صادق مجلس النواب التونسي خلال الجلسة العامة التي عقدها يوم الأربعاء 7 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، بموافقة 118 نائباً على مشروع قرار يتعلق بإقرار إجراءات استثنائية للعمل في البرلمان تحسباً لمزيد من التفشي لفيروس كورونا في المجلس.
انقسام بين النواب
وأكد رؤساء الكتل في البرلمان أهمية تأمين استمرارية العمل البرلماني في هذه الظروف الصحية الدقيقة، التي تعيشها تونس نتيجة تسارع تفشي الوباء بحسب ما جاء في بيان المجلس.
وفي حين شدد رئيس البرلمان، راشد الغنوشي خلال الاجتماع، على أهمية توافق الكتل البرلمانية على مشروع القرار المتعلق بإقرار إجراءات استثنائية لعمل المجلس، خلال هذه الفترة، أعرب عدد من النواب عن استنكارهم إدراج هذا القرار للمصادقة عليه من دون التداول فيه في مكتب المجلس، واعتبروه خرقاً للقانون والنظام الداخلي.
في المقابل، أكدت رئيسة الجلسة النائبة سميرة الشواشي عدم وجود مداولات ونقاشات في ما يخص المصادقة على القرارات.
الطعن في القوانين
أكد رئيس الكتلة الديمقراطية، هشام العجبوني في تصريح صحافي، أن كتلته امتنعت عن التصويت على هذا القرار، وأنها ستطعن في كل مشاريع القوانين التي سيتم المصادقة عليها باعتماد الإجراءات الاستثنائية، وستطالب مكتب المجلس بإعادة التثبت من تصويت 118 نائباً لمصلحة هذا القرار.
وتجدر الإشارة إلى أن القرار استثنى الجلسات العامة المتعلقة بانتخاب المحكمة الدستورية والهيئات المستقلة من اعتماد الإجراءات المذكورة.
حملة تقصٍ للفيروس في البرلمان
وتحسباً لمزيد من التفشي للفيروس، بدأ البرلمان حملة تقصٍ في صفوف النواب والموظفين إثر تسجيل ثماني إصابات جديدة.
وفي وقت سابق أعلنت رئيسة كتلة الدستوري الحر، عبير موسي، إصابتها بكورونا متهمة رئاسة البرلمان "بالتخاذل في تطبيق إجراءات الوقاية والبروتوكولات الصحية".
وكان النائبان سامية عبو، ومبروك كورشيد، أعلنا تماثلهما للشفاء بعد إصابتهما بالفيروس وعادا إلى استئناف نشاطهما في البرلمان.
الحل في التصويت عن بعد
ويبقى السؤال المطروح حالياً هو إلى أي مدى ستضمن آلية التصويت عن بعد على مشاريع القوانين في البرلمان، استمرارية العمل البرلماني؟
وكان مجلس النواب عقد جلسة عامة فترة الحجر الصحي في أبريل (نيسان) الماضي، صادق خلالها عن بُعد على مشروع قانون متعلق بتفويض رئيس الحكومة السابق الياس الفخفاخ إصدار المراسيم خلال فترة شهرين بموافقة 178 نائباً وامتناع نائبين عن التصويت واعتراض 17 نائباً.
وتساءل الصحافي التونسي رفيق بن عبد الله عن "مشروعية رفض بعض النواب هذه الآلية في هذا الوقت، بعدما تم اعتمادها في مناسبات سابقة خلال فترة الحجر الصحي الشامل"، مؤكداً أن "ما يحدث هو مزايدات سياسية لا غير".
وأوضح بن عبد الله أن "النواب المصابين بالفيروس يمكن أن يعتمدوا التصويت عن بعد، إلا أن بقية النواب يمكنهم مواصلة العمل تحت قبّة البرلمان مع الالتزام بالبروتوكول الصحي".
وعاب بن عبد الله على النواب، عدم التزامهم بهذا البروتوكول وعدم ارتدائهم الكمامات خلال حضورهم الجلسات العامة في البرلمان داعياً إياهم إلى أن يكونوا قدوة لبقية المواطنين.
على النواب التعايش مع الفيروس
كذلك اعتبر بن عبد الله، أن "الجدل الحاصل الآن في البرلمان بين من يؤيد استمرار عمل البرلمان بشكل طبيعي ومَن يرغب في اعتماد التصويت عن بُعد، هو حالة صحية واختلاف طبيعي، بين مَن يعتبرون أنفسهم جنوداً مثل الأطباء والمربين، ولا بد أن يستمروا في تأمين المرفق العام مع الالتزام بالإجراءات الصحية المتخذة، لحماية أنفسهم والمحيطين بهم، وبين مَن يرغبون في مزيد من الحماية بالابتعاد عن التجمعات واعتماد آلية التصويت عن بعد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد أن "التونسيين يتعايشون اليوم مع الفيروس بحكم الواقع الجديد المفروض على الأرض بسبب تفشيه بشكل واسع".
وفي إجابته عن سؤال يتعلق بإمكانية التخفيف من حدة التجاذبات السياسية تحت قبة البرلمان باعتماد التصويت عن بعد، شدد الصحافي رفيق بن عبد الله، على أن "المنابر الإعلامية ستكون بديلاً للنواب لممارسة صراعاتهم السياسية"، مستبعداً أن يخفف التصويت عن بعد من حدة هذه الصراعات الكامنة في الخلفية السياسية لكل طرف.
تعميق النقاش حول مشاريع القوانين
وأكد أهمية المشاريع المعروضة حالياً على البرلمان على غرار تنقيح المرسوم 116 المتعلق بالهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، ومشروع قانون زجر الاعتداءات على القوات الحاملة للسلاح، وأيضاً قانون الطوارئ، وقانون الإنعاش الاقتصادي، الذي تقدّمت به حكومة الياس الفخفاخ، معتبراً إياها "مشاريع مصيرية، ستحدد ملامح تونس في الفترة المقبلة"، مؤكداً أهمية تعميق النقاش حولها.
ويتخوف بعض النواب، من خرق الطابع الشخصي للتصويت، من خلال اعتماد تطبيق إلكتروني، بدلاً من التصويت الحضوري، حيث ينص الدستور في الفصل 61 منه على أن "التصويت في مجلس النواب شخصي ولا يمكن تفويضه"، بينما يرى نواب آخرون أن النظام الداخلي للبرلمان (الفصل 127) ينص على ثلاث طرق للتصويت، وهي التصويت الإلكتروني والتصويت اليدوي، والتصويت بالمناداة. ويشمل التصويت الإلكتروني التصويت عن بعد.
في المحصلة، فرضت جائحة كورونا شروطها على مختلف القطاعات في تونس وفي العالم، ودفعت إلى ابتكار حلول جديدة للتخفيف من حدة انتشار الفيروس، على غرار التعليم عن بعد، والعمل عن بعد والتصويت عن بعد، الذي يعتبر سابقة في تونس قد تفقد العمل البرلماني وجاهته من خلال النقاش الحضوري، إلا أنها تعتبر الحل الأنسب في الظروف الراهنة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً والدقيقة التي تعيشها البلاد لضمان استمرارية عمل البرلمان.