أسلحة خفيفة مهربة عبر الحدود، وأخرى مجمعة ومركبة لخدمة أغراض قتالية وأهداف إجرامية، وثالثة تفكك وتحشى بمسامير لتحقيق قدر أكبر من الدماء والخراب، ورابعة لسد احتياجات سوق السلاح هنا وهناك لأسباب تتعلق بالعادات والتقاليد.
على مدى عشرات السنين، ظلت تجارة الأسلحة الخفيفة غير القانونية وتهريبها موجودين. تجارة ضخمة تضم عصابات وأفراداً وبائعاً ومشترياً ويداً قانونية تجرمها، وأخرى تنفيذية تعاقب عليها، مثلها مثل جرائم عدة. منظمات عدة تبذل جهدها هي الأخرى لتطوق التجارة وتقلص التهريب، لا سيما بعد ما تحولت دول بعينها إلى نقاط جذب تجارية وأخرى إلى ساحة إرهاب وقتال إقليمية تتطلب تكاتفاً دولياً وجهداً أممياً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
خفيفة وخطيرة
إنقاذ العديد من المجتمعات، هذه الآونة، من خطر الجريمة والإرهاب بات لا يستوي من دون تطويق الاتجار غير المشروع في الأسلحة الصغيرة والخفيفة والذخيرة. فعلى الرغم من أنها "خفيفة"، فإنها قادرة على إشاعة الدمار في كل مكان. من يحصل عليها يكون قادراً على بث الرعب في قلوب الجميع، وأباطرة المخدرات يستخدمونها عشوائياً لمواجهة قوات إنفاد القانون، والعصابات تستخدمها لتغير على قوافل المساعدات الإنسانية وتستولي على محتوياتها. كما أن تراكمها، حتى في حال عدم كثافة استخدامها يحول الدول إلى مجتمعات غير آمنة حيث يكون خطر استخدامها قائماً طيلة الوقت، والقائمة طويلة.
وعلى الرغم من طول القائمة وكثرة أعداد الأسلحة الخفيفة وذخيرتها، فإن البيانات والمعلومات المتوافرة عن هذه الأسلحة شحيحة جداً، بل إنها أقل بكثير من المعلومات المتوافرة حول الأسلحة النووية. وعادة، لا تتوافر معلومات إلا إذا قدمت الدول ما لديها أو ما تود تقديمه عن معدلات إنتاج هذه الأسلحة أو كمية المخزون أو ما جرى توقيفه ومصادرته. ويشار إلى أن دراسة استقصائية أجراها "مكتب الأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح"، عن الأسلحة الصغيرة وجد أن "المعلوم عن عدد الرؤوس النووية ومخزونات الأسلحة الكيماوية وعمليات نقل الأسلحة التقليدية الرئيسة أكثر من المعلوم عن الأسلحة الصغيرة". التقديرات تشير إلى أن عدد الأسلحة الصغيرة والخفيفة المتداولة في العالم لا يقل عن 875 مليوناً. ومعظم هذه الأسلحة موجود لدى الأفراد، إذ إنها الفئة الوحيدة من الأسلحة الخارجة عن احتكار الحكومات للامتلاك والاستخدام.
طفرة 2011
استخدام الأسلحة الخفيفة موجود في المنطقة العربية. وعلى الرغم من اقتصار التطرق إلى استخدامها من قبل أفراد في نشرات الأخبار ومنصات الإعلام على دول تسمح باقتنائها وأخرى تعلن عن توقيف تهريب هنا أو هناك، ومعظمها دول غير عربية، فإن هذا لا يعني عدم انتشارها في المنطقة العربية.
في عام 2011، وقبل أن تتضح صورة ما يجري في عدد من الدول العربية، لا سيما التي شهدت تغيراً في أنظمتها، تواترت تقارير عدة عن ازدهار تهريب السلاح في سوريا، وتحول العديد من الأماكن في تونس إلى مخازن لتخزين السلاح، وانتشار الأسلحة الخفيفة في أيدي العديد من الجماعات الدينية في العراق، وتهريب كميات ضخمة من الأسلحة الخفيفة عبر الحدود في مصر، وانتشارها في لبنان، وتحول ليبيا إلى مرتع للتجارة والتهريب على سبيل المثال لا الحصر.
الحصر شبه مستحيل
وحصر هذه الأسلحة أمر شبه مستحيل، لكن التعامل معها وتبادل المعلومات التي تتيح التعاون بين الدول لتطويق هذه التجارة أمر ممكن.
في هذا الصدد، قالت سيمونيتا غراسي مديرة البرنامج العالمي بشأن الأسلحة النارية التابع لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لـ "اندبندنت عربية" إن "الدول حين تتعاون بتزويدنا بالمعلومات حول الأسلحة الخفيفة والذخيرة المهربة التي توقف يصبح في الإمكان تقفي مصدرها والتعرف إلى خط سير التهريب والمهربين، وذلك في حال كانت تحمل علاماتها الأصلية، مع العلم أن كثيراً من عمليات التهريب والمهربين يعملون على تفكيك هذه الأسلحة وإعادة تركيبها، مما يصعب عملية التعرف إلى أصولها". كما تلفت غراسي الانتباه إلى أهمية قيام الدول بتوثيق ملابسات عمليات التوقيف وهي بالغة الأهمية لمعرفة مصادر الأسلحة المهربة وخطوط سير التهريب، وذلك سواء كانت موقع جريمة أو عنف منزلي أو عمليات إرهابية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتوضح غراسي أن "أصعب ما في المسألة هو عدم تعاون الحكومات معنا، أو حين نحصل على معلومات غير كاملة بشأن الأسلحة الخفيفة المهربة التي تُوقف". وماذا عن دول لا توجد فيها حكومات فاعلة من الأصل أو تعاني التمزق بين حكومتين كما هو الحال في ليبيا مثلاً؟ تقول "يكون الوضع بالغ الصعوبة. ولكننا نحصل على معلومات بشأن الأسلحة المهربة في ليبيا، وإن كنا نضع في الحسبان أن هذه المعلومات تحتاج إلى تحقق كامل. والحصول على معلومات من جمعيات أهلية أو ما شابه لا يكفي، إذ لا بديل عن العمل مع الحكومات".
حين تعمل الحكومات في التهريب
ولكن ماذا عن الحكومات في حال ضلوعها أو تحولها إلى طرف في تهريب الأسلحة عبر الحدود لحساب طرف ضد آخر في دولة أخرى مثلاً؟ تقول غراسي "هذا من أصعب الأوضاع. فإذا كان المهرب فرداً أو أفراداً أو عصابات، فإنهم يكونون خاضعين للقوانين التي تطبق على المهربين. أما الحكومات، فإن الوضع يكون مختلفاً، لكن حتى مثل هذه الدول يجب أن يكون لديها أطر قانونية تجرم التهريب".
وتشير غراسي إلى أن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة يساعد الدول في مواجهاتها مع الإرهاب عبر اتباع الإجراءات السليمة للتعرف إلى وتوثيق وتقفي أثر الأسلحة التي ترصد، وذلك في حال طلبت الدول المساعدة. كما تقدم المساعدة في أمور تتعلق بالحيلولة دون وصول الأسلحة المهربة لأيدي الإرهابيين.
وتشير غراسي إلى أن هناك من الأسلحة النارية ما يقتنى لأسباب لا تتعلق بالجريمة أو الإرهاب بالضرورة، "فمثلاً هناك أسلحة نارية يرثها الأبناء والأحفاد. وهناك ثقافات وعادات وتقاليد شائعة في بعض الدول تعتبر اقتناء الأسلحة النارية أمراً مهماً. وهنا يجب أن يلعب القانون دور البطولة".
صغيرة الحجم كبيرة الأثر
يشار إلى أن السعودية وروسيا اشتركتا في تمويل مشروع يعمل عليه كل من مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب ومكتب الأمم المتحدة المعني بالجريمة والمخدرات في فبراير (شباط) الماضي. ويسعى المشروع إلى تعزيز استجابة العدالة الجنائية ومكافحة الاتجار غير المشروع في الأسلحة الصغيرة والخفيفة، وتعطيل الإمداد غير المشروع لهذه الأسلحة إلى الجماعات الإرهابية.
من جانبه، حذر فلاديمير فورونكوف وكيل الأمين العام لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب من أن الأسلحة الصغيرة والخفيفة أصبحت السلاح المفضل على نحو متزايد لدى العديد من الجماعات الإرهابية في جميع أنحاء العالم "لأنها رخيصة ويسهل الوصول إليها ونقلها وإخفاؤها واستخدامها".
وفي هذا الشأن، تقول سيمونيتا غراسي إن "المسدسات هي السلاح المفضل لدى عصابات التهريب وراغبي اقتناء الأسلحة لأنها أسلحة صغيرة الحجم وقوية في الوقت نفسه ويسهل حملها". وبحسب التقرير الصادر عن مكتب مكافحة المخدرات والجريمة حول "الاتجار في الأسلحة النارية في 2020"، فإن المسدسات تشكل أكثر أنواع الأسلحة النارية المضبوطة على مستوى العالم. وهي تمثل 39 في المئة من إجمالي عدد الأسلحة النارية المضبوطة عالمياً. الأسلحة الصغيرة ربما تكون صغيرة الحجم، لكنها قادرة على إحداث آثار فادحة من دمار وخراب.
بدورها، حذرت غادة والي المديرة التنفيذية لمكتب مكافحة المخدرات والجريمة من أن تهريب الأسلحة النارية بشكل متزايد يشكل تهديداً خطيراً على حياة الإنسان والأمن الدولي، مشيرة إلى أن الاتجار غير المشروع فيها عامل مساعد ومضاعف للعنف والجريمة في كل مكان في العالم.
تقول غراسي إن "التعامل مع مسألة مثل تهريب والاتجار في الأسلحة النارية والذخائر بطريقة غير مشروعة يحتاج تضافر وتعاون وتواصل كل الأطراف الضالعة: حكومات، منظمات أممية، مصنعي الأسلحة والإعلام".
كان رسم توضيحي في التقرير الأممي عن الاتجار في الأسلحة النارية في 2020، أشار إلى أن سبل وصول الأسلحة النارية إلى "الأيادي الخطأ" كثيرة، منها وصول الأسلحة التي ترصد أو الأسلحة العسكرية إلى العصابات بسبب الفساد أو طرق التخزين الخطأ أو السرقة. وهناك تجارة السلاح التي تبدأ من نقطة مشروعة لكنها تعرج أحياناً إلى طرق غير مشروعة. كما تقوم بعض العصابات والأفراد بإعادة تشغيل الأسلحة النارية التي جرى تعطيلها، أو طمس العلامات الأصلية وكذلك تفكيك الأسلحة ثم إعادة تركيبها وتعديل مواصفاتها. وهناك الخطر الجديد القائم وهو صناعة الأسلحة النارية بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد. وكل ما سبق يصب في السوق السوداء أو السوق غير المشروعة للأسلحة النارية صغيرة الحجم مدمرة الأثر.