بإقرار المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق، تعيين سيدة على رأس مجلسها التنفيذي للمرة الأولى، تكون القيادات النسائية في البلاد اقتحمت المجالات الإعلامية أيضاً، بعد أن أصبح سباق تمكين المرأة متسارعاً ليس في القطاع الخاص وحده، وإنما كذلك الحكومي والدبلوماسي والعسكري.
وكان مجلس إدارة المجموعة الإعلامية الأكبر عربياً، أصدر موافقته، أمس الخميس 15 أكتوبر (تشرين الأول)، على تعيين جمانا راشد الراشد رئيساً تنفيذياً، وهي الحاصلة على ماجستير في الصحافة الدولية من جامعة City في لندن عام 2013، وعلى بكالوريوس علوم سياسية من جامعة SOAS اللندنية أيضاً عام 2011، وفق بيان مقتضب للمجموعة أشار إلى أن الراشد "عملت سابقاً مستشارة ومديرة اتصال إعلامية".
"الصحافة تجري في دمها"
وتفاعل صحافيون مع التعيين الجديد بوصفه سابقة في تاريخ مؤسسات الإعلام السعودية الصغيرة فضلاً عن الكبرى، لكن بالنسبة إلى القيادية الأسبق في المجموعة سمية جبرتي التي كانت تشغل نائب رئيس تحرير "عرب نيوز"، ترى أن الخطوة لم تكن مفاجئة بالنظر إلى التحول الذي تشهده البلاد في عهدها الجديد، إلى جانب العلاقة الوطيدة التي تربط الرئيسة الجديدة بالصحافة والإعلام، ناهيك عن تاريخ أسرتها الصحافي.
وقالت "إن المجموعة كانت سباقة في تمكين المرأة حتى في العهد الذي كنا نناضل من أجل سقف الزجاج الذي كان يظللنا، أما اليوم فلم يعد هناك من سقف لطموح السعوديات والسعوديين غير السماء". وهي بذلك تشير إلى توصيات كان يُعمل بها في المنشآت الحكومية والأهلية تنص على إغلاق أماكن تواجد النساء حتى في المطاعم كي لا يُرى من بداخلها، وإذا كانت المكاتب زجاجية فيجب تظليلها. إلا أن وزارة العمل والتجارة قامت بإلغاء هذا القانون في سياق الانفتاح الذي شهدته السعودية، بدفع قوي من ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان.
واعتبر الإعلامي السعودي مطر الأحمدي الذي ترأس مجلات نسائية عدة، مثل "سيدتي" الصادرة عن المجموعة، أن "تعيين جمانا رئيسة تنفيذية للأبحاث والنشر، هو من نوع المفاجأة الجميلة، أرادت به المجموعة أن تدخل عصر الرؤية بقيادة تجمع تمكين الشباب وتمكين المرأة، وهو ما اجتمع في جمانا"، مضيفاً أنه تمنى "لو كان والدها العزيز بيننا ليرى غرسه يانعاً. كان فخوراً بها وهي بارة به".
وفي هذا السياق أبرز صحافيون آخرون، أن والد الراشد "كان صحافياً كبيراً، وعمها كان وكيلاً لوزارة الإعلام، ومؤسس جريدة الجزيرة إحدى أقدم الصحف السعودية عبدالله الخميس أحد أقاربها"، بما يعني وفق مطر أن "الصحافة تجري في دمها".
مغازلة بدأت من مهبط الصحافة
ويصادق على ذلك تاريخها المهني، إذ على الرغم من انشغالها بالدراسة الأكاديمية فإن الراشد، لم تقاوم إغراء مهنة المتاعب من فصولها اللندنية، فراسلت هنالك صحيفة "عرب نيوز" الانجليزية، إحدى كبريات مطبوعات المجموعة، التي عرفت بأسبقيتها إلى مدينة الضباب، حيث رسخت أقدامها هناك منذ سبعينيات القرن الماضي، عندما اختيرت لندن مهبط الصحافة المستقلة، مقراً دائماً لمطبوعتها الأم "الشرق الأوسط"، قبل أن تتبعها مؤسسات إعلام عربية أخرى مثل "الحياة" و"أم بي سي" و"القدس العربي"، والآن "اندبندنت عربية"، وغيرها من إعلام المهجر الذي بدأ كثير منه يضمحل بينما لا تزال المجموعة تزداد توسعاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تذكر المجموعة ومقرها الرياض أن رؤيتها، هي تعظيم مكانتها "لتكون واحدة من كبرى الكيانات الإعلامية الأعلى وصولاً للقارئ محلياً وعالمياً"، معتبرة ذلك منطلقاً لرسالتها التي أفاد موقعها على الإنترنت أنها تتمثل في "تقديم أفضل خدمات ومنتجات إعلامية وتعليمية راقية المضمون، ذات جودة عالية جديرة بالثقة قائمة على الابتكار ضمن بيئة عمل جذابة، تستند إلى الأسماء والعلامات التجارية الموثوق بها".
ومع أن المجموعة، شركة مساهمة يتداول أسهمها في السوق المحلية السعودية (تداول)، إلا أن كثيرين يرونها محسوبة على الحكومة السعودية بوصف مالكها الأول ومؤسسها ينتمي للأسرة الحاكمة في البلاد، وهو الراحل الأمير أحمد بن سلمان بن عبدالعزيز، نجل العاهل السعودي الحالي. وتتكون المجموعة في آخر تحديث لأنشطتها من 25 شركة ومؤسسة في مختلف دول العالم، تهتم بالاستثمار في مجال النشر والتسويق والإعلام.
مؤسسات ذكورية؟
إلى ذلك ترى الكاتبة السعودية جبرتي أن قيادة سيدة سعودية أكبر مؤسسة عربية في مجال الإعلام، "ليس من المبالغة وصفه بخطوة نادرة حتى على مستوى العالم، فهذا النوع من المؤسسات ذكوري بامتياز. ولدى استعراض تاريخ نشأة المؤسسات الإعلامية في بعض الدول المتقدمة، وتاريخ إسناد رئاسة تحرير إحدى مطبوعاتها إلى النساء فضلاً عن المؤسسة الأم نجد الفرق هائلاً، فلم تصل المرأة إلى رئاسة تحرير "نيويورك تايمز" إلا بعد 168عاماً، و"فايننشيال تايمز" 131 عاماً، و"الغارديان" بعد ما مر 198عاماً على تأسيسها". المقارنة أجرتها جبرتي عام 2014 على نفسها باعتبارها أول سيدة ترأس صحيفة سعودية، هي "سعودي غازيت"، لكنها قبل ذلك كانت تشغل منصب نائب الرئيس في "عرب نيوز".
بينما يمكن أن يتقلص الفارق أكثر لصالح السعودية، خصوصاً المجموعة التي نحن بصدد الحديث عنها، إذ كلفت الدكتورة فاتنة أمين شاكر برئاسة تحرير مجلة سيدتي التي أصدرتها المجموعة في 1980، أي قبل نحو 40 عاماً.
مصنع المؤثرين
لكن إسناد المنصب الجديد إلى شابة سعودية، وإن كان لافتاً على مستويات عدة، إلا أنه لا يخرج عن سياق عام في البلاد، عنوانه تمكين الشباب والمرأة، فصار شائعاً أن ترى وزيراً في الثلاثينيات من عمره وامرأة رئيساً لمؤسسة كبرى مثل قطب المال في سائر البلاد "سوق الأسهم السعودية" (تداول)، وأيضاً سفيرة في أهم بلدان العالم، كما هو الحال مع الأميرة ريما بنت بندر سفيرة السعودية في واشنطن، ومتحدثات رسميات باسم جهات حكومية وهيئات دبلوماسية ومنتديات أممية، وحاملات رتب عسكرية وقانونية.
أما المؤثرون الذين مروا بمطبوعات المجموعة سواء إن كانوا كتاباً أو موظفين من مختلف الجنسيات العربية، فأكثر من أن يحصوا، من كل المشارب والتيارات، من أشهرهم "غازي القصيبي وعثمان العمير وعبد الرحمن الراشد، والطيب صالح، والصادق المهدي، وسمير عطا الله، ومحمد الرميحي"، وقبل ذلك النجم العربي العريق أنيس منصور.