من المتوقع أن تستمر حملة التغيرات داخل منظومة "الحشد الشعبي"، التي بدأ رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الإعداد لها، منذ نحو شهرين، للتخلص من الأطراف الأكثر تشدداً في المؤسسة التابعة للحكومة. وأكد في تغريدة على "تويتر" الجمعة 25 سبتمبر (أيلول)، أن "يد القانون فوق يد الخارجين عليه مهما ظن البعض عكس ذلك، وأن تحالف الفساد والسلاح المنفلت لا مكان له في العراق".
وسجل الكاظمي نهاية الأسبوع الماضي نقطتين في مرمى خصومه في يوم واحد، حين استطاع إبعاد متشددين اثنين داخل "الحشد"، وانتزاع مواقف نادرة لقوى شيعية دانت استهداف المصالح الأجنبية في العراق، والتي كانت تسبب حرجاً للحكومة، لكن الصعوبة وفق ما تقوله بعض المصادر، ستكون مع جهات تعلن مُعاداة الدولة بشكل صريح وتستهدف البعثات الدبلوماسية، مثل "كتائب حزب الله"، التي تملك مقرات داخل المنطقة الخضراء التي توجد فيها الحكومة والسفارة الأميركية.
وحاول رئيس الوزراء قبل أكثر من ثلاثة أشهر تحييد عدد من مقاتلي ذلك الفصيل المتهم بضرب المعسكرات العراقية والمصالح الأجنبية في البلاد، لكن تلك الحادثة زادت من عداء "حزب الله" العراقي، للكاظمي، وقام عناصره بتمزيق صور الأخير وحرقها.
تأخر أكثر من عام عن موعده!
في غضون ذلك، قرر رئيس هيئة "الحشد الشعبي"، المرتبطة بالقائد العام للقوات المسلحة العراقية رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، فالح الفياض في 24 سبتمبر (أيلول)، إعفاء حامد الجزائري من مهام آمر اللواء الـ18 في الحشد، ووعد القدو من مهام آمر اللواء الـ30.
وبحسب وثيقة اطلعت عليها "اندبندنت عربية"، فقد أصدر الفياض أمراً بتكليف زين العابدين جميل خضر، بدلاً من القدو، كما أصدر أمراً بتعيين أحمد محسن مهدي الياسري بدلاً من الجزائري.
وكان من المفترض أن تجري التغييرات داخل "الحشد" قبل أكثر من عام، لكن بعض الفصائل ماطلت في تنفيذ الأوامر التي صدرت في صيف 2019 من قبل الحكومة السابقة، لأسباب تتعلق بامتيازات حصلت عليها تلك الجماعات.
التخلص من محور إيران
مصادر داخل "الحشد الشعبي" قالت لـ"اندبندنت عربية"، إن "الكاظمي يسعى إلى التخلص من القيادات كافة التي لديها ارتباط مباشر مع طهران داخل الهيئة، لكن المشكلة الحقيقية ستكون مع كتائب "حزب الله".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان عادل عبد المهدي، رئيس الوزراء السابق (استقال نهاية 2019 على إثر اندلاع احتجاجات أكتوبر) قد أصدر في يوليو (تموز) الأمر الديواني 331، الذي تضمن إعادة هيكلة الحشد ونقل مقراته خارج المدن.
وتملصت أكثر الفصائل من تنفيذ القرار الذي كان من المفترض أن يدخل حيز التنفيذ نهاية يوليو 2019، وانتقد "حزب الله" العراقي حينها، بقاء القوات الأميركية في العراق، من دون أن يعلن الامتثال إلى الأمر أو عصيانه، لكن وعد قدو وهو رئيس فصيل ما يعرف بـ"لواء الشبك" في سهل نينوى شمال شرقي مدينة الموصل (مركز محافظة نينوى 400 كم شمال العاصمة بغداد)، كان أول من اعترض على تلك القرارات.
عصيان القدو!
القدو الذي أبعد في الفترة الأخيرة من قيادة الفصيل، رفض في أغسطس (آب) 2019، أوامر عبد المهدي بتسليم مناطق سهل نينوى إلى الجيش، على أثر اتهامات أميركية للأول بانتهاكات ضد مسيحيين في البلدة، التي كانت أجزاء منها قد سقطت بيد تنظيم "داعش" في 2014.
وتدخل حينها نائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس (قتل مطلع 2020 بغارة أميركية قرب مطار بغداد الدولي) لحماية القدو، ووصل إلى القدو تسوية تقضي بتقاسم مهمة حماية السهل بين الحشد والجيش.
وكان أنصار لواء الشبك (طائفة من الكرد الشيعة) قد نظموا تظاهرات حاشدة في شمال شرقي الموصل في أغسطس من العام الماضي، وهددوا بتصعيد المواقف في حال تم إبعاد "فصيل القدو"، فيما اعتبر حينها تراجع عبد المهدي عن قراراته بأنه "رضوخ" لمحور إيران داخل الحشد.
المصادر المطلعة داخل الحشد، أشارت إلى أن "الكاظمي لا يريد تكرار أخطاء عبد المهدي، وأوضح أكثر من مرة لقادة الفصائل بأن بقاء المتشددين داخل الهيئة يعني أخذ البلاد نحو اللا دولة".
ويعتبر حامد الجزائري، الرجل الثاني الذي أبعده الكاظمي عن هيئة "الحشد الشعبي"، أحد المتهمين الرئيسين بتورط فصيله (سرايا الخراساني) في استخدام العنف في احتجاجات أكتوبر (تشرين الأول)، كما اتهم الجزائري بتدبير عمليات اختطاف لعمال أجانب في العراق، بحسب ناشطين.
نجاح الكاظمي
أثيل النجيفي القيادي في "جبهة الإنقاذ والتنمية" التي يقودها شقيقه رئيس البرلمان الأسبق أسامة النجيفي، يقول لـ"اندبندنت عربية"، إن "قبول القوى الشيعية للإصلاحات داخل هيئة الحشد هو إقرار بنجاح الكاظمي في إجراء الإصلاحات".
وكان عدد من القوى الشيعية، على رأسهم زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، قد رفض أعمال "القصف والاغتيالات" التي تقوم بها بعض الفصائل المنتمية إلى الحشد.
ويضيف النجيفي، محافظ نينوى السابق "هذه الفصائل عرفت أنها لا يمكن أن تبقى تُعادي الدولة، كما أن طهران أوعزت إلى مؤيديها في العراق بتخفيف معارضة الدولة العراقية من أجل ترتيبات الحوار مع واشنطن".
ويتهم بعض أجنحة "الحشد الشعبي"، بحسب مراقبين، بتنفيذ أجندات إيرانية في العراق، من خلال استهداف البعثات الدبلوماسية، والمعسكرات التي تستضيف قوات التحالف ضد تنظيم "داعش"، والذي تقوده الولايات المتحدة.
تنفيذ قرار إعادة الهيكلة
بدوره، يقول أحمد الأسدي، القيادي السابق في الحشد، والنائب عن "تحالف الفتح" (المظلة السياسية للحشد) لـ"اندبندنت عربية"، إن "التغييرات في الحشد الشعبي أمر طبيعي، ومن حق رئيس الهئية أن يغير قادة الألوية، وفق قانون الهيئة".
وهذه المرة الأولى منذ إصدار قانون "الحشد الشعبي" عام 2016، من قبل البرلمان العراقي، التي يتم فيها تغييرات واسعة، كما جرى في الفترة الأخيرة، على مستوى قيادات الفصائل.
وأكد الأسدي أن "هيئة الحشد الشعبي هي مؤسسة تابعة للحكومة وترتبط بالقائد العام للقوات المسلحة، ومن الطبيعي أن تمتثل الفصائل لإجراءات الهيكلية داخلها".
وسبق بأيام من إطاحة "الجزائري"، أن حكم القضاء العراقي على ميثم العكيلي، القيادي في الفصيل الذي ينتمي إليه الأول (سرايا الخراساني)، بالإعدام على أثر قيام الأخير بتكوين "عصابة خطف" بلباس القوات الأمنية العراقية.
بدلاء بميول متطابقة
إلى ذلك، قال عضو المكتب السياسي لـ"تيار الحكمة" الذي يتزعمه رجل الدين الشاب عمار الحكيم، فادي الشمري، لـ"اندبندنت عربية"، إنه "تم استبدال قادة ألوية داخل الحشد بآخرين من قيادات شبيهة وعندها الميول السياسية ذاتها".
وكان "خضر" و"الياسري"، وهما بديلا "القدو" و"الجزائري"، يُديران منذ سنوات مفاصل داخل لواءي "الشبك" و"سرايا الخراساني".
وكشف الشمري عن أن "التغييرات التي جرت كانت قد بدأ الترتيب لها منذ أغسطس الماضي"، مبيناً أن "الحشد لا يرغب بتوريط نفسه بأعمال مسلحة يقوم بها بعض المنتمين له".