يمر السودان بأزمة دواء منذ ثلاث سنوات، لكنها تفاقمت خلال الأشهر الأخيرة وتأثرت بانهيار الاقتصاد وارتفاع سعر الدولار. ويعتمد قطاع الدواء بشكل شبه كلي على الاستيراد بعد إهمال الحكومة السابقة وتجاهلها إنشاء مصانع دواء محلية.
تزامناً مع الأزمة الحادة التي يعيشها القطاع، تعرّض معمل أميفارما للأدوية المحدودة في الخرطوم إلى حريق، وهو الوحيد الذي يعمل في السودان ويمدّ الصيدليات بنسبة كبيرة من الأدوية إلى جانب ما يستورد.
تأثر القطاع
بالرغم من مرور ثلاثة أيام على الحريق، ما زال الصمت سيد الموقف. وفي بيان للمعمل اليوم، أوضح أن "الحريق كان في المخازن والأقسام التي تتم فيها عمليات التعبئة والتغليف، وتضررت منتجات نهائية بالحريق". وأكدت المعامل في البيان ذاته "استمرارها في القيام بدورها وخدمة مصالح البلاد".
في المقابل، تقول إيمان صلاح، مديرة وحدة المخزون الاستراتيجي للأدوية في السودان لـ"اندبندنت عربية"، "لأن البلاد تمر بحالة طوارئ صحية بسبب الفيضانات، فإننا نؤكد توفر كافة الأدوية التي تحتاج إليها البلاد لدرء أي كارثة صحية ناتجة من الفيضانات، بتأمين الأدوية والمعدات الطبية، سواء كان ذلك بالاستيراد أو باستقبال المساعدات الإنسانية من الدول الصديقة".
وتوضح "لا ينفي ذلك أن البلاد تعاني من شح في المخزون الدوائي، ومن المؤكد أن تعرّض أي جهة منتجة لحريق أو غيره، سيؤثر بشكل كبير في قطاع الدواء. المسألة هنا مشتركة وأزمة دولة يجب معالجتها".
تضرر قطاع الدواء من القرارات التي يتخذها المسؤولون بين حين وآخر، ومصنع أميفارما قبل ثلاثة أشهر كان قد أعلن التوقف عن العمل بعد قرار وزير الصحة السابق أكرم التوم بإلغاء التسعيرة الجديدة للأدوية المصنعة محلياً، بسبب الزيادة غير المبررة في أسعار الدواء التي ترهق المواطن، لكن المصنع عاود العمل ومدّ السوق بالدواء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فوضى وعدم وضوح
من جهة ثانية، نالت قضية الدواء اهتماماً واسعاً بين الناشطين والعاملين في قطاع الصحة، إذ ترى الغالبية أنه أكثر القطاعات المظلومة والمهملة. وأدى الإهمال إلى تفاقم المشكلة وعدم تحكّم الدولة فيه وتركه لتجار الأزمات يسرحون ويمرحون ويتعاملون مع الدواء على أنه قطع تباع وتشترى في السوق.
ويقول تاج السر جعفر من حركة "قرفنا" لـ "اندبندنت عربية" إن "القطاع يعاني من فوضى وعدم وضوح في سياسات إنتاج الأدوية واستيرادها في البلاد. الجميع يقول إن ثمة مافيا دواء، ولكن هي ليست موجودة بالشكل الدقيق، بل هي عصابات منفصلة وأفراد و"تماسيح" سوق، حتى تجار الشنطة يتاجرون في الأدوية والمعدات الطبية، لذلك يجب أن تكون المسؤولية مشتركة في ما يخص الدواء".
ويرى جفعر أن "المؤسسات ليست لها استراتيجية موحّدة وواضحة للتعامل مع الملف، ولا توعية مجتمعية أو عقوبات رادعة، فقط استخدام سياسي ومعالجات أمنية غير مدروسة".
في سياق متصل، يشير الناشط السياسي إلى أن "حريق مصنع أميفارما سيدخل في دوامة التجاهل وسنسمع آلاف القصص، بينما ربما يكون حادثاً عادياً مثل أي حادث، والحقيقة لن تعرف، وحتى لو عرفت فلن تغيّر من الواقع كثيراً لأنها أزمة دولة. نستطيع القول باختصار، إنه ليست هناك دولة، لا توجد حلول جذرية تلوح في الأفق، ويتم درء الكوارث بالاعتماد على مبادرات المجتمع المدني والحملات الأهلية والمعونات الخارجية. الصورة قاتمة والمآلات مجهولة".
الوضع العام
الرفوف في الصيدليات شبه فارغة، والأزمات تحاصر الصيادلة من كل صوب، وتدفعهم إلى ترديد عبارة "عدم توفر بعض الأدوية" للمواطنين، وغالبيتها من الأدوية المنقذة للحياة، كأدوية الضغط والقلب والسكري.
وتنظم وقفات احتجاجية وخطابات مستمرة لمجلس الوزراء وحملات على مواقع التواصل الاجتماعي بضرورة توفير الأدوية، وبدلاً من تقديم الحلول، تتعرض المعامل والمصانع لخطر الحريق، مما يعني تفاقم الأزمة.
في سياق متصل، يقول الصيدلي عبدالله الخير إن "الصيدليات لم تشعر بنقص في الإمداد الدوائي بعد تعرّض المعمل الأكثر أهمية للحريق، لأننا أصلاً نعاني من شح الأدوية وعدم وجودها، إذ تشكّل الأدوية المستوردة النسبة الأكبر والأكثر طلباً".
ويضيف الخير "يجب أن نشجع المنتج المحلي، الأدوية المصنّعة محلياً جيدة جداً، لكن غير مرغوبة لعدم ثقة المواطن بمنتجات بلده، لذلك يجب نشر التوعية والعمل على تسخير القدرات كافة لفتح المزيد من المعامل والمصانع المحلية، لأننا نملك آلاف الخبراء والخريجين من مجال الصيدلة. إذا وجّهنا طاقتنا بصورة صحيحة سنعبر أزمة الدواء التي استمرت طويلاً".
يذكر أن السودان يحتاج إلى استيراد أدوية بقيمة 400 مليون دولار سنوياً، ويعاني من انكماش في إجمالي الناتج المحلي وتضخم اقتصادي، وما زالت الأزمات تحاصره ككورونا والفيضانات، ما يجعله لا يتحمل احتراق كيس دواء واحد ناهيك عن مصنع.