كلوديا مرشليان كاتبة متفرغة للدراما التلفزيونية، وتُعد من أبرز الكتاب الدراميين الجدد في لبنان والعالم العربي. تحمل نصوصها الدرامية رؤية ملتزمة إجتماعياً وإنسانياً، فهي غالباً ما تتطرق إلى المشكلات التي يعانيها المجتمع اللبناني والعربي، وإلى الهموم التي تشغل الأفراد والجماعة في آن واحد. عطفا على معالجتها من حين لآخر قضايا تاريخية تتعلق بمراحل معينة، وطنية وسياسية. وما يضفي على أعمالها المزيد من التميز هو أنها ابنة التخصص المسرحي الأكاديمي، وصاحبة خبرة طويلة في مجال التمثيل المسرحي والتلفزيوني . ودخلت ايضا عالم السينما فكتبت أفلاما عدة تراوحت بين البعد الشعبي والثقافي.
في ظل الأزمات المختلفة التي يعيشها لبنان، والتي أثرت في كل قطاعاته الإنتاجية، كان لا بد للقطاع الفني أن ينال نصيبه، فكيف تتوقع الكاتبة كلوديا مرشليان أن يكون الوضع الدرامي في لبنان لهذه السنة وللموسم الرمضاني المقبل، وسط الإقبال على تصوير المسلسلات القصيرة، تقول: "التحضيرات كثيرة. في الأساس نحن كنا نعاني منذ بدء الثورة في العام الماضي، ومن ثم حلّت أزمة كورونا، فلم نتمكن من تصوير أي عمل، إلى ذلك، فإن الوضع في لبنان سيء، ومحطات التلفزة تعاني نتيجة الأحداث التي تحصل فيه، وهي لا تعرض أي عمل. ولكن توجد في الأدراج، كثير من الأعمال التي لم تعرض في الموسم الرمضاني الفائت، وهي سوف تعرض خلال الفترة المقبلة، من بينها "من الآخر" و"غربة" عبر شاشتيّ ال. بي. سي وأم. تي. في. أما أنا فلقد باشرت بكتابة مسلسل لمصلحة شركة "الصباح"، مؤلف من 60 حلقة سوف نباشر بتصويره بداية الشهر المقبل، وهو سوف يعرض بجزءين، إضافة إلى مسلسل قصير من 10 حلقات، وأفلام سوف تعرض على المنصات، وربما يعاد عرضها على شاشات التلفزة لاحقاً. وأنا أعتبر أن المنصات منبر جديد للدراما، يوسع الآفاق ولا يحدّ من دور التلفزيون على الإطلاق".
شهرة وانتشار
في المقابل ترى مرشليان أن المنصات لا تحقق الشهرة والانتشار للممثل وتضيف: "من يتابعها صغار السن، وهم لا يحبون الأعمال العربية، بل يفضلون الأعمال الأجنبية عليها. لذا، فإن من يتابع الدراما العربية على المنصات هم فئة محدودة تهتم لها أو الصحافة وليس كل الناس، على عكس الدراما التلفزيونية التي تحقق انتشاراً واسعاً وشهرة ونجومية للممثل. ولكن المستقبل هو للمنصات".
هل ترى أن المنتجين تجاوزوا أزمة كورونا؟ تجيب: "الكل يصوّر، وبرأيي يجب أن نعتاد لفترة طويلة على التدابير التي فرضها فيروس كورونا. أمضيت أسبوعاً في باريس وعدت قبل أيام. قبل السفر خضعت لفحص كورونا في بيروت ولفحص آخر عند وصولي إلى باريس، التي تسير الحياة فيها كالمعتاد، ولكن مع الكمامات، والسياحة ليست كما كانت عليه في السابق. عندما عدت إلى بيروت أجريت فحص الكورونا مجدداً وكانت النتيجة سلبية، وخضعت للحجر الاحتياطي لمدة 4 أيام. الكورونا فرض علينا قوانين معينة وصارت الكمامة من ضمن ثقافتنا. شكل الناس صار مختلفاً، ولم نعد نشاهد وجوه الناس ولا نعرف إذا كانوا يضحكون أو يبكون، والأولاد في المدارس يخضعون للتباعد الاجتماعي. كورونا هو مصيبة كبرى، جسدية ونفسية". وتابعت: "كورونا سوف يقتحم الدراما، وهو سوف يفرض نفسه علينا بمستلزماته في حال قررنا تقديم أعمال واقعية، والممثلون سوف يطلون بالكمامات على الشاشة. ولقد كتبت مسلسلاً من عشر حلقات، حضر فيه الكورونا لأنه لا يمكن التغاضي عنه في عمل يتناول هذه المرحلة".
غزارة إنتاج
وعن رأيها باعتماد صيغة جديدة في كتابة المسلسلات الرمضانية، خصوصاً عندما يضطر الكاتب إلى إعداد مسلسل من 30 حلقة، في حين أن القصة لا تتحمل التطويل، تقول: "لا يمكن التعميم. أحياناً عند مشاهدة فيلم نشعر بالملل ولا نرغب بمتابعته، وأحياناً لا نستطيع إكمال 5 حلقات من المسلسل، وأحياناً أخرى يمكن أن نشاهد مسلسلاً من 100 حلقة ولا نملّ منه. خلال العرض الرمضاني، هناك مسلسلات تأسرنا بحلقاتها الثلاثين، ومسلسلات أخرى لا يمكننا مشاهدتها، وهذا الأمر يرتبط بمعالجة الفكرة وكتابة المسلسل وطريقة تنفيذه والممثلين المشاركين فيه وسواها من التفاصيل الأخرى".
ترد مرشليان على من يتهمها بأنها تستعين بفريق عمل يساعدها في الكتابة، بسبب غزارة إنتاجها وتقول: "أين هو هذا الفريق، وهل أنا أخبئه في القبو تحت الأرض؟ وأي فريق يمكن أن يقبل بالعمل من دون أن يعرفه الناس؟ الفريق يكلف وقتاً أكثر من شخص يكتب بمفرده، لأن الأمر يتطلب اجتماعات ومتابعة وتصحيحاً. إنه كلام لا طعم له. عندما بدأت بالكتابة، طُلب مني الكثير من المسلسلات، وبعد إنجاز أي مسلسل كان يطلب مني كتابة 5 مسلسلات أخرى. لست من النوع الذي يمكن أن يكتب أكثر من مسلسل في وقت واحد، بل واحداً تلو الآخر، وعند الانتهاء من كتابته أعيش فترة استراحة وقد أسافر إلى الخارج، وعندما أعود أبدأ بكتابة مسلسل آخر جديد. أنا اعتمد هذه الطريقة في الكتابة لأنني كرست كل حياتي لها، أما من يريد أن يكتب بتمهل أو أن يقضي بعضاً من وقته في "الكزدرة"، أو لديه عائلة أو ظروف عمل أخرى لا تسمح له بالكتابة دائماً فوضعه مختلف تماماً. أنا متفرغة للكتابة، ولا أعرف لماذا ينزعج البعض من هذا الأمر، وهل أنا أسرق من وقتهم أو من دربهم شيئاً. أنا لم أطرق يوماً أي باب ولم آخذ اي عمل كان لغيري، بل على العكس تماماً وبكل صراحة أقول، أنا أقبل 20 في المئة مما يعرض عليّ. مكتبي موجود في بيتي وكثيرون صوروا المكان الذي أكتب فيه. هذه أنا وهذه تجربتي فمن يعجبه أنا ممتنة له، ومن لا يعجبه فهذا شأنه. أنا لا أشبه نفسي بالعباقرة ولكن عاصي الرحباني أنجز كل تجربته وهو في الـ 45، وهو كان يعرض مسرحية ويتمرن على مسرحية ثانية ويكتب الثالثة، ومروان نجار كان يتميّز بسرعة في الكتابة، وفي المقابل ربما هناك من يكتب 3 حلقات سنوياً وقد تكون حلقات عبقرية. وهذا يعني أن كل شخص له إيقاع معين في الكتابة. أنا أفهم لماذا ينتقدون من يكتب بسرعة في حين أنه يفترض بهم انتقاد المسلسل بعد مشاهدته. لو أنهم يكتبون بقدر ما ينتقدوني لكانوا أكثر غزارة مني. لو كان عملي دون المستوى فلماذا تصلني عروض من كل الدول العربية. أنا أجمع بين الموهبة والمهنة في آن ، وأعتبر أن الإنسان لا يمكن أن يحقق نجاحاً كبيراً إلا إن تعامل مع موهبته على أنها مهنته".
بعيدة من التمثيل
إلى ذلك، تعتبر مرشليان أنها صارت بعيدة جداً من مهنة التمثيل، وهي المهنة التي بدأت من خلالها حياتها الفنية، وأوضحت: "اليوم، أنا أصبحت في مكان آخر، والأمر الجميل في مهنة الكتابة هو أنني أكتب لشخصيات. أنا لست في مجال بعيد من التمثيل، بل أنا أكتب لشخصيات في خيالي، وهذا الأمر يعوّض عليّ إلى حد ما خلال الكتابة. أنا هجرت التمثيل ولا وقت لدي له على الإطلاق. لا يمكنني أن أنتقل من الكتابة إلى التمثيل، لأنني أريد أن أعيش حياتي، وأحب أن ألتقي بالناس وأن أقوم ببعض الزيارات وأن أستقبل الناس في بيتي وأن أسافر. لكي أتمكن من الاستمرار في تقديم المستوى نفسه من الأعمال، فيجب أن أغذي خيالي".
وأشارت مرشليان إلى أنها لا تكتب خلال السفر، وتفضل الكتابة نهاراً وليس ليلاً، وغالباً ما تتناول طعام الغداء مع أهلها الذين يسكنون في المبنى نفسه وتحتسي القهوة معهم، كما تستقبل الضيوف في بيتها، وبأنها تقوم بكل هذه الأشياء خلال مزاولتها للكتابة. إلى ذلك، أوضحت أنها تشعر أحياناً أنها عاجزة عن الكتابة خصوصاً عندما تكون قلقة أو متعبة أو مريضة، ولكنها أنجزت كل المسلسلات التي كتبتها. وتضيف: "لا يمكن أن أبدأ بكتابة مسلسل إلا إذا كنت قد أنجزته تقريباً في رأسي. عادة أجري بناءه على الورق وأكتب كل الشخصيات وماذا أريد منها وإلى أين أريد الوصول، وخلال الكتابة يمكن أن تفتح أمامي الكثير من الأبواب، ولست ممن يبدأون الكتابة وهم لا يعرفون إلى أين يمكن أن يصلوا بالقصة".