من المقرر أن تستضيف العاصمة السويسرية جنيف مؤتمراً للفرقاء الليبيين في منتصف أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، بهدف إعادة تشكيل المجلس الرئاسي وتشكيل حكومة وحدة وطنية ممثلة للجميع، لتحدد انتخابات من شأنها توحيد البلد الذي يعاني تفككاً وصراعات مدعومة من قوى إقليمية، لكن المشهد المتوتر في ليبيا يبعث بشكوك بشأن نجاح هذه الاجتماعات، التي تجرى برعاية الأمم المتحدة، ومن ثم أوصت ستيفاني ويليامز، المبعوثة الأممية إلى ليبيا، بفرض عقوبات على أي شخص يحاول إفساد المحادثات. وقالت مبعوثة الأمم المتحدة بالإنابة في تصريحات لشبكة "بلومبرغ"، الأميركية "أصبح الخلل الوظيفي شديداً لدرجة أن هناك حاجة ملحة للتغيير. وبصراحة، هناك حاجة إلى سلطة تنفيذية موحدة إذا كنت تريد التحرك نحو الانتخابات الوطنية، لأنك بحاجة إلى حكومة وطنية للتحضير للانتخابات".
أشارت ويليامز إلى أن الليبيين من جميع الأطراف قلقون بشكل متزايد من التدخل الأجنبي الذي تصاعد منذ العام الماضي، بعد أن شن قائد الجيش الوطني الليبي، خليفة حفتر، حملته العسكرية في المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات المتحالفة مع حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، في أبريل (نيسان) 2019. واعتمد كلا الفصيلين بشكل كبير على حلفائهما الإقليميين، تاركين نفوذاً واسعاً لتركيا وروسيا ودول أخرى داخل البلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تضارب المصالح
قالت المبعوثة الأممية، إن الليبيين "الآن خائفون حقاً من الخسارة الكاملة للسيادة، وإن هناك قدراً كبيراً من التدخل الأجنبي في البلاد لا يُطاق". وأضافت "إنهم بحاجة لاستعادة البلاد، والطريقة للقيام بذلك هي من خلال الانتخابات"، وفي ظل الصراعات المستمرة بين الأطراف الليبية، حيث يمكن لأي طرف أن يضع عوائق أمام المفاوضات. وأشارت إلى أن كثيراً من الليبيين، دون أن تحدد هويتهم، طالبوا في محادثاتها معهم بمعاقبة مفسدي المحادثات القادمة، مضيفة أن رسالتها للمجتمع الدولي هي ضرورة معاقبة مفسدي العملية السياسية.
وبحسب ويليامز، فإن الليبيين طالبوا أيضاً في المشاورات معها، بأن أي شخص يشارك في محادثات جنيف يجب أن ينحي نفسه من النظر في مناصب في الحكومة لتجنب تعثر المفاوضات بشأن تضارب المصالح.
واقع الصراع
تشهد الأزمة في ليبيا تعقيداً كبيراً منذ تدخل القوى الخارجية، حيث ضخَّت تركيا آلاف المقاتلين السوريين والعناصر الإرهابية للقتال في صفوف حليفها في طرابلس، بينما تدعم روسيا معكسر الشرق بقيادة حفتر. وبحسب مجموعة الأزمات الدولية (مركز بحثي في بروكسل)، فإن الليبيين، الذين توحّدوا للإطاحة بالقذافي عام 2011 باتوا اليوم يتنافسون على الحصول على دعم الرعاة الإقليميين من خلال طرح صراعاتهم على أساس النزعة الإسلاموية في مواجهة النزعة المناهضة للأسلمة أو الثورة في مواجهة الثورة المضادة. إلا أن واقع الصراع أكثر تعقيداً من ذلك، حيث إنه متعدد الجوانب والمستويات على البنية السياسية والاقتصادية للدولة، وهو صراع لا يمكن أن يكون له حل عسكري.
غضب شعبي
تشهد ليبيا منذ أواخر أغسطس (آب) حالة غضب شعبي جرّاء تدهور الأوضاع الاقتصادية والفساد وسوء الخدمات في البلاد، ما أجبر حكومة طرابلس المسيطرة على الغرب الليبي، على إعلان هدنة لوقف إطلاق النار مع معسكر شرق ليبيا. وفي 14 سبتمبر (أيلول) الحالي، قدمت الحكومة المؤقتة بشرق البلاد استقالتها إلى رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، بعد اندلاع تظاهرات واسعة النطاق في شرق البلاد. بعد ذلك، أعلن رئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، فايز السراج، عن نيته التنحي بحلول نهاية أكتوبر.
ويقول مراقبون إن السياسيين من الشرق والغرب يزعمون أنهم متنافسون، لكنهم "يتآمرون بشكل خاص للبقاء في مواقعهم المربحة"، بحسب وصف طارق المجريسي، المحلل لدى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.
تكرار خطأ الصخيرات
لم يعرب محمد زبيدة، المحلل السياسي وأستاذ القانون الدولي في جامعة بنغازي، عن تفاؤله حيال محادثات جنيف، مشيراً إلى أنه وفقاً للتسريبات التي نشرتها صحف ليبية مؤخراً بشأن قوائم المشاركين في المحادثات المقررة، فإن البعثة الأممية تكرر نفس سيناريو اتفاق الصخيرات الذي تم توقيعه عام 2015، والذي بموجبه تم تشكيل المجلس الرئاسي الليبي برئاسة السراج.
ووفقاً لقوائم تداولتها صحف ليبية، فإن 80 شخصية عامة ستشارك في الاجتماعات المقررة في النصف الثاني من أكتوبر، ويشمل ذلك 13 عضواً من البرلمان الليبي، و13 عضواً من المجلس الأعلى للدولة. كما يتوقع أن يتألف المجلس الرئاسي الجديد من ثلاثة أشخاص يمثلون مناطق طرابلس وبرقة وفزان. ويشارك في القمة ممثلون عن الأمم المتحدة والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين وتركيا وإيطاليا، وتتمثل المشاركة العربية في مصر والجزائر والإمارات وجامعة الدول العربية.
وقال زبيدة في حديثه لـ"اندبندنت عربية": "يبدو أن البعثة الأممية تُعيد نفس السيناريو ونفس الأخطاء. عندما تم عقد اتفاق الصخيرات، وقّعه أشخاص لا يملكون أي صفة على الأرض، ومن ثم جاءت النتيجة لتزيد المشهد في ليبيا تعقيداً، وتورط البلد في مشكلة دامت خمس سنوات". وأضاف "تخبط ويليامز فيما يتعلق بالمدعوين أو مسارات اللقاء المزمع عقده هي عبارة عن إعادة تدوير للأزمة لأن الذين وردت أسماؤهم في القوائم المسربة 80 في المئة منهم ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين".
مفاوضات صعبة
يتفق بول سوليفان، الأستاذ في جامعة الدفاع الوطني بالولايات المتحدة، بأن مفاوضات ليبيا المقبلة من المرجح أن تكون "محفوفة بالتوترات والمناورات من وراء الكواليس". وأضاف أن المحادثات "قد تستمر لفترة أطول مما يعتقد البعض، وقد لا تحل الكثير". وقال سوليفان إنه يشك في أن تهدأ ليبيا في أي وقت قريب "هناك الكثير على المحك، والعديد من أصحاب المصلحة المتنافسين الذين لا يتفقون معاً".
ويؤكد زبيدة أنه "لا يوجد حل سياسي طالما بقي نحو 25 ألف مرتزق سوري وعنصر إرهابي داخل البلاد"، مشدداً على ضرورة نزع سلاح الميليشيات أولاً، وفقاً لخريطة الطريق التي تم الإعلان عنها في القاهرة في يونيو (حزيران) الماضي، وهو ما لم يتم دون ضغط الدول الكبرى على الأتراك لجمع "النفايات البشرية" التي ألقوا بها في ليبيا؛ عناصر إرهابية ومرتزقة، وتوقف قطر عن تمويل هذه الجماعات، مضيفاً بالقول "تركيا مستفيدة من هذا الوضع، فقبل أسبوعين تم ضخ 36 مليار دولار من أموال الليبيين في الخزينة التركية، كتعويض عن عقود مع شركات تركية، وهو ما يمثل شريان حياة لهم بعد انهيار الليرة".