عاد الجدل مجدداً في الجزائر حول مشاركة الجيش في مهام خارج الحدود، وفق ما جاء في التعديل الدستوري المطروح للاستفتاء الشعبي في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، بعد أن اعتبر "حزب العمال" خروج الجيش تحت قبعة الأمم المتحدة أو منظمات أخرى يعني وضعه في خدمة قوى دولية وإقحام الجزائر في صراعات إقليمية ودولية.
إقامة قواعد عسكرية أجنبية في البلاد
أكدت الأمينة العامة للحزب، لويزة حنون، أن "العمال" يرفض أي مشاركة عسكرية للجيش الجزائري في عمليات بالخارج، معتبرة أن إدراج مادة في مسودة الدستور المطروح للاستفتاء، تسمح بذلك، سيمهد لإقامة قواعد عسكرية أجنبية في البلاد، وأوضحت أن "لا شيء يبرر تحول موقف الجزائر إزاء المشاركة في عمليات عسكرية مزعومة لإحلال السلام، ذلك هو اعتداء على سيادة الشعوب الأخرى".
وتابعت المسؤولة الأولى عن الحزب، أنه يتعين على الجزائر أن تحافظ على مبادئها في عدم التدخل، خصوصاً أن البلاد تملك الإمكانية للدفاع عن مصالحها وترابها من دون الحاجة للمشاركة في هكذا عمليات في الخارج. وحذرت من أن يكون التوجه الجديد نتيجة ضغوط قوى غربية تسعى لتوريط الجزائر.
عمليات حفظ السلام الأممية فحسب
وكان رئيس لجنة الخبراء المكلفة مراجعة الدستور، أحمد لعرابة، أوضح خلال الجدل الذي عرفته الساحة السياسية بخصوص هذا الموضوع، أن إمكانية نشر قوات الجيش خارج الحدود "لا يشكك مطلقاً في عقيدة الجزائر بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول"، وأبرز أنه "كون الجزائر تستطيع المشاركة في هذه العمليات، لا يعني إطلاقاً تخليها عن مبدئها الأساسي في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول"، مضيفاً أن "المادة 31 ترمي إلى تمكين رئيس الجمهورية من إرسال قوات في إطار عمليات حفظ السلام الأممية فحسب"، وتابع أنه "لا بد من التمييز بين عمليات حفظ السلم وما يعرف بالتدخلات العسكرية، لأن مهام حفظ السلم دفاعية بحتة، وليس هناك مواجهات ولا استعمال للأسلحة الثقيلة".
مأساة سياسيين
وفي السياق ذاته، يعتقد أستاذ التاريخ المعاصر رابح لونيسي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن مأساة بعض السياسيين هو عدم معرفتهم ببعض الرهانات الدولية، وما يرسمه صناع القرار من أهداف استراتيجية التي عادة ما تغيب عن عامة الشعب، كما هو أمر مؤسف عندما يستخدم بعض السياسيين قضايا لأهداف شعبوية انتخابية لا غير، وهو ما يؤثر سلباً على السياسة الخارجية للدولة، وقال إنه قبل كل شيء يجب أن نضع في الأذهان أن المشاركة في عمليات حفظ السلام قد قامت بها الجزائر من قبل دون أن يثير ذلك أية نقاشات أو تحفظات، مثل مشاركتها بوحدات لحفظ السلام في كمبوديا في التسعينات في إطار مهام الأمم المتحدة، كما أن الجزائر عانت تهديدات إرهابية على حدودها من دون أن تتمكن من التحرك، وهو ما يجب إيجاد حل له مستقبلاً، مضيفاً أن العالم اليوم في طريق تشكيل نظام دولي جديد، ومن غير المستبعد وجود تفكير في إنشاء جيش عالمي ضمن إطار بعض الاقتراحات المقدمة لإصلاح هيئة الأمم المتحدة، بهدف التكفل بحفظ الأمن والسلام، وعليه فالجزائر مدعوة لأن تكون مستعدة كي تتمكن من التموقع عالمياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويواصل لونيسي، أنه من ضمن الإصلاحات المقترحة على الأمم المتحدة، هو توسيع العضوية الدائمة لمجلس الأمن إلى القارة الأفريقية وأميركا اللاتينية، وقد ترشح الجزائر ودول أفريقية أخرى كبيرة لها وزن إلى هذه العضوية، حيث من الشروط المشاركة الفعالة في عمليات حفظ السلام العالمي، إضافة إلى امتلاك قوة عسكرية واقتصادية وتأثير إقليمي، مردفاً أنه لا يستبعد أن تكون هذه المادة الدستورية الخاصة بتدخل الجيش خارج الحدود، تندرج في سياق التحضير لكل هذه الاحتمالات المستقبلية، كما أن تطبيقها مشروط بقبول ثلثي أعضاء البرلمان. وختم أنه على السياسي أن يكون براغماتياً وليس شعبوياً.
توضيح من تبون وقيادة الجيش
وفي دفاعه عن هذا التعديل المقترح، قال الرئيس عبد المجيد تبون، في لقاء على التلفزيون الرسمي، إن مسألة مشاركة الجيش في عمليات عسكرية خارج البلاد، ستكون تحت مظلة المنظمات الدولية وضمن عمليات حفظ السلام، كما أنها ستكون مقيدة بموافقة ثلثي أعضاء البرلمان، موضحاً أن هذا التعديل ليس تغييراً في فلسفة عمل الجيش، بل هو رجوع الأمور إلى نصابها، من منطلق أن الجيش إذا حدث وشارك في عمليات خارجية فإن ذلك سيتم تحت حماية القانون والدستور ومن أجل الاضطلاع بمهام سلمية دفاعاً عن الجزائر.
كما اعتبرت قيادة الجيش أن مشاركة المؤسسة العسكرية في عمليات حفظ السلام خارج الحدود "يتماشى تماماً مع السياسة الخارجية لبلادنا التي تقوم على مبادئ ثابتة وراسخة تمنع اللجوء إلى الحرب وتدعو إلى السلام وتنأى عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتحرص على فض النزاعات الدولية بالطرق السلمية، تماشياً مع قرارات الشرعية الدولية ممثلة في الهيئات الدولية والإقليمية"، وشددت على أن "الأمن القومي لبلادنا الذي يتجاوز حدودنا الجغرافية، يقتضي في ظل الوضع السائد على الصعيد الإقليمي وما يطبعه من تحولات وتغيرات جديدة، تعزيز حماية أمن وطننا واستقراره والمشاركة في عمليات فرض حفظ الأمن".
توظيف سياسي
اعتبر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية علي ربيج، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أنه من المستحيل تنقل وحدات الجيش خارج الحدود بحكم عقيدته وتكوينه، وما يحدث هو توظيف سياسي، وقال إنه لا نية للرئيس أو الحكومة أو قيادات المؤسسة العسكرية في الدفع بالجيش للقتال خارج الحدود، وإنما في إطار حفظ السلام وتحت قبعة الأمم المتحدة، مشيراً إلى أن الأحزاب السياسية ستعرف سجالاً مع السلطة، وخصوصاً المعارضة التي توظف كل ما تجده أمامها بهدف مقاطعة الاستفتاء الشعبي المقرر بداية نوفمبر المقبل، ورفض الدستور المعدل، حيث إنها ستتخذ من هذا النص الدستوري مادة إعلامية دسمة.