في وقت تشتد المعارك بين أذربيجان وأرمينيا، وتكشف صور النيران الملتهبة والانفجارات معدات قتالية وأسلحة إسرائيلية، يحتدم النقاش الإسرائيلي الداخلي حول طبيعة صفقات الأسلحة وكيفية استمرار العلاقة مع أذربيجان، التي تعتبرها تل أبيب ذات أهمية أمنية كبيرة.
وعلى الرغم من تعدد الأسباب التي تحتم على إسرائيل العمل من أجل الحفاظ على علاقة جيدة مع أذربيجان يضع المسؤولون الأمنيون والعسكريون في أبحاثهم ما يسمونه الخطر الإيراني والإرهاب الدولي، كأهم وأبرز الأسباب، لكونها مجاورة لإيران والحاجة لتعزيز ردعها تجاه العدو الأكبر لتل أبيب.
ومن جهة ثانية فإن الحفاظ على العلاقات يساعد في تعزيز التعاون الاستخباراتي بين الدولتين، خصوصاً بعد نشر تقارير عدة تتحدث عن خطط لتنفيذ عمليات في أذربيجان وإحباطها في أعقاب معلومات استخبارية إسرائيلية، بحسب بعض المصادر. وقد ألمح مسؤولون في تل أبيب لدى تناول الموضوع، إلى أن وجود مجموعة كبيرة جداً من الأذريين في إيران من شأنه مساعدة إسرائيل في الحصول على معلومات استخبارية.
وهناك علاقات تجارية بين الدولتين في مجالات مختلفة بينها تصدير إسرائيل لأذربيجان مواد تكنولوجية في مجال الطب، التكنولوجيا المتقدمة، الزراعة والمياه حيث تعمل في إسرائيل أربعون شركة في هذه المجالات.
حاجة متبادلة
جانب آخر يشكل سبباً مهماً لإسرائيل لاستمرار تعزيز العلاقة مع أذربيجان هو سكن عشرات الآلاف من اليهود في الجمهورية، معظمهم في العاصمة باكو.
وبقدر ما تستفيد أذربيجان من إسرائيل هناك أيضاً استفادة إسرائيلية لهذا التعاون حيث تتعلم إسرائيل من تجربة أذربيجان في كيفية العمل والاستثمار في آبار الغاز، التي اكتشفتها في عرض البحر المتوسط وكيفية تطوير إنتاجها.
في ظل هذه الوضعية يتواصل النقاش الإسرائيلي حول كيفية التعامل مع مسألة تزويد أذربيجان بأسلحة إسرائيلية تستخدم لقتل سكان أرمينيا وتدمير أهداف حيوية لها. وفي واحدة من التوصيات التي قدمت لمتخذي القرار في إسرائيل، من قبل أمنيين، اتخاذ أقصى درجات الحذر الدبلوماسي والعمل من خلف الكواليس مع الدولتين (أذربيجان وأرمينيا)، وطرح مقترحات تضمن التوصل إلى تفاهمات حول تأخير تصدير السلاح إلى أذربيجان في فترة المعارك مع أرمينيا.
وتكمن أهمية هذه التوصية في أعقاب استدعاء أرمينيا سفيرها في إسرائيل كاحتجاج على تصدير الأسلحة الإسرائيلية إلى أذربيجان. فإسرائيل تقيم علاقات دبلوماسية مع أرمينيا وهناك تماثل في عدة مواقف بين الدولتين، أبرزها الموقف من قتل الشعب الأرمني على أيدي تركيا. كما حصل تقارب بين أرمينيا وإسرائيل في السنوات الأخيرة على خلفية تدهور العلاقات بينها وبين تركيا، كنتيجة لسياسات أردوغان. وفي السنوات الأخيرة تتردد إسرائيل في مسألة هل تعترف بقتل الشعب الأرمني كرد على سياسة أردوغان، الخطوة التي من المؤكد أنها ستزيد من تدهور العلاقات مع تركيا أكثر فأكثر.
تفاخر أذربيجاني أمام الإسرائيليين
في أذربيجان تفاخر صناع القرار بكيفية استخدام الأسلحة الإسرائيلية في قتالهم مع أرمينيا، ومنح مسؤولون مقابلات لوسائل الإعلام الإسرائيلية. ضمن هذه المقابلات كانت مع المستشار السياسي للرئيس الأذربيجاني، حكمت حاجييف، الذي قال إن جيش بلاده يستخدم طائرات من دون طيار هجومية من صنع إسرائيل، من بينها طائرات "انتحارية"، في المعارك مع الجيش الأرميني.
أضاف في حديث مع موقع "واللا" الإخباري، أنهم يعتمدون كثيراً على الطائرات من دون طيار التي استلموها من إسرائيل، ليس فقط في العمليات التفجيرية إنما في جمع المعلومات الاستخبارية. وأبرز هذه الطائرات من نوع "كاميكازي"، وهي طائرة انتحارية وتم استخدامها مطلع هذا الشهر.
ووصف حاجييف هذه الطائرات بالقول: "إنها طائرات ناجحة جداً ويستحق المهندسون الإسرائيليون الذين خططوا لها كل الثناء والامتنان"، أضاف "إذا كان الأرمينيون يخافون لدرجة كبيرة من هذه الطائرات الإسرائيلية التي نستخدمها، عليهم وقف احتلال مناطق ليست لهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يذكر هنا أن حديث حاجييف جاء بعد الكشف عن وصول قافلة جوية من طائرات الشحن الأذربيجانية إلى إسرائيل وهبوطها في قاعدة سلاح الجو "عوفدا"، القائمة جنوب إسرائيل ثم عادت إلى أذربيجان محملة بالأسلحة. وقد وصلت القافلة عدة مرات إلى إسرائيل لنقل كافة المعدات القتالية.
والتوقعات أن قسماً كبيراً من التسليح الإسرائيلي للجيش الأذربيجاني هو "جوي وبري"، إلى جانب مئات الطائرات من دون طيار المتطورة، وحتى طائرة خاصة ترفض إسرائيل الكشف عن تفاصيل نوعيتها وقدراتها واستخدامها، لكن من المؤكد أنها طائرات من النوع المتطور في تحديد الهدف.
الدولة الثانية في تسليح أذربيجان
بلغت قيمة أضخم صفقة أسلحة بين إسرائيل وأذربيجان حوالى 1.6 مليار دولار، والتي شملت بيع طائرات من دون طيار ومنظومات أقمار صناعية. أما مجمل الصفقات فتجاوزت الخمسة مليارات دولار حتى مطلع 2019، وبذلك تكون إسرائيل مصدرة الأسلحة الثانية لأذربيجان بعد روسيا التي تصل قيمة الأسلحة التي تصدرها عشرات مليارات الدولارات.
ووفق معطيات "سيبات" هيئة التصدير الأمني في وزارة الأمن الإسرائيلية، فإن 60 في المئة من واردات أذربيجان الأمنية هي إسرائيلية و17 في المئة من تصدير السلاح الإسرائيلي بين السنوات 2015 و2019 وصل إلى أذربيجان.
وتعتبر إسرائيل الدولة الثامنة في التصنيف الدولي في بيع الأسلحة، وأبرز ما تصدره هي أجهزة رادار، معدات للقتال الجوي، قاذفات، منظومات دفاع جوي وطائرات من دون طيار.
وقد وقعت شركات أمنية إسرائيلية في عام 2019 على اتفاقيات تجاوزت قيمتها 7 مليارات دولار مع دول أجنبية. ومطلع هذا الشهر وقعت على صفقتي أسلحة كبيرتين، بموجبهما ستشتري تشيكيا من إسرائيل أربع بطاريات سبايدر وهي منظومات دفاع جوي، طورتها شركة رفائيل للصناعات العسكرية بقيمة تقدر بـ430 مليون دولار. وفي الأسبوع الماضي تسلم الجيش الأميركي بطارية القبة الحديدية الأولى من بين اثنتين اتفق على تحويلهما إلى الجيش الأميركي.
في عام 2018، قُدِّرت أرباح التصدير الأمني الإسرائيلي بحوالى 7.5 مليار دولار، وإلى جانب الشركات الخاصة التي تعمل في صناعة وتصدير الأسلحة هناك 1600 رجل أعمال أصحاب رخصة لتصدير السلاح للخارج، وغيرهم العشرات من تجار السلاح الإسرائيلي الذين يقطنون خارج البلاد في دول العالم الثالث، وهذه الشخصيات بالغالب ما تكون مقربة من الحكومات والسلطات المحلية هناك.