يسهم تفشي الحشيش قوي المفعول في شوارع لندن في دفع نسب الذُهان إلى أعلى المستويات المسجلة في أوروبا.
وقد أظهرت إحدى الدراسات الكبرى أن تدخين أنواع قوية من الحشيش مثل "الظربان" يوميا يجعل المدخنين أكثر عرضة للأمراض الذهنية بمعدل خمس مرات.
فحوالي ثلث حالات الذُهان المسجلة في مستشفيات جنوب لندن يعاني منها الأشخاص الذين يدخنون هذه المخدرات القوية التي أضحت تمثل 94 بالمائة من الحشيش الذي يباع في المدينة حاليا.
ومع نقص الموارد لتلبية الحاجة إلى العناية النفسية الذي تعانيه المستشفيات أصلا، ينبه الأطباء إلى أن تدخين الحشيش يزيد عبئا هائلا على وحدات العلاج النفسي المنهكة.
قد تسهم العديد من العوامل في نشوء حالات مثل انفصام الشخصية، لكن الباحثين وجدوا أن تعاطي الحشيش يفسر الكثير من التفاوت في الأمراض العقلية الذي لوحظ في جميع أنحاء أوروبا.
وفي هذا الصدد يقول البروفيسور السير روبين موراي، وهو طبيب نفسي في كينغز كوليدج في لندن: " في بريطانيا البريكست نحن ما زلنا الأوائل في مجال واحد، ألا وهو نسبة الذُهان، ويعود ذلك جزئيا إلى النسبة المرتفعة للمهاجرين، وجزئيا إلا تعاطي الحشيش".
أُنجزت الدراسة في 11 موقعا في خمسة بلدان أوروبية بما فيها جنوب شرق لندن وكمبريدج وكذلك في البرازيل. ولكون هذه الدراسة الأولى من نوعها التي تدرس مجموعات برمتها، فقد جاءت استجابة لتقنين قنب الحشيش في العديد من البلدان وكذلك لفهم آثاره على الصحة العقلية.
وإذا كان إجمالي أعلى نسب الذُهان قد سُجل في لندن، فإن الرقم القياسي للإصابة بالذهان المرتبط بتعاطي الحشيش سُجل في مدينة أمستردام حيث تباع الأنواع القوية منه بصورة قانونية.
إجمالا، خلُص العلماء إلى أن تدخين الحشيش يوميا يزيد بثلاث مرات احتمال حدوث الذُهان. إلا أن السلالات القوية التي تحتوي على مستويات تفوق 10 بالمئة من المواد النشطة من رُباعي هيدرو كانابينول (THC) تزيد من ذلك الاحتمال بشكل كبير.
ويرى العلماء أن في حالة عدم توفر تلك الأنواع في السوق ستنخفض نسبة الذُهان من 46 إلى 32 من 100.000 شخص كل سنة. ومع أن هذه الأرقام تعد بالعشرات لا بالمئات من المرضى في كل منطقة على حدة، فإن الأطباء يقولون أن ذلك سيكون له تأثير عالمي حقيقي وقوي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"إذا كُنتَ طبيبا نفسيا مثلي تعمل بالفعل في هذه المنطقة التي تشملها الدراسة، وترى مرضى المرحلة الأولى من الذُهان، فإن ذلك في واقع الأمر تأثير ذو شأن،" قالت الدكتورة مارتا دي فورتي، وهي كذلك عالمة تنتمي لكينغز كوليدج اشتغلت على تلك الدراسة.
وأضاف السير روبين: "نحاول أن نساعد الناس في مؤسسات خدمات الطب النفسي غير الكافية في لندن، وأحد الأسباب التي تجعل تلك الخدمات رديئة ... هو أن لدينا 30 بالمائة من أعداد المرضى أكثر من الذين نتلقى التمويل عنهم أو الذين نتوقعهم. وإذا استطعنا القضاء على استهلاك "الظربان"، ستنخفض أعداد المرضى بنسبة 30 بالمئة وسنكون قادرين على تقديم رعاية جيدة للمرضى."
ولتحقيق ذلك، يرى بعض المدافعين [عن حق الاستهلاك] أنه ينغي للسلطات السماح ببيع أنواع الحشيش ذات التأثير الخفيف بموجب ترخيص، موجهين اللوم في انتشار الحشيش القوي لوجود الأسواق غير المنظمة. وفي هذا الشأن، يقول جيمس نيكولز، المدير التنفيذي لمؤسسة تغيير سياسة مكافحة المخدرات: "ندعو الحكومات لتنظيم سوق الحشيش من الإنتاج حتى الإمداد لضمان توفير منتجات أكثر سلامة."
و فيما أصبح بيع الحشيش في هولندا اليوم قانونيا، لوحظ أن إنتاجه ما زال غير منظم.
نُشرت تلك الاستنتاجات الجديدة في مجلة "ذا لانسيت سايكياتري (The Lancet Psychiatry) في نفس اليوم الذي قدمت فيه كبيرة المسؤولين الطبيين البروفيسور دايم سالي ديفيس شهادتها أمام أعضاء البرلمان عن سياسات المملكة المتحدة المتعلقة بالاستعمال الطبي للحشيش.
غير أن الباحثين تساورهم الشكوك في مدى إمكانية أن يكون التقنين الحل الناجع للمشكلة مشيرين إلى أن الحشيش الذي يباع دواء قد تكون له كذلك أعراض جانبية، وفي حال تشريع بيع المخدر، يجب توفير التربية على آثاره المضرة.
ودعا فريق الباحثين إلى إجراء مزيد من البحث ليشمل بقية مناطق المملكة المتحدة ل قلة المعلومات المتوفرة عن قوة الحشيش خارج العاصمة.
وقال ناطق باسم وزارة الداخلية: "تظل مقاربة الحكومة واضحة: يجب علينا أن نمنع استعمال المخدرات المحظورة في مجتمعاتنا ومساعدة المدمنين على التعافي من إدمانهم لها. ولا يجوز الافتراض بأن أي مخدر محظور يعد آمنا، كما لا توجد طريقة آمنة لتناوله. فالمخدرات يمكن أن تدمر حياة الناس، وتهدم الأسر وتلحق الضرر بالمجتمعات. إن حيازة أي كمية من المخدرات الخاضعة للمراقبة يعد جريمة يعاقب عليها القانون، كما أن ترويج مخدر خاضع للمراقبة يعد جريمة أشد خطورة."
© The Independent