في حين هزّت قضية الطفل عدنان بوشوف الرأي العام المغربي عقب العثور على جثته مقتولاً بعد تعرضه لاعتداء جنسي، يعيش الشارع الجزائري فاجعة حوادث اختفاء أطفال متتالية، طاولت أسراً عدة، ما رفع حدة القلق الشعبي، كونها بخلفيات يرفض بعض الأفراد الإقرار بها خوفاً على سمعتهم في المجتمع.
بعضهم خرج ولم يعد
كمؤشر إلى ذلك، سجّلت الجزائر حالات كثيرة لاختفاء أطفال قصّر، منذ مطلع العام الحالي، وفيما عثر على بعضهم، لا يزال البحث جارياً عن أسماء آخرين، تعيش عائلاتهم مأساة الغياب.
وشهدت ولاية تلمسان (812 كلم عن الجزائر العاصمة) لوحدها أكثر من حالة اختفاء مبلّغ عنها في وقت سابق، تتعلّق واحدة منها بطفل يدعى أنس يبلغ من العمر 14 سنة، وعثر عليه بعد أيام ليتبيّن أنه هارب من منزله العائلي وهو يتيم الأب.
فيما الثانية مرتبطة باختفاء الطفلة ملاك بن صافي (11 سنة)، لم يعثر عليها حتى كتابة هذا التقرير.
في غضون ذلك، أعلنت المنظمة الوطنية لحماية الطفولة اختفاء الطفلتين آية (13 سنة) وشهيناز (14 سنة) اللتين خرجتا من منزلهما العائلي بالخرايسية في الجزائر العاصمة، ولحُسن الحظ تمكّنت قوى الأمن من العثور عليهما بعد التحريات.
في المقابل، تتواصل عملية البحث عن الطفل أنيس خريفي (9 سنوات)، المختفي منذ 17 مارس (آذار) الماضي، وتحظى عائلته بتضامن واسع من قبل الجزائريين عبر منصات التواصل الاجتماعي الذين تداولوا هاشتاغ "#كلنا_ أنيس".
83 حالة اختفاء
في السياق، يؤكد رئيس الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل "ندى" عبد الرحمان عرعار، أن الحوادث الأخيرة التي شهدتها بعض الأسر تتعلق بهروب من المنزل.
ويكشف في حديث لـ"اندبندنت عربية" عن تسجيل 85 حالة اختفاء منذ بداية عام 2020، متوقعاً ارتفاع العدد في ظل الضغوط الرهيبة التي يواجهها الأطفال ويرفض المجتمع الإقرار بها. ويضيف أن "المعطيات المتوفرة لدينا تشير إلى تزايد النزاعات العائلية واستعمال العنف، بخاصة ضد المراهقين، الذي تفاقم في فترة الحجر الصحي".
كما يعدّد أسباباً أخرى، تتعلق بالاعتداءات الجنسية التي باتت تترصد الأطفال داخل محيطهم، سواء من قبل أفراد العائلة أو خارجها، إذ تشير الإحصاءات التي أعدّتها شبكة "ندى" غير الحكومية، عن تعرض أكثر من 9 آلاف طفل لاعتداء جنسي سنوياً في الجزائر، وهي تخص الحالات المصرح بها فقط، ولا تشمل تلك المسكوت عنها.
كما لا يستبعد عرعار فرضية "العلاقات المشبوهة" على مواقع التواصل الاجتماعي في استفحال حوادث الاختفاء، "قد يتم تحريض الأطفال على الهروب من قبل أشخاص على فيسبوك مثلاً، ويساعد في ذلك وضعهم العائلي المتوتر".
تكتّم وخوف من العار
هذه الحوادث المثيرة للكثير من النقاش والجدل، يقابلها تكتّم وصمت مطبق من قبل عائلات الأطفال، التي تتحفّظ عن التصريح لوسائل الإعلام عن خلفيات الغياب.
ويقول عرعار إن "الأولياء يخافون على سمعتهم وعلاقاتهم الاجتماعية ورد فعل المجتمع، كما يضعون اعتبارات للمتابعات القضائية، ما يجعلهم ينتهجون أسلوب الصمت كونه الحل الأكثر أماناً بالنسبة إليهم".
ومن بين الحلول التي قدمتها شبكة "ندى"، تعزيز إجراءات الحماية والوقاية للأطفال والتكفل بالضحايا، كما دعت إلى عدم الاكتفاء بمعاقبة الجناة بالسجن، من منطلق وقوع احتمال كبير لعودة الجاني إلى ممارسة جريمته بعد انتهاء فترة العقوبة.
وحتى شهر أغسطس (آب) الماضي، سجّلت المفوضية الوطنية لحماية الطفولة في الجزائر (هيئة حكومية)، 500 حالة مساس بحقوق الطفل، من بين 1480 إخباراً تلقّتها منذ بداية 2020، تتعلق أساساً بسوء المعاملة والإهمال والتسوّل، فيما أحصت 500 طفل تعرّضوا للمساس بحقوقهم خلال فترة الحجر الصحي، وفق تصريحات رئيسة الهيئة الحكومية مريم شرفي.
الفعل الإجرامي... تعليق المشانق
وإن كانت الحالات المسجلة أخيراً تعود إلى هروب من المنزل، إلا أنه لا يمكن التغاضي عن الفعل الإجرامي في حوادث الاختفاء التي تكون عادة مدفوعة بنيّة الاختطاف والقتل. وتشير أرقام رسمية إلى تسجيل 13 حالة مؤكدة منذ بداية العام الجاري، تمكنت قوى الأمن من استرجاعها.
ولا تزال دعوات تفعيل عقوبة الإعدام قائمة في الجزائر للمعتدين على الأطفال، خصوصاً ضد قضايا الاختطاف المترافقة مع الاغتصاب والتنكيل، في وقت تحضّر الحكومة الجزائرية لإعداد قانون خاص بالاختطاف.
وتتباين مواقف رجالات الفكر والسياسة والقانون، ويتطور النقاش حيال العودة إلى تنفيذ عقوبات الإعدام وتطبيقها بأسلوب رادع، كلما عادت جرائم الاختطاف إلى تصدّر المشهد في البلاد، الذي يحصي حوالى 5 ملايين طفل من أصل 44 مليون نسمة.
في السياق ذاته، يقول القانوني والناشط الحقوقي عمار خبابة إن العودة إلى تنفيذ عقوبة الإعدام "مطلب رفعناه وما زلنا، لأنه الحل الأنسب لردع عديمي الإنسانية ومرتكبي الجرائم في حق البراءة".
ويضيف لـ"اندبندنت عربية"، "على كل شخص عاقل أن يحترم مسؤولية أفعاله، وينال حقه في العقاب، حتى يكون هؤلاء المجرمون عبرة لمن يعتبر".
في المقابل، يأسف خبابة، للذين يتباكون على المتهم (الجاني) ويتناسون الضحية، "كيف يمكننا التعاطف مع من اختطفوا أطفالاً بعمر الزهور ونكّلوا بجثثهم من دون مراعاة لأي شيء غير نزواتهم ورغباتهم الجنسية؟".
وتؤكد منظمات حقوقية غير حكومية، منها الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، أن البلاد تحتلّ المرتبة الأولى في العالم العربي من ناحية تسجيل قضايا الاختطاف.
ويوضح خبابة في هذا الصدد، "تفهّمنا في السابق الأسباب التي جعلت السلطة تجمّد تنفيذ عقوبة الإعدام، نظراً إلى الظروف الأمنية التي عاشتها الجزائر في تسعينيات القرن الماضي، عندما وظّفت هذه العقوبة لإقامة الحد على أشخاص عدة في جرائم مختلفة، لكن البلاد تعيش اليوم وضعاً مستقراً، يمكن فيه العودة إلى تنفيذ العقوبة في حالات اختطاف الأطفال، مع ضمان محاكمات عادلة".
وجمّدت الجزائر فعلياً تنفيذ عقوبة الإعدام المنصوصة في قانون العقوبات بعد مصادقتها على توصية صادرة عن الأمم المتحدة عام 2007، إلا أن وثيقة الدستور المعروضة على الاستفتاء في الأول من نوفمبر(تشرين الثاني) المقبل، أدرجت مادة جديدة حملت الرقم 38 تنص على أن "الحق في الحياة لصيق بالإنسان، يحميه القانون ولا يمكن أن يحرم أحد منه إلا في الحالات التي يحدّدها القانون".
وقرأ القانوني والحقوقي عمار خبابة في نص المادة رغبة الجزائر في الحفاظ على عقوبة الإعدام، بدل التخلي بشكل نهائي عنها كما يطالب البعض ممن يعتقدون أن النظام السياسي الحداثي والديمقراطي، لا يقتل الأفراد (عن طريق الإعدام)، ليضيف "المادة الدستورية تعني الإبقاء على عقوبة الإعدام ويبقى فقط سريان تنفيذها".
في المقابل، تذهب بعض الآراء إلى اعتبار أن مسألة عقوبة الإعدام لا يمكن اختصارها في بعض المواد القانونية لأنها ذات أبعاد اجتماعية وسياسية وثقافية، وأي خطوة حاسمة تحتاج إلى تهيئة الأسباب والظروف التي تسمح بتحقيقها، من دون أن تثير الخلاف في المجتمع.