاقاً لترسيم الحدود البحرية، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، استخدمته في صراعها للتنقيب عن الغاز والنفط في البحر الأبيض المتوسط مع عدة دول أوروبية، تتقدمها فرنسا واليونان وقبرص، إلى جانب توقيع اتفاقيات أمنية وعسكرية واقتصادية عدة، قدرت قيمتها بمليارات الدولارات. وكان الطرفان يستعدان لتوقيع اتفاقية جديدة، تحصل بموجبها أنقرة على حقوق ضخمة في التنقيب والاسكتشاف في مواقع النفط والغاز في ليبيا.
هروب من محرقة الإخوان
حملت كلمة الاستقالة، التي ألقاها السراج إشارات عدَّة لجهات لم يسمها قامت بالضغط على حكومته وعرقلة عملها، منذ يومها الأول.
ويرى الباحث والأكاديمي الليبي فرج الجارح، أن الجهة المقصودة بهذا التلميح هي تيارات الإسلام السياسي؛ إذ "لم يعد خافياً على أحد حجم الخلافات والتصدعات التي تشهدها العلاقة بين السراج وهذه التيارات، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، التي أسهمت تداعيات الحراك الشعبي في طرابلس في وصولها إلى طريق مسدود، خصوصاً ما نجم عنها من خلاف حاد بين السراج ووزير الداخلية فتحي باشا آغا".
ويضيف "باشا آغا أقرب فكرياً ومصلحياً لجماعة الإخوان المسلمين من السراج المهندس التاجر صاحب التوجهات العلمانية. كما أن وزير الداخلية ينتمي لمصراتة، أبرز حلفاء الجماعة، والتي تشكل كتائبها أقوى أذرعها العسكرية، كما تحتضن مقر حزب العدالة والبناء، ذراعها السياسية، الذي رفضت كل المدن الليبية احتضانه، بما فيها طرابلس نفسها، التي أحرق مقر فرعه فيها قبل سنوات قليلة".
ويعتقد الجارح أن اصطفاف الإخوان خلف باشا آغا، في صراعه مع السراج، أمر طبيعي، تماشياً مع عقائدهم البراغماتية. ويوضح أن "كلمة رئيس حزب العدالة والبناء الإخواني، محمد صوان، بعد أيام من احتجاجات العاصمة، كانت صادمة للسراج بما حملته من نقد لاذع له، وتحميله المسؤولية كاملة عن الفشل الذريع في إدارة الدولة، على الرغم من أن عناصر بارزة وقيادات معروفة في الحزب كانت تشاركه الحكم، خلال السنوات التي وصفها بيان صوان بالكارثية على البلاد".
ويتابع "أدرك السراج أن حلفاء الأمس سيتخذونه كبش فداء للمرحلة السابقة كلها، بما فيها من ملفات ساخنة متعلقة بفساد كبير وعبث بمقدرات الدولة، فاختار النفاذ بجلده من المحرقة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الكلمة للسلاح
ويرى مراقبون آخرون أن من أسباب اختيار السراج الخروج من المشهد، ولو مؤقتاً، افتقاده للقوة القاهرة، لفرض إرادته على من حوله في العاصمة، بعدما ما عاينه من ضعف في قوة الكتائب الطرابلسية، التي تحالف معها لمواجهة سلاح الإسلام السياسي ومصراتة، في خضم صراعه مع باشا آغا، وفشله في إقالته أو معاقبته، بل أرغم على إعادته لمنصبه، تحت تهديد السلاح، بعد أيام من إيقافه عن أداء مهامه.
ويؤيد الباحث السياسي الليبي، محمد حركة، القائلين إن استقالة السراج كانت هزيمة أمام سلاح الميليشيات، بعدما "عجز عن الصمود في مواجهتها، أو مخالفة إرادتها. وتعزز ذلك بعد الهجمة الشرسة التي شنها أمراؤها عليه، وتهديده بشكل مباشر، لعدم رضاهم عن تعييناته الأخيرة، التي أعلن عنها في إطار محاولاته الإصلاحية لإرضاء الشارع الغاضب".
منشآت إنتاج النفط
أعلن المشير خليفة حفتر، الجمعة، أنه سيرفع لمدة شهر حصاره الذي استمر ثمانية أشهر لمنشآت إنتاج النفط، وقال إنه اتفق مع حكومة طرابلس على "توزيع عادل" لإيرادات الطاقة.
ويخفف استئناف تصدير النفط الضغوط المالية المتنامية على طرفي الصراع الليبي، وقد يزيل عقبة كبيرة على طريق التوصل إلى تسوية سياسية، لكن من غير الواضح بعد ما إذا كان الاتفاق المعلن يحظى بدعم على نطاق أوسع.
وكانت المؤسسة الوطنية للنفط، التي تشرف على تشغيل قطاع النفط في البلاد، قالت الليلة الماضية إنها لن ترفع حالة القوة القاهرة على الصادرات إلى حين نزع السلاح عن المنشآت النفطية.