قد يكون شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، من أكثر الشعارات التي ترددت في العقد الأخير بالتظاهرات العربية، بعد انتفاضة في وجه أنظمة قمعية حكمت البلاد عقوداً.
أنتجت الثورات والتظاهرات على مدى العصور شعارات كتبت، وهتف بها الناس وهي تلخص حالة الجماهير ووجعهم ومطالبهم.
كيف تولد الهتافات؟
وتردد الهتافات لإعلان موقف ما، إما تأييداً أو معارضة، ورددت سابقاً في حلبات الصراع منذ الرياضات الأولى المتمثلة بالمبارزات الجسدية أو بالسيف والترس، إلى ملاعب الكرة بأنواعها والرياضات أو المباريات الأخرى، وصولاً إلى الهتاف السياسي والمطلبي.
فالثورات والانتفاضات غالباً ما تكون جسر عبور من حالة سياسية إلى أخرى، فترثي الأولى وتهشمها، وتنسج الأمنيات حول الآتية من خلال هتافات حماسية بسيطة يغلب عليها الطابع الإيقاعي.
وتحضر من قبل بعض الموهوبين الكتاب والشعراء، أو تكون وليدة لحظة حماسية وسط الثائرين بحيث يعمل العقل الجماعي والعفوية في توليف كلمات لتصبح هتافاً.
وساعدت وسائل التواصل الاجتماعي في بعض الثورات العربية في نقل الكلام واللحن والتجربة من دولة إلى أخرى.
ففي التجربة، لطالما نصح الثوار إخوانهم في بلدان استجدت عليها الانتفاضة، بكيفية التنبه على سبيل المثال لمواجهة القنابل المسيلة للدموع التي تستخدمها الجيوش أو قوات مكافحة الشغب.
وازدهرت صحافة المواطن، بحيث بات كل حامل خليوي وموصول بشبكة إنترنت مراسلاً ينقل أجواء ساحات الاعتصامات والمسيرات والتظاهرات المطلبية إلى كل العالم، ولطالما استخدمت وسائل الإعلام بكل أشكالها هذه الصور والفيديوهات التي عجز بعض الأحيان مراسلوها ومصوروها عن التقاط لحظات معينة في الحراك الشعبي.
تقول اللبنانية شيرين حسنية الناشطة السياسية والبيئية منذ 2011 إن "أصدق الهتافات وأقواها، تلك التي تكون وليدة اللحظة، والتي يصيغها الناس من وجعهم وبحماسة، ولطالما ولدت شعارات رددتها ورددها معها الناس بعفوية تامة من دون تحضير".
في حين تعتبر الناشطة اللبنانية دموع حوري التي تكتب الهتافات كونها تحب أن تهتف بها في المسيرات الشعبية، أن الإيقاع واللحن مهمان جداً في الهتافات لتحفيز الناس وحفظها بسهولة. أما الشعارات المكتوبة فيجب أن تكون قصيرة للفت النظر إليها.
بين المطالب والشتم
التظاهر حق دستوري، والمادة 13 من الدستور اللبناني نصت على "حرية إبداء الرأي قولاً وكتابة وحرية الطباعة وحرية تأليف الجمعيات"، على الرغم من عدم لحظها لحرية التظاهر حرفياً، فإنها تشير إليها إذ تقع في خانة التعبير عن الرأي.
واتخذت عام 2006 إجراءات لأخذ العلم بالتظاهر في قرار 1024/2006، وفيه يتعهد مقدمو الطلب للتظاهر بعد تحديد الأماكن وعدد المشاركين التقريبي بتحمل المسؤولية الكاملة عن أي ضرر قد تسببه التظاهرة للأشخاص والأملاك العامة، هذا في الجانب المادي.
أما في المعنوي والذي يشمل إلقاء التهم والشتم، فيدرج تحت قانون القدح والذم. والجدل القائم في هذا الموضوع يكاد لا ينتهي.
فالشعارات قد تكون مطلبية واضحة، وقد تطال من أركان السلطة عبر اتهامهم أو سبهم.
والشتيمة تصل أسرع، ومثلها السب البذيء والشتائم الذكورية والجنسية، تلفت النظر وترسل الفكرة مختصرة واضحة وصادمة، قد لا يسمع مطلب لكن الشتيمة التي تندرج في التابوهات في المجتمعات العربية فإنها تأخذ بعداً وشهرة أكثر.
وتقول شيرين في حديث لـ "اندبندنت عربية"، "لم يتركوا لنا خياراً (تقصد السياسيين) إلا الشتم، حتى أن في مجموعة (لحقي) مجموعة مسماة الهيلاهو والتي تبتكر الشعارات والهتافات. والكلمة آتية من الهتاف الشهير الذي يشتم والدة جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر في انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، والتي ألف لها الكثير من الجمل المكملة، مثل (هيلا هيلا هيلاهو الطريق مسكر يا حلو) وسواها".
إلا أن شيرين وكونها ناشطة نسوية أيضاً ترفض التعرض بالسباب لوالدة باسيل وسواها، وتجد أن الشتم مناسب جداً ولكن للشخص بحد ذاته من دون استخدام العبارات التميزية الجندرية.
وتوضح دموع التي شاركت في الأيام الأولى من انتفاضة 17 أكتوبر 2019، "أنا ضد الشتائم، ومن الممكن وضع شعارات قوية هادفة ومؤثرة سياسياً ومن دون شتائم".
وبحسب منظمة العفو الدولة، فإن القانون الدولي لحقوق الإنسان يحمي الحق في حرية التعبير بما في ذلك التعبير الصادم والمسيء للسلطات، ما دام لا يحث على التمييز على أساس العرق، أو الجندر، أو الطبقة وسواها، ولا يدعو إلى العنف بحق فئة اجتماعية معينة أو يحفز الأعمال العنيفة.
شعارات وطنية وبيئية
من الشعارات التي كتبتها دموع ورددت في التظاهرات "زفوا الشهدا يا ثوار وخلوا الطلقة ببيت النار" في تظاهرة أمام السفارة الأميركية في عوكر دعماً للقضية الفلسطينية. كما تذكر من تظاهرة عام 2015 شعار "سوليدير تحكم صعب نحن السلطة ونحن الشعب".
وتقول شيرين إن "أكثر الهتافات التي كتبتها ورددت كانت في مرج بسري الذي شهد قرار إقامة سد فيه جدلاً كبيراً بين الأفرقاء السياسيين والناشطين البيئيين، قبل أن يحسمه الصندوق الدولي بعدم الموافقة على تمويله".
وتذكر شيرين أنها تكتب الكلمة من دون مداراة إن على وسائل التواصل الاجتماعي أو في التظاهرات لذا تصل بسرعة. وتتحدث عن آخر شعار انتشر لها منذ أيام "ميشال عون يلا قوم هيدا شاي مش يانسون ويلا ارحل ميشال عون" كيف انتقل من فيسبوك إلى تظاهرة أمام القصر الجمهوري.
هتافات عابرة للدول
بعض الهتافات والشعارات تحولت إلى ترند على وسائل التواصل الاجتماعي، وكتبت على الجدران بشكل عفوي أو فني.
فامتلأت الجدران بالشعارات والغرافيتي، التي عبرت عن القهر والظلم وغياب حقوق المواطن. ففي لبنان انتشر شعار وهتاف ووسم "كلن يعني كلن"، وفي العراق "شلع قلع كلن حرامية"، وفي الجزائر "يتنحاوا قاع".
ويبقى الشعار الأبرز ربما في العالم العربي "الشعب يريد إسقاط النظام"، مفهوماً للجميع كونه بالعربية الفصحى.
وترى شيرين أن الثوار استخدموا كثيراً من الشعارات والهتافات العربية مع تغيير مناسب لوضع التظاهرة، وتذكر شعار "لا تصدق وبحق الإشاعة كلهم حرامية الجماعة"، الذي أخذ من التظاهرات العراقية، إضافة إلى الأغاني الثورية المعروفة، أو تلك التي نشأت في في كنف التظاهرات.
هتافات ستبقى في البال
لا يزال صدى بعض الهتافات والشعارات يتردد في لبنان والعالم العربي، وربما ستكون ذاكرة جيل شهد انهيار أنظمة ظن أنها أبدية، وأخرى تتوارث الزعامات. من هذه الشعارات: "ارحل يعني امشي يللي ما بتفهمشي" عام 2011 التي رددها ثوار مصر من ميدان التحرير للرئيس حسني مبارك. بينما في تظاهرات اليوم يرددون "قول ما تخافشي السيسي لازم يمشي". وشعار "جاك الدور جاك الدور قذافي يا ديكتاتور" في ليبيا، "ويلا ارحل يا بشار" في سوريا، والذي ردد في لبنان "يلا ارحل ميشال عون"، و"جنوا جنوا البعثية لما طلبنا الحرية" و"بدنا أصابع نصر نرفعها فوق القصر".
وفي لبنان "فل فل منك بي الكل"، و"يسقط يسقط حكم المصرف"، و"للوطن للعمال تسقط سلطة رأس المال"، و"إسلام مسيحي مع دولة مدنية"، ويافطة قطع الطرقات التي انتشرت في لبنان في الانتفاضة "عذراً الطريق مقطوع لصيانة الوطن".
ومن العراق هتاف "باسم الدين باكونا الحرامية" (أي سرقونا)، "إيران برا برا بغداد تبقى حرة". و"إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد للبرلمان أن ينجلي"، و"ما نريد واحد ملتحي نريد واحد يستحي".
ولا بد من الإشارة، إلى أن هذه الشعارات قابل معظمها شعارات مضادة لصالح الجهات الحاكمة.
هتافات في الذاكرة
وفي زمن أبعد قليلاً ثمة هتافات نقشت في الذاكرة العربية متعلق معظمها بالقضية الفلسطينية، منها "خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود"، و"ارحل يا مستوطن عنا مالك عيشة في وطنا"، ، و"يا سادات يا جبان يا عميل الأميركان"، والشعار الأخير بعد اتفاقية السلام التي وقعها الرئيس المصري أنور السادات.
ورددت الأحزاب اليسارية في الدول العربية والمنظمات الفلسطينية هذه الهتافات والكثير سواها.
فليسقط!
وعن وعي الجماهير المشاركة في التظاهرات والهتاف على الوزن والقافية، ذكر رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الأسبق الراحل إلياس جرجي قنيزح، أن أطرف ما حصل معه حين كان شاهد عيان في إحدى التظاهرات التي نظمها أحد الأحزاب العروبية في منتصف القرن الماضي في دمشق، وكان الشعار الذي يردد "فليسقط وعد بلفور"، إذ إنه كان واقفاً يشاهد المظاهرة، وكانت الصفوف الأمامية تردد هذا الشعار، وفي الوسط بدأ التحريف بالكلام إنما بنفس اللحن وفي آخر التظاهرة كان البعض يرددون "فليسقط واحد من فوق"!