يقف القطاع الصحي في لبنان وجهاً لوجه أمام الانهيار الذي يبدو أن لا مفر منه، فتفشي وباء فيروس كورونا والارتفاع القياسي لأعداد المصابين، إضافة إلى تفلت سعر الصرف وارتفاع الكلفة ونفاد المستلزمات الطبية، عوامل تجعل الرعاية الصحية في لبنان بخطر.
في المقابل، تسعى وزارة الصحة إلى الحد من ارتفاع أعداد المصابين والذي يسجل مستويات قياسية بلغت حدود 1400 إصابة يومياً لكن من دون جدوى. أرقام دفعت بالمستشفيات الحكومية كما الخاصة للوصول إلى قدرتها الاستيعابية القصوى للأسرّة والأجنحة المخصصة لمرضى كورونا.
فعدد المستشفيات التي تستقبل حالات كورونا في لبنان بلغ 33 بين حكومي وخاص، ما أتاح وجود 980 سريراً للوباء موزعة بين غرف عزل وعناية فائقة.
أما في القطاع الخاص، فمن أصل 95 مستشفى، 15 فقط تستقبل حالات كورونا.
لبنان نحو كارثة صحية
في سياق متصل، يحذّر نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون من كارثة صحية تتهدد القطاع كما المواطنين بحال استمرار الضغط على القطاع الصحي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فأعداد كورونا المرتفعة يومياً، قد تتخطى القدرة الاستيعابية للمستشفيات حيث أصبح 90 في المئة من الأسرّة مشغولاً.
وخصصت المستشفيات الخاصة 400 سرير لمرضى كورونا تتوزع على 300 غرفة معزولة و100 غرفة عناية فائقة، وعلى الرغم من بدء بعض المستشفيات بزيادة عدد الأسرّة إلا أن المنحى الحالي للإصابات لا يمكن احتواؤه.
الإرادة موجودة والمشكلة بالتمويل
يسلط النقيب هارون الضوء على واقع المستشفيات التي تعمل لرفع عدد الأسرّة والغرف المخصصة لمرضى كورونا، لكنها تصطدم بواقع شح السيولة وانعدام القدرة على التمويل. ويفند هارون التحديات التي تواجه المستشفيات حالياً: عدم وجود أبنية أو طوابق لتخصيصها حصراً بمرضى كورونا. تجهيز الغرف بالمستلزمات الطبية ومعدات الحماية الخاصة مكلف وبالدولار ما يرفع الأسعار خمسة أضعاف. الطواقم التمريضية غير كافية والبعض منها خائف ولا يريد العمل في الأجنحة المخصصة لكورونا، إضافة إلى المستحقات غير المسددة من قبل الدولة على مدى الأعوام الماضية.
ويبيّن هارون أن المستشفيات الخاصة تقدم خدمات طبية للدولة اللبنانية بقيمة 100 مليار ليرة شهرياً (66 مليون دولار بسعر الصرف الرسمي 1500 ليرة للدولار)، ما يعني أن المستحقات بلغت منذ بداية العام وحتى نهاية سبتمبر (أيلول) 900 مليار ليرة (600 مليون دولار بسعر الصرف الرسمي 1500 ليرة للدولار)، سددت وزارة المال منها 213 مليار ليرة (142 مليون دولار بسعر الصرف الرسمي).
ويشير النقيب إلى أن المستشفيات ملزمة باستقبال المرضى ولكن الخدمات الصحية اليوم لا تؤمن أفضل الظروف. كما يحذر من رفع الدعم الذي يؤمنه حالياً مصرف لبنان كونه سيوصل القطاع الصحي إلى كارثة حتمية ويشكل الضربة القاضية للمستشفيات. فلبنان بحسب هارون قادم على مشكلة كبيرة خلال أشهر قليلة.
القطاع الصحي مهدد
"القطاع الصحي مهدد بالانهيار"، بحسب عضو اللجنة العلمية في وزارة الصحة وعضو اللجنة الوطنية لكورونا الدكتور محمد حدّار، نتيجة انفجار مرفأ بيروت الذي سدد ضربة موجهة للقطاع الذي كان يتعامل مع الأزمة بشكل جيد.
فالانفجار دمر كلياً ثلاثة مستشفيات أساسية في العاصمة بيروت ومعها قدرة استيعاب 600 مريض منهم طبعاً أقسام مخصصة لكورونا فقدت اليوم.
في سياق متصل، تحاول وزارة الصحة اللبنانية حالياً رفع عدد الأسرّة لمرضى كورونا في المستشفيات الحكومية والخاصة.
كما يشير حدّار إلى الأزمة المالية التي يعاني منها البلد ما انعكس ضعفاً على موازنة وزارة الصحة. فموازنة الصحة قدرت قبل عام وهي تصرف بالليرة اللبنانية ومع تراجع سعر الصرف تراجعت قيمتها ست مرات.
وتواجه الوزارة مشكلة شراء بعض المستلزمات التي لا يدعمها مصرف لبنان بسعر السوق كمستلزمات الحماية الخاصة وبعض الأدوية.
المساعدات الدولية مخصصة للكوارث وليست لكورونا
ويوضح حدّار أن كل المساعدات الطبية الدولية التي وصلت إلى لبنان استلمها الجيش بالتنسيق مع وزارة الصحة، وهي مساعدات مخصصة للتصدي للكوارث وليست مساعدات بحسب حاجات البلد الحالية، ويؤكد أن المساعدات العينية توزعت على كل المستشفيات الخاصة والحكومية.
مشكلات أمام صرف قرض البنك الدولي
وأتاح البنك الدولي قرضاً لدعم القطاع الصحي في لبنان بقيمة 120 مليون دولار، استحصل لبنان على 30 مليون دولار منها.
وواجه صرف القرض بعض المشكلات في ظل بيروقراطية واضحة في لبنان، والأهم تعدّد سعر الصرف. فتحويل المساعدات على سعر الصرف الرسمي عند 1515 ليرة للدولار يمحي القيمة الفعلية للمساعدة التي وصلت إلى لبنان بالعملة الصعبة.
كما لا يستطيع المصرف المركزي قانوناً صرف أي أموال أجنبية بسعر السوق السوداء. ولاقت المشكلة حلاً باعتماد سعر المنصة التي أطلقها مصرف لبنان عند 3900 ليرة للدولار الواحد. ويبين حدّار أن الأموال خصصت للمستشفيات التي تضم أجنحة لكورونا، كما رفعت وزارة الصحة سعر تغطية غرف العناية الفائقة نتيجة هذا القرض ولمساعدة القطاع الخاص.
المستشفيات الميدانية غير متاحة
وتسعى وزارة الصحة إلى التواصل مع الدول الشقيقة والصديقة للبنان لطلب المساعدة لبناء مستشفيات ميدانية مخصصة لمرضى كورونا تكون بديلاً لوصول المستشفيات إلى القدرة الاستيعابية القصوى، بخاصة أنها تؤمن مع الخدمات اللوجستية والمادية، ولكن في ظل انشغال كل الدول بمواجهة الموجة الثانية للفيروس كما في لبنان، لا يبدو هذا الخيار متاحاً.
ففي المرحلة الحالية وعلى الرغم من ارتفاع أعداد المصابين يومياً، إلا أن لبنان لا يشكل أولوية ولا يدخل ضمن مجموعة الدول التي تعاني من تفشٍ استثنائي للوباء.
الخطة "ب" للوزارة
من جهة ثانية، يكشف عضو اللجنة العلمية في وزارة الصحة لـ "اندبندنت عربية"، أن الوزارة تعمل على خطة بديلة تتمثل بإحصاء المستشفيات في لبنان وتحديداً الأبنية أو الأجنحة التي بنيت سابقاً ولم تستعمل نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها البلد. كما تحصي الوزارة المستشفيات الصغيرة المتخصصة في مناطق الأطراف والتي قد تكون بديلاً بحال استفحال الأزمة.
ويؤكد حدّار أن تفشي كورونا ما زال في مرحلة السيطرة، رافضاً تشبيه لبنان بإيطاليا أو إسبانيا.
ففي لبنان أعداد المصابين التي تستدعي دخول المستشفى قليل كما عدد الوفيات، ما يشكل عاملاً إيجابياً في قدرة لبنان على التعامل مع الأزمة وتوقعات السيناريو الأسوأ.
أطباء "القمصان البيض" يحذرون
تجمع أطباء القمصان البيض المستقلون والداعمون للثورة يرون أن لبنان بات فعلياً بخطر بسبب تفشي الفيروس. فأكبر المستشفيات الجامعية في لبنان، وهي الجامعة الأميركية و"أوتيل ديو" وصلا إلى القدرة الاستيعابية القصوى، ولم يعودا يستقبلان مرضى كورونا. بينما لجأت بعض المستشفيات الجامعية الأخرى إلى حجز ما تبقى من أسرة لزبائنها رافضة استقبال حالات من مناطق بعيدة.
ويبين عضو أطباء "القمصان البيض" الدكتور هادي مراد، أنه وفي عملية حسابية بسيطة يمكن فهم خطورة الوضع في لبنان. فعدد الحالات اليومية يسجل متوسط 1200 إصابة، خمسة في المئة منها تتطلب مساعدة طبية (أي 60 مريضاً). ما يعني أنه خلال 14 يوماً وهي المدة المطلوبة للشفاء وبالتالي إتاحة أسرة، سيسجل لبنان 15000 مصاب بينما العدد الإجمالي للأسرة المخصصة لمرضى كورونا لا يصل إلى 1000 سرير.
كما يحذر مراد من أن عدد غرف العناية الفائقة متدنٍ ولن يكفي لإنقاذ الحالات المتقدمة. ويطرح ضرورة بدء العمل على بناء مستشفيات ميدانية لاحتواء أعداد المصابين، محذراً من التلكؤ في معالجة هذا الملف ما قد يعني ارتفاع نسبة الوفيات.