أشار تقرير حديث إلى أن التوسع في الديون الخاصة والتوسع النقدي السريع، والإقراض منخفض الفائدة، كل ذلك تسبب في وضع الأسواق الناشئة في تحد كبير، أكبر بكثير من الأزمة المالية العالمية، في محاولة منها لتحقيق التعافي الاقتصادي من تداعيات جائحة كورونا.
وتشير الدراسة، التي أعدها منتدى البحوث الاقتصادية ومقره القاهرة، إلى أن المشكلة تكمن في تقلبات الاقتراض بالعملة الأجنبية والأسواق المالية المحلية غير المتطورة.
في الوقت نفسه، فإن شروط الإقراض الصارمة تضع الأسواق الناشئة في مأزق عند نشوء صدمات خارجية، حيث تكون سندات الشركات، التي تشكل الجزء الأكبر من إصدارات السندات المقومة بالعملات الأجنبية في الأسواق الناشئة، معرضة بشكل كبير للتخلف عن السداد أثناء الأزمات ولا تخضع لإعادة الهيكلة. وبالمثل، فإن إصدارات السندات السيادية، التي من المرجح أن تختارها الأسواق الناشئة ذات الدخل المتوسط والمنخفض نظراً لأسواقها المالية غير المتطورة، تعد على القدر ذاته من المخاطرة بسبب القيود المفروضة على إعادة الهيكلة.
في الوقت نفسه، تكشف مؤشرات تتبع التدفقات الرأسمالية وبيانات صافي إصدار السندات التابعة لمعهد التمويل الدولي، أن بعض الأسواق الناشئة قد تجد صعوبة في اقتراض مبالغ كبيرة من الخارج هذا العام. ويعني ذلك تقليصاً كبيراً في ديون الرافعة المالية في القطاع الخاص، بشكل غير عادي من أجل توفير الحيز للعجز المالي.
أهداف النمو أصبحت مثيرة للقلق للغاية
وأشارت دراسة منتدى البحوث الاقتصادية، إلى أن التوسع النقدي طويل الأجل والإقراض منخفض الفائدة للقطاع الخاص، مهد الطريق أمام إصدارات سندات الشركات والنشاط المالي المضاربي لتزدهر في الأسواق الناشئة. وتطبق هذه السياسات، المصممة للاستخدام على المدى القصير، كاستراتيجيات نمو طويلة الأجل، ما أدى إلى وضع "يحدث توتراً في الصلة بين الأسواق المالية وأداء القطاع الحقيقي خلال الأزمة".
وشددت الدراسة على حاجة الأسواق الناشئة إلى إيجاد التوازن الصحيح بين التمويل الخارجي قصير الأجل وأهداف النمو الأكثر تحفظاً. وقد يعني هذا، التخلي عن النمو متوسط الأجل من خلال كبح السياسات النقدية المتساهلة التي طرحت أثناء الجائحة، التي يصفها التقرير بأنها "مثيرة للقلق للغاية".
كما يمكن أيضاً استخدام أسعار صرف أكثر مرونة، لمقاومة الصدمات الخارجية ونشاط المضاربات قصير الأجل. أما بالنسبة إلى الجهات المقرضة لدينا، فإنه يمكن الحماية من وقوع أزمات الديون من خلال إتاحة "مساحة للتنفس" مثل منح وقف مؤقت للديون والترويج لمزيد من الخيارات لإعادة الهيكلة.
وقبل أيام، حذر صندوق النقد الدولي من أن التوقعات الاقتصادية تزداد سوءاً بالنسبة إلى عديد من الأسواق الناشئة مع استمرار أزمة فيروس كورونا. وفيما توقع الصندوق انكماشاً عالمياً نسبته 4.4 في المئة خلال العام الحالي، حذر في الوقت نفسه، من أن الأزمة الحالية تعد الأسوأ منذ الكساد الكبير، الذي ضرب العالم في ثلاثينيات القرن الماضي.
استنزاف 240 مليار دولار من الاحتياطي في شهرين
وفي مايو (أيار) الماضي، قال بنك أوف أميركا إن دول الاقتصادات الناشئة الرئيسة استنزفت 240 مليار دولار من احتياطيات النقد الأجنبي، خلال مارس (آذار) وأبريل (نيسان) الماضيين، حيث عملت البنوك المركزية على دعم عملاتها واقتصاداتها في مواجهة جائحة "كوفيد-19".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورجح البنك الأميركي وفقاً لبيانات الاحتياطيات لواحد وثلاثين دولة، أن يستمر نزيف احتياطيات دول الأسواق الناشئة، وإن كان بوتيرة أبطأ خلال الفترة المقبلة وحتى نهاية العام الحالي. وقال إن الصين وهونغ كونغ والبرازيل وتركيا شهدت جميعها أكبر هبوط إجمالي في الاحتياطيات.
وأضاف أن تركيا شهدت الانخفاض الأكبر في النسبة المئوية. وقالت المذكرة إن تركيا ورومانيا لا تغطي احتياطياتهما الرسمية بالكامل الدين الخارجي قصير الأجل على مدار 12 شهراً. وتابع، "سوف يستمر نزيف احتياطيات الأسواق الناشئة على الأرجح، لكن بشكل أبطأ، خلال ما يبدو أنه سيكون تعافياً مخيباً للآمال في النمو العالمي ونمو الأسواق الناشئة".
72.5 تريليون دولار ديون الأسواق الناشئة
بحسب تقرير لمعهد التمويل الدولي، فإن إجمالي الديون العالمية نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي، صعد إلى مستوى قياسي جديد، بلغ 331 في المئة خلال الثلاثة أشهر الأولى من العام الحالي بما يعادل 258 تريليون دولار.
ويقارن هذا المستوى مع الدين العالمي، الذي كان يقف عند 320 في المئة نسبة للناتج المحلي الإجمالي العالمي في الربع الأخير من عام 2019. ويعني ذلك قفزة بأكثر من 10 في المئة في الديون العالمية نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، خصوصاً في الأسواق الناشئة، خلال الربع الأول مع الظروف التيسيرية واسعة النطاق وسط وباء "كوفيد-19".
وفي ما يتعلق بديون الأسواق الناشئة، فإن البيانات تشير إلى أنها سجلت زيادة فصلية قياسية من 220 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الرابع من عام 2019 إلى 230 في المئة خلال الربع الأول من العام الحالي. ومع ذلك، كانت قيمة ديون الأسواق الناشئة بالقيمة الدولارية قد تراجعت بنحو 700 مليار دولار إلى 72.5 تريليون دولار، مدفوعة بانخفاض قيمة عملات الأسواق الناشئة مقابل الدولار الأميركي. ويقدر المعهد الدولي أن تمثل ديون الشركات غير المالية نحو 60 في المئة من هذا التراكم السريع للديون خلال النصف الأول من 2020. ووفقاً للتقرير، قفز التعثر عن سداد الديون للشركات غير المالية، إلى مستوى قياسي يبلغ 94 مليار دولار في الربع الثاني من عام 2020. وتمثل الولايات المتحدة 75 في المئة من هذا المبلغ، تليها منطقة اليورو بنسبة 14 في المئة ثم الصين بـ3 في المئة.
فيما ارتفعت ديون الأسواق المبتدئة إلى مستوى قياسي جديد عند 121 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الثاني من العام، حيث هرعت الحكومات إلى الاقتراض لدعم تعافيها من جائحة كورونا.
وقال معهد التمويل، إن الرقم ارتفع ست نقاط مئوية في النصف الأول من العام، وهو ما جاء على خلفية الزيادة الكبيرة للدين الحكومي إلى 1.4 تريليون دولار في الربع الثاني من العام الحالي. وذكر المعهد أنه أجرى مسحاً شمل 29 دولة زادت معدلات الدين في 26 منها على مدار العام المنقضي، وفي مقدمتها البحرين وسلطنة عمان وبيرو والسلفادور.