لامست الليرة التركية مستوى قياسياً منخفضاً مقابل الدولار خلال تعاملات أمس الأربعاء، متأثرة ببواعث قلق المستثمرين من عقوبات أميركية محتملة، والعلاقات المتوترة مع الاتحاد الأوروبي، والصراع الدائر في منطقة القوقاز.
وتشير البيانات المتاحة إلى أن الليرة التركية فقدت نحو 24 في المئة من قيمتها هذا العام بفعل المخاوف حيال تناقص احتياطات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي والتدخلات الباهظة التكلفة في سوق الصرف والمشكلات الجيوسياسية. وسجلت الليرة مستوى منخفضاً جديداً عند 7.8850 مقابل الدولار الأميركي، ليضعف سعرها عن الإغلاق السابق البالغ 7.8050 ليرة، وتتجه الورقة الأميركية الخضراء نحو تسجيل مستوى 8 ليرات في وقت قريب.
وتجدد القلق بشأن عقوبات أميركية محتملة بعدما نشرت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية، تقريراً الثلاثاء الماضي أفاد بأن أنقرة ستبدأ قريباً اختبار منظومة الدفاع الجوي الروسية أس 400.
في غضون ذلك، تصاعدت التوترات مع الاتحاد الأوروبي على ما يبدو بعدما قال الرئيس رجب طيب أردوغان، إن قرارات قمة الاتحاد الأسبوع الماضي بخصوص نزاعات بينها الحقوق البحرية في شرق المتوسط "لم تكن كافية" لحل الخلافات.
الاحتياط يتآكل مع دعم الليرة
وفي إطار محاولاته إنقاذ الليرة، استخدم البنك المركزي التركي احتياط العملات الصعبة لدعم العملة المحلية التي تعد من بين العملات الأسوأ أداء في الأسواق الناشئة خلال العام الحالي.
وذكر تقرير حديث، لوكالة "موديز"، أن احتياط تركيا من العملات بلغ أدنى مستوياته في 20 عاماً. وقررت الوكالة خفض تصنيف أنقرة الائتماني السيادي إلى مستوى "بي 2". وحذرت موديز من أن "الحكومة التركية استنفدت تقريباً الاحتياطات التي من شأنها مساعدتها على تجنب أزمة ميزانية مدفوعات محتملة".
وفي بيان، قال البنك المركزي التركي إن قراره السابق بزيادة سعر الفائدة الرئيسة كان يهدف إلى "إعادة تأسيس عملية خفض التضخم ودعم استقرار الأسعار". وارتفعت معدلات التضخم إلى مستوى يقترب من 12 في المئة خلال أغسطس (آب) الماضي.
وقبل أسبوعين، رفع المركزي التركي سعر الفائدة الرئيسي للمرة الأولى منذ سبتمبر (أيلول) من 2018 بمقدار نقطتين مئويتين لدعم الليرة التي تراجعت إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق. حيث تقرر فائدة الإقراض من 8.25 في المئة إلى 10.25 في المئة. وهذا أول رفع منذ سبتمبر من 2018، ويأتي بعد تسعة قرارات بخفض معدلاتها، بعدما بلغت 24 في المئة في يوليو (تموز) من 2019.
وقالت مؤسسة "كابيتال إيكونوميكس"، في مذكرة بحثية، إن القرار "يجب أن يساعد في إعادة تأسيس صدقية البنك المتعثرة".
تشير هذه البيانات إلى أنه لدى تركيا معدلات فائدة سلبية، حيث تخسر الإيداعات والأسهم قيمتها مع الوقت، ما يجبر المستثمرين خارج السوق والمواطنين الأتراك على تحويل ليراتهم إلى الدولار أو اليورو.
أعضاء في الكونغرس يطلبون فرض عقوبات على تركيا
على صعيد العقوبات، تقدم اثنان من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي، أحدهما جمهوري والآخر ديمقراطي، بطلب إلى إدارة الرئيس دونالد ترمب لمعاقبة تركيا إثر تقارير تفيد بأن أنقرة تعتزم اختبار نظام دفاع صاروخي روسي الصنع.
وفي رسالة موجهة إلى وزير الخارجية مايك بومبيو، حثّ السيناتور كريس فان هولين، وهو ديمقراطي من ولاية ماريلاند، والسيناتور جيمس لانكفورد، وهو جمهوري من أوكلاهوما، إدارة ترمب على فرض عقوبات على تركيا، بسبب اعتزامها تجربة نظام أس 400 الروسي الصنع على طائرات من صناعة أميركية.
وأضاف عضوا مجلس الشيوخ في رسالتهما: "نكتب بخصوص التقارير التي تفيد بأن تركيا فعّلت رادارات نظامها الروسي الصنع المضاد للطائرات أس 400، من أجل الكشف عن الطائرات المقاتلة الأميركية من طراز أف 16" العائدة من تمارين أجرتها فرنسا وإيطاليا واليونان وقبرص في أواخر أغسطس (آب) الماضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتوجه المشرعان بالسؤال إلى وزير الخارجية الأميركي عن حقيقة ما جرى، وحول ما إذا كانت تركيا قد دمجت النظام الروسي في رابط البيانات التكتيكية لحلف الناتو، وما إذا كان ذلك "سيمكن روسيا من جمع معلومات عن الحلفاء في الناتو". وقد تسلمت تركيا نظام أس 400 العام الماضي، على الرغم من تحذيرات المسؤولين الأميركيين من أنه يمثل تهديداً للمقاتلة الأميركية أف 35.
وكان رئيس لجنة الاستخبارات في الكونغرس الأميركي، آدم شيف، قد دعا في تغريدة على "تويتر"، إلى التعامل مع تركيا بصلابة، مشيراً إلى أن أنشطة أنقرة في الآونة الأخيرة عرّضت القوات الأميركية في سوريا للخطر، وأن تركيا استحوذت على نظام أس 400 الروسي على الرغم من التحذيرات الأميركية، إضافة إلى علاقتها مع إيران ودورها في دعم أذربيجان هجومها الدامي في إقليم ناغورنو قره باغ. وتساءل شيف في ختام تغريدته: "أي حليف هذا الذي يقدم على فعل ذلك؟".
استفزازات البحر المتوسط والعقوبات الأوروبية
وبخلاف العقوبات الأميركية، هدّد الاتحاد الأوروبي بوضع قائمة عقوبات على تركيا ما لم تتراجع عن تحركاتها الأحادية الاستفزازية في شرق البحر المتوسط. ومنتصف الشهر الماضي، أبدى الاتحاد الأوروبي استعداده لاتخاذ مزيد من الإجراءات العقابية إذا رفضت أنقرة الدخول في حوار لتخفيف حدة التوتر الذي تصاعد بعد إرسال سفينة مسح تركية للتنقيب عن النفط والغاز في منطقة تطالب بها أيضاً اليونان.
بينما حذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، من فرض عقوبات أوروبية على تركيا إذا لم توقف سياسة "المواجهة" في شرق المتوسط. وقال ماكرون، في ختام قمة لرؤساء الدول والحكومات السبع، "نعتقد أنه إذا لم تمضِ تركيا قدماً على طريق الحوار، وتضع حداً لأنشطتها الأحادية الجانب، فإن الاتحاد الأوروبي مستعد لوضع قائمة بإجراءات تقييدية إضافية يمكن مناقشتها في المجلس الأوروبي.
وأوضح أنه في حال لم تمتثل أنقرة لهذه الشروط ورفضت الاستماع إلى المنطق، فلن يكون أمام القادة الأوروبيين من خيار آخر سوى فرض عقوبات كبيرة عليها. وشدد على الرغبة في إطلاق حوار مسؤول وإيجاد سبل للتوازن من دون أي سذاجة وبنية حسنة.
وقال إن "بحرنا الأبيض المتوسط اليوم مسرح لنزاعات مستمرة، في سوريا، في ليبيا، للعبة هيمنة تمارسها قوى تاريخية تسعى إلى زعزعة استقرار المنطقة كافة، والدور الروسي كما التركي يثيران قلقنا في هذا الصدد".