عقدت "هيئة الصحة العامة في إنجلترا" اتفاق شراكة مع مؤسسة "أكسفورد إيميونوتيك" (شركة عالمية تعمل في مجال أبحاث تشخيص الالتهابات وأمراض المناعة)، هدفه إدخال آلاف الأشخاص في دراسة ترمي إلى محاولة معرفة مدى اكتسابهم مناعة مكونة من "الخلايا التائية" (خلايا لمفاوية في الدم تلعب دوراً في المناعة المزمنة) ضد عدوى "كوفيد- 19".
وتأتي هذه التجارب الجديدة عقب أبحاث أجريت، أخيراً، وأظهرت أن الأفراد المصابين بفيروس "سارس" الشبيه بفيروس "كوفيد- 19"، قد طوروا مناعة قوامها "الخلايا التائية" التي يمكن أن تستمر في العمل حتى 17 سنة، ما يعني أن عدداً أكبر من الناس يمكن أن يكونوا محصنين حيال العدوى لفترة طويلة من الزمن.
وفي وقت سابق، عقد علماء الآمال على أن تكون أجساد الأفراد المصابين بفيروس "سارس-كوف -2" المسبب لمرض "كوفيد- 19"، قد طورت أجساماً مناعية مضادة تقيهم من معاودة إصابتهم بالعدوى. في المقابل، أشارت الدراسات آنذاك إلى أن تلك الأجسام تختفي بعد بضعة أشهر.
واستطراداً، لم تحبط تلك الوقائع العلماء الذين أعادوا تركيز اهتمامهم في المرحلة الراهنة على دراسة "الخلايا التائية"، وتوصلوا إلى نتائج أكثر تفاؤلاً. فقد أدت إحدى تلك الدراسات التي قادها باحثون في كلية الطب المسماة Duke-NUS Medical School في سنغافورة، إلى اكتشاف "خلايا تائية" مناعية تكونت عبر التفاعل مع فيروس كورونا، لدى مرضى سبق أن أصيبوا بفيروس "سارس" قبل 17 سنة وتعافوا منه.
واستطراداً، ذكر الباحثون في التقرير الذي وضعوه عن ذلك المنحى ونشر في مجلة "نايتشر" العلمية Nature (أسبوعية بريطانية تعنى بالأبحاث العلمية)، إن "النتائج التي توصلنا إليها تثير أيضاً إمكانية أن تكون "الخلايا التائية" التي تدوم لفترة طويلة وتنشأ بعد إصابة شخص ما بفيروسات معينة، قادرة على حماية صاحبها من الإصابة بفيروس كورونا أو تخفيف حالته المرضية".
وفي السياق نفسه، وثقت مجموعة من الدراسات في وقت سابق، وجود "خلايا تائية" تفاعلية ضد عدوى "كوفيد- 19" لدى أشخاص لم يجر التعرف على طرق تعرضهم للفيروس، الأمر الذي أنعش آمالاً لدى المجتمع الطبي في أن عدد الأشخاص الذين لديهم مناعة ضد فيروس كورونا، أكبر مما جرى الاعتقاد به في السابق.
وعلى نحو مشابه، كتب بيتر دوشي المحرر المساعد في "المجلة الطبية البريطانية" British Medical Journal الأسبوع الماضي، أن "بعض الدراسات عن (الخلايا التائية) قد تسلط الضوء أيضاً على ألغاز أخرى في عدوى (كوفيد- 19) على غرار: لماذا نجا الأطفال بشكل مفاجئ من وطأة الوباء؟ لماذا يؤثر المرض على الناس بشكل متفاوت تماماً؟ ما الأسباب التي تقف خلف المعدل المرتفع للعدوى من دون ظهور أعراض لدى فئتي الأطفال والشباب؟".
وستعمل الشراكة المعقودة بين "هيئة الصحة العامة في إنجلترا" ومؤسسة "أكسفورد إيميونوتيك" على تقييم إذا كانت مجموعات الاختبار المنزلية الخاصة بها، وقد أطلقت عليها تسمية T-SPOT Discovery SARS-CoV-2، يمكنها التعرف إلى وجود "الخلايا التائية" المناعية في شكل مناسب، ضمن تجربة واسعة النطاق تشمل نحو 3 آلاف و500 شخص من العاملين في الرعاية الصحية وأقسام الشرطة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي المقابل، برزت آمال في إمكان أن تسهل التجارب استصدار جوازات سفر متعلقة بالمناعة (شهادات تؤكد مناعة حاملها حيال فيروس كورونا)، الأمر الذي يتيح للأشخاص الذين تكونت لديهم "خلايا تائية" واقية، بالعودة الآمنة إلى أمكنة عملهم. ويأتي ذلك في الوقت الذي تحض فيه الحكومة الموظفين على العمل من المنزل كلما كان ذلك ممكناً، بهدف وقف موجة ارتفاع عدد الإصابات بالمرض في جميع أنحاء المملكة المتحدة.
وتذكيراً، تشكل "الخلايا التائية" جزءاً من جهاز المناعة لدى البشر الذي يتفاعل مع سلاسل من الأحماض الأمينية البروتينية [بمعنى أنها مكونات من التركيبة الجينية] الموجودة في أنواع مختلفة من الفيروسات المنتمية إلى عائلة كورونا، وقد تكون مسؤولة عن كبح الفيروس لدى الأشخاص الذين لا تظهر عليهم أعراض المرض. [تضم عائلة كورونا فيروسات الأنفلونزا الموسمية العادية و"سارس" و"حمى الشرق الأوسط التنفسية الحادة" وغيرها]. وفي منحى مغاير، تتلاشى "الخلايا التائية" لدى الكبار في السن، ما قد يفسر إمكانية تعرضهم أكثر من سواهم للإصابة بأمراض خطيرة.
وفي سياق متصل، أشارت شركة "أكسفورد إيميونوتيك" إلى أنه سيكون ممكناً الاستفادة من نتائج تلك الاختبارات من أجل جمع بيانات وافية من شأنها أن تساعد الحكومات على التخطيط للقيود المناسبة في مواجهة الوباء مستقبلاً. ويتأتى ذلك عبر تكوين فهم أفضل للمناعة على مستوى السكان، وتنفيذ برامج اختبار أكثر شمولاً، والسماح بحرية أكبر في الحركة في المجتمعات أو على المستوى الدولي.
وفي ذلك الشأن، ذكر بيتر رايتون سميث الرئيس التنفيذي لشركة "أكسفورد إيميونوتيك"، أنه "يسرنا جداً عقد شراكة مع (هيئة الصحة العامة في إنجلترا)، والمساهمة في جهود المملكة المتحدة الهادفة إلى إيجاد أفضل بروتوكولات الاختبار لمكافحة وباء كورونا".
وخلص سميث إلى القول بأنه "لقد تمكنا من توظيف خبرتنا في علم المناعة، خصوصاً موضوع استجابة (الخلايا التائية)، لإضفاء مزيد من القيمة على الجهود المبذولة للتوصل إلى حلول ناجعة. إننا نعتقد أنه في حال نجحت تجربة EDSAB-HOME سنتمكن من الحصول على معلومات مهمة عن الاختبار الذي نجريه، الأمر الذي سيسهم في اكتسابنا فهماً أوسع، ويساعدنا على تطوير الاختبار بشكل أكبر".
© The Independent