يخصص جزء من العالم (الذي يعنيه الأمر) مهرجاناً يعرف بـ"شهر التاريخ الأسود" ويحتفى به في فبراير (شباط) في الولايات المتحدة وكندا، بينما تحتفل به بريطانيا وإيرلندا وهولندا في أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام. وهو شهر تحيى فيه إنجازات السود ومساهماتهم في تدفق تيار الحضارة الإنسانية بمختلف المجالات. وهذا حدث مناسب للحديث عن موضوع قلما يؤتى له بذكر وهو الموسيقى الكلاسيكية السوداء.
كنوز مخفية عمداً
عندما تذكر عبارة "الموسيقى السوداء"، تخطر على الذهن أنماطها المعروفة مثل البلوز والجاز والسول والهيب هوب والراب... إلخ. لكننا نستبعد "الموسيقى الكلاسيكية" (على نمط موسيقى موزارت وبيتهوفن وبرامز وغيرهم) باعتبارها أبعد ما تكون عن ميدان الفنون السوداء. على أن هذا بدوره أبعد ما يكون عن الحقيقة لأن الواقع يقول، إن مساهمات السود في الموسيقى الكلاسيكية كانت على وفرة أهملتها "المؤسسة البيضاء" (لسبب سنعرضه لاحقاً في هذا المقال) وعلى مستوى لا يقل عن - إن لم يعل - على إنتاج العمالقة الكلاسيك بدءاً من باخ ومروراً ببتهوفن، ووصولاً إلى شتراوس وغيرشوين وبيرنستين.
والحقيقة هي أن قلة قليلة من الناس تعرف حجم المساهمة السوداء وقيمتها في تاريخ الموسيقى الكلاسيكية. وهذا ليس نتيجة تقصير أو تغافل من جانب الأغلبية، وإنما هو الندرة الهائلة في المنابر التي يمكن التعرف من خلالها على تلك الموسيقى. وهذه الندرة ليست محض صدفة أملتها ظروف طبيعية، وإنما هي المراد بالضبط في الإطار الكبير الذي تشكله المناطق المتاحة للموسيقي الأسود وتلك المحظورة عليه. وثمة سبب عظيم الوزن لوجود هذه المناطق ينبع من أزمنة العبودية التي اتخذت لها أشكالاً وأقنعة متعددة بعد حظرها رسمياً بقانون الكونغرس الأميركي المصادق عليه في 31 يناير (كانون الثاني) 1865.
فقد ابتدعت "المؤسسة" قوانين جديدة كان الغرض منها هو الالتفاف على قانون 1865 ذاك وأبرزها ما يعرف في الجنوب الأميركي باسم "القوانين السوداء" Black Codes أو Black Laws التي استنت لتحدد نوع الحريات المتاحة للعبيد المحررين وكسبهم العيش بأجور تلاصق اللاشيء. وحتى بعد انحسار هذه القوانين على المستوى النظري المدون على الورق، ظل السود يعانون منها على أرض الواقع... وكان هذا هو الدينامو المحرك لحركة الحقوق المدنية التي استمرت ثلاثة عقود من بدايات الأربعينيات إلى نهايات الستينيات. وفي نهاية المطاف، فإن حركة الحقوق نفسها لم تأت للسود بالمساواة المطلقة التي اتخذتها الأديان والأعراف المتحضرة بين أعمدتها الرئيسة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا جدال حول القدرة
من كان يشك في قدرة الأسود على إنجاز موسيقى على النمط الكلاسيكي الغربي فليعلم، أولاً، أن موسيقى "البلوز" - التي ولدت من أغاني العبيد في مزارع القطن والتبغ في الجنوب الأميركي - إنما هي نتاج الخلط بين التراث الذي أتي به المسترقّون من مواطنهم الأفريقية والموسيقى الكلاسيكية والفلكلورية التي أحاطت بهم في المجتمعات الجديدة التي قذف بهم إليها.
ومن كان يشك في قدرة الأسود على التأليف الكلاسيكي الغربي، فليستمع إلى أعمال أكثر من مائة من كبار المؤلفين السود منذ منتصف القرن الثامن عشر حتى يومنا هذا، وسنعرض نبذاً قصيراً عن بعض هؤلاء لاحقاً في هذا المقال.
ومن كان يشك في قدرة الأسود على إنجاز موسيقى "متطورة" تعتمد على الإلمام المحيط بالهارمونيات المعقدة والتوزيع لجمع الآلات الموسيقية من الأوركسترا السيمفونية إلى الرباعي الوتري فليستمع إلى موسيقى الجاز.
وليكف القول هنا، إن العبقرية الموسيقية التي ابتدعت الجاز بكل تعقيداته اللحنية وتراكيبه الهارمونية المعقدة لن تقف عاجزة عن الخوض في غمار الموسيقى الكلاسيكية الغربية، خاصة وأن الجاز يبز هذه الأخيرة في أمر جد مهم يتلخص في الارتجال الذي تفتقر إليه. فبدلاً من عمل كلاسيكي "معلب" لا يتيح أداؤه المدون على الورق (النوتة) الخروج عن خطه المرسوم ولو بمقدار نغمة واحدة، تجد أن الجاز يعتمد على تأويل العازفين للعمل وأمزجتهم في لحظة الأداء نفسها وكل ذلك من دون نغمة نشاز واحدة. وهو، على هذا النحو فإن الجاز هو شكل موسيقي أكثر تطوراً من الموسيقى الكلاسيكية لأنه تجميع متجدد دوماً لألوان الفسيفساء حتى تصبح مثل لوحة حية تتنفس أمامنا.
المسألة بالتالي لا تتعلق بـ"قدرة" الأسود على التأليف الكلاسيكي، لأن التاريخ (القديم والحديث) يعج بالمؤلفات السوداء التي رفع النقاب عنها باحثون ومؤرخون في أزمنة أكثر تعاطفاً (نسبياً) مع محنة السود العظيمة. بل إن المؤلف الأسود جوزيف بولونيا الذي عاصر موزارت كان علماً في باريس ومايسترو أكبر فرقها السيمفونية وعازف كمان لا يضاهى عندما كان موزارت نفسه يجاهد لكي يعثر على من يولي أعماله آذناً مصغية.
إذا عرف السبب
لم إذن لم يسمع الناس بالمؤلفين الكلاسيكيين السود على تعددهم وجمال مؤلفاتهم؟ الإجابة المختصرة تتلخص في الآتي: قبل توفر وسائل التسجيل الصوتي للجماهير كانت الموسيقى للنخبة فقط، من البلاط الملكي إلى كبار الميسورين القادرين على دفع المال لاستضافة الموسيقيين في جلسات حية. وحتى بعد توفر هذه الوسائل احتفظت الكلاسيكيات بتلك الهالة النخبوية، وكان هذا ضمن أسباب اعتبارها بين أرقى الفنون الإنسانية التي لا يقدر على صنعها إلا قلة مختارة من الناس (البيض بالضرورة).
ثم يفاجأ سود المجتمعات البيضاء بأنهم في الواقع ضمن تلك القلة المختارة وأن لون البشرة لا علاقة له بالموهبة الموسيقية. هذا اختراق للقاعدة ولا شك... لأن الاعتراف بموهبة الأسود والقبول بدخوله في ذلك النادي النخبوي يتعارض 180 درجة مع زعم أن السود جنس بدائي لا يصلح إلا للعيش في الأدغال أو الاسترقاق، ويجوز - حتى بعد نيله الحرية - التمييز المدني ضده. فكيف يزعم المرء هذا بيد، ثم يعترف باليد الأخرى للأسود بقدرته على صنع ما يعتبره أحد أرقى أشكال الفنون؟
هكذا لم يكن أمام المؤسسة العنصرية وماكينتها الإعلامية الجبارة إلا أن تتصدى بالمخلب والناب لسائر محاولات السود الوقوف كتفاً لكتف مع مؤلفين من أمثال "باخ وهايدن وبرامز" على الرغم من أنهم في الواقع لا يقلون موهبة عن هذه الأسماء وغيرها. لهذا فإن رجل الشارع يعرف موزارت، لكنه لم يسمع بشوفاليير دو سان جورج الذي لم يتورع موزارت نفسه عن سرقة بعض أفكاره. لماذا؟ لأنه أسود.
تعرف إلى بعضهم
الرجال والنساء الآتية أسماؤهم وجدوا موانع بارتفاع الجبال في سعيهم لإيجاد مقاعد له في قاعة المؤلفين الكلاسيكيين، ووراء كل منهم قصة كفاح عسير تصلح نواة لرواية كاملة. على أننا نكتفي هنا- على هامش "شهر التاريخ الأسود"- بأسباب وجودهم في سجلات التاريخ الموسيقي.
جوزيف بولونيا (1745 – 1799)
عرف بلقب "شوفاليير دو سان جورج" واعتبر أول مؤلف أسود للموسيقى الكلاسيكية. كان ابن سفاح من مزارع أبيض ثري وأمة سوداء تدعى آن ديت نانون في أرخبيل غوادولوب الفرنسي على البحر الكاريبي. وفي صباه الباكر أخذه والده إلى باريس فتلقى فيها تعليمه إلى العالي وأجاد التأليف الموسيقي وعزف الكمان وصار بطلاً في رياضة المبارزة. وخلال الثورة الفرنسية عين كولونيلا على رأس أول كتيبة فرنسية سوداء قاتلت إلى جانب الجمهوريين.
وفي سنوات عمره القصير (37 عاماً) ألف في سائر ضروب الموسيقى الكلاسيكية من السيمفونية والأوبرا إلى الرباعي الوتري. وفرضت موهبته على المجتمع الفرنسي أن يصبح مايسترو "لو كونسير ديز اماتير" التي اعتبرت وقتها أفضل أوركسترا سيمفونية في عموم أوروبا. وبلغت مكانته أن قال عنه الرئيس الأميركي جون آدمز إنه "الرجل صاحب الإنجاز الأعظم في أوروبا".
ويورد المؤرخون أنه كان الموسيقي الأشهر عندما كان موزارت (1756– 1791) يسعى في الظل إلى بعض العرفان. بل يذهب هؤلاء إلى القول، إن هذا الأخير سرق من أعمال بولونيا لمؤلفه "سنفونيا كونسيتانتي"، وإن الحسد هو الذي دفعه لخلق شخصية مونستراتوس السوداء الشريرة في عمله الأوبرالي "المزمار السحري".
استمع إلى "العاشق المجهول"، مقدمة سيمفونيته الأولى في سلم ريه الكبير:
صمويل كوليريدج تيلور (1875- 1912)
ولد في لندن لأبيه الطبيب السيراليوني وأمه الإنجليزية التي أعطته اسمه هذا تيمناً بمواطنها الشاعر الرومانسي الشهير صمويل تيلور كوليريدج. وفي سن الحادية والعشرين كان هذا الشاب الخلاسي قد اكتسب سمعة واسعة كمؤلف كلاسيكي ووجدت أعماله رواجاً هائلاً حتى بلغ مرتبة النجوم. وبسبب موهبته وشهرته استضافته الولايات المتحدة في جولة واسعة عام 1904 وأطلق عليه الموسيقيون الأميركيون لقب "مالر الأسود". وبلغ من نجاح هذه الزيارة أن استضافه الرئيس ثيودور روزفلت في البيت الأبيض في حدث غير مسبوق على مدى التاريخ الأميركي.
ومع كل ذلك فقد عانى من الفقر وكفاحه الدائم لإعالة أسرته، لأنه كان مضطراً لبيع أعماله للناشرين بمبالغ تقترب من لا شيء. ولأن هذه المبالغ نفسها كانت تشمل حقوق الفكرية الملكية، فقد وقع بالكامل تحت رحمة الناشرين، ولم يكن بيده أن يسعى لعرض أعماله على الجمهور. وتحت كل هذه الضغوط انتهت حياته القصيرة بالالتهاب الرئوي في سن السابعة والثلاثين، فترك وراءه أكثر من مائة مؤلف في مختلف ضروب الموسيقى الكلاسيكية. وربما كان أشهر هذه كانتاتا من تسعة أجزاء باسم The Song of Hiawatha (أغنية هياواثا). استمع لمقدمتها هنا:
فلورنس برايس (1887– 1953)
عام 1933 أدت أوركسترا شيكاغو السيمفونية عملاً لفلورنس برايس، فأصبحت بذلك أول أميركية سوداء يعترف بها كمؤلفة كلاسيكية، وكان ذلك بعد سنوات قليلة من السماح للنساء عموماً بالعزف في فرق الموسيقى الكلاسيكية. وقد ألفت برايس في حياتها الثرية أكثر من 300 عمل كلاسيكي بينها أربع سيمفونيات، وأربع كونشيرتوهات، وعدداً ضخماً من السوناتات والمؤلفات للبيانو وللأورغن وللكورال، وأيضاً ما يسمى "الروحانيات" التي جاءت نتاجاً مباشراً لنشأتها الدينية. وعلى الرغم من غزارة إنتاجها ورقة موسيقاها التي نالت استحسان النقاد على مختلف اتجاهاتهم، تظل برايس مثالاً ساطعاً للمؤلف الكلاسيكي الأسود الذي امتنعت دور النشر الموسيقي عن ترويج أعماله فقط بسبب لونه. وبسبب ندرة أعمالها المنشورة لم يتعرف عليها الجمهور البريطاني العريض، مثلاً، إلا قبل ثلاث سنوات عندما أدت أوركسترا لندن سيمفونيتها الأولى في مركز الثاوث بانك.
استمع هنا لمؤلفها "كونشيرتو الكمان رقم 2 تؤديه "ايربان بلايغراند تشيمبر أوركسترا":
وليام غرانت ستيل (1895– 1987)
لقبوه "العميد" لأنه كان أول أسود يصل إلى مرتبة مايسترو أوركسترا شيكاغو السيمفونية، وأول أسود تعرض له أوبرا في إحدى الدور الرئيسة بعموم الولايات المتحدة هي "دار أوبرا مدينة نيويورك". وكان أيضاً أول أسود تؤدى له سيمفونية بيد إحدى الأوركسترات الأميركية الرئيسة، وأيضاً أول أسود تعرض له أوبرا منقولة حية على شاشات التلفزيون. وفي الإجمال أنجز هذا المؤلف الكلاسيكي أكثر من 150 عملاً تتصدرها خمس سيمفونيات (ربما كان أشهرها "السيمفونية الآفروأميركية الأولى") وثماني أوبرات. وكان مع كل ذلك يجد الوقت ليعمل عازفاً لآلة الأوبوا ولقيادة الأوركسترا ولتوزيع موسيقى الجاز.
استمع هنا لسمفونيته الآفروأميركية الأولى في سلم لا الكبير:
جورج بريدجتاور (1778– 1860)
اشتهر بمهارته المذهلة في عزف الكمان وبمؤلفاته العذبة وكان يشار إليه بـ"الكمنجاتي الأفريقي المبدع". وقد يقول قائل، إن من سوء حظه أنه عاصر بيتهوفن لأن الانتماء العرقي هو الذي حدد الجالس على عرش الموسيقى في ذلك الوقت. لكن بيتهوفن نفسه- اعترافاً منه بموهبة بريدجتاور- ألف له هدية هي سوناتا الكمان التاسعة وسماها باسمه. على أن الرجلين اختصما بعد تعليق أطلقه هذا الأخير على امرأة يبدو أن بيتهوفن كان مغرماً بها. فغير اسم السوناتا من "بريدجتاور" إلى "كرويتزر" (هدية إلى رودلف كرويتزر عازف الكمان الفرنسي الشهير). ومنذ ذلك الوقت بدأت حظوظ بريدجتاور تتعثر حتى مات في فقر مدقع رغم مؤلفاته العديدة. تعرف إلى موسيقاه في هذا الفيديو:
مارغريت بوندز (1913– 1972)
مؤلفة وموزعة وعازفة بيانو ومعلمة وإحدى أشهر الرائدات اللائي حصلن على الاعتراف بمكانتهن في المجتمع الأميركي الأبيض خاصة بعد حصولها على ماجستير الموسيقى في البيانو والتوزيع. اشتهرت بشكل خاص بتوزيعها للروحانيات الآفروأميركية وبتعاونها شبه المنتظم مع علم من أعلام الحركة الفنية السوداء هو الشاعر والروائي والمسرحي لانغستون هيوز. عززت مكانتها كمؤلفة كلاسيكية عبر اشتغالها الدؤوب بترقية الموسيقى السوداء والموسيقيين السود في وجه موجة التمييز العنصري والاستبعاد السياسي حتى صارت من أهم الأسماء في حركة الحقوق المدنية.
استمع إلى المغنية الأوبرالية ناغواندا نوبلز تؤدي روحانية He's Got the Whole World in His Hand تبعاً لتوزيع مارغريت بوندز:
جورج ووكر (1922– 2018)
مثل وليام غرانت ستيل من قبله، حصل هذا الأميركي، المتوفى قبل عامين فقط، على قصب السبق عدة مرات في حياته الغنية. فقد كان أول أسود يتخرج (عام 1945) في معهد كيرتيس، فلادلفيا، الذي يقتصر القبول فيه على 5 في المائة فقط من عموم الطلاب الأميركيين. وكان أول أسود يسمح له بالعزف المنفرد في "قاعة بلدية نيويورك" العام نفسه، وأول أسود يحصل على درجة الدكتوراه في الموسيقى من كلية إيستمان، نيويورك، في 1955، وأول أسود ينضم إلى طاقم التدريس في كلية سميث، ماساشوستس، في 1961. وإذا كان كل هذا لا يكفي فقد صار هذا الموسيقي أول أسود يحصل على جائزة البوليتزر للموسيقى في 1996، والأول على الإطلاق الذي يحصل على هذه الجائزة بإجماع أعضاء لجنة التحكيم، ونالها عن مؤلفه Lilacs (زهور الليلك). استمع إلى هذا العمل هنا:
ثم استمع إلى مؤلفه Lyric For Strings (قصيدة للأوتار) تؤديه أوركسترا تشينيكي ضمن مهرجان هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) الكلاسيكي السنوي The Proms في 2017، بقيادة المايسترو الألماني الأسود كيفين جون ايدوسي:
وأخيراً... دمعة!
يستحيل حصر الموسيقيين الكلاسيكيين السود في مقالة كهذه. بل يستحيل حصر أهمهم من حيث الآفاق الجديدة التي طرقوها والأشكال المختلفة التي قدموها إذ اتكأوا على تراثهم الأفريقي وهم ينهلون من نبع الموسيقى الكلاسيكية. وعلى سبيل المثال لم نتعرض لمواهب ساطعة أمثال فرانسيس جونسون (1792 – 1844) الذي كان أول أسود يتمكن من طباعة نوتات أعماله... أو وينتون مارساليس، الموسيقي الذي أتاحت له عبقريته التوليف بين أرقى الأشكال الموسيقية السوداء وهو الجاز وأرقى أشكال "البيضاء" وهو الموسيقى الكلاسيكية... ودعك من مغنين ومغنيات أوبراليين مثل السوبرانو جيسي نورمان التي قيل عن صوتها، إنه "قصر منيف من النغم النقي".
لكن من نوائب الدهر على القوم السود أنهم حرموا- فقط بسبب لونهم- من المجد والشهرة والثراء مما وهب لأقرانهم البيض. ومن نوائب الدهر على العالم أنه حرم من التعرف عليهم والتمتع بمواهبهم الفذة للسبب نفسه. وهذاـ في حد ذاته- أحد أوجه العالم القبيحة لأنه يحجب الجمال في أرقى صوره.