لا تبدو الأزمة المالية العراقية في طريقها إلى الانحسار، مع استمرار انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية، وغياب البدائل الاقتصادية، الأمر الذي يعقد إجراءات حكومة مصطفى الكاظمي، في سياق ترميم الوضع المالي للبلاد.
في الأثناء، سجلت الأسواق العراقية انخفاضاً ملحوظاً بسعر صرف الدينار العراقي في مقابل الدولار، ما أثار مخاوفاً من احتمال اتخاذ قرار بتعويم العملة، أو الإعلان عن زيادة رسمية في أسعار الصرف، في محاولة لتقليل نفقات الموازنة العامة، إلا أن نواباً في اللجنة المالية ومتخصصين في الاقتصاد حذروا من انعكاسات خطيرة على الاقتصاد العراقي، في حال اتخاذ قرار مماثل.
ووصل سعر الدولار الواحد إلى حدود 1270 ديناراً، يوم السبت 17 أكتوبر (تشرين الأول)، إلا أنه سرعان ما انخفض إلى نحو 1240 يوم الإثنين 19 أكتوبر، بعد زيادة البنك المركزي للمعروض من الدولار في نافذة العملة، إلى حدود 192 مليون دولار.
سعر ثابت واحتياطات جيدة جداً
في غضون ذلك، نفى البنك المركزي العراقي في 18 أكتوبر الحالي، كل تلك المخاوف محمّلاً من سماهم "المضاربين" مسؤولية الارتفاع "المؤقت" في أسعار الصرف. وأكد المكتب الإعلامي للمصرف المركزي في بيان، أن "التصريحات التي انتشرت أخيراً بخصوص خفض سعر صرف الدينار العراقي في مقابل الدولار تمثل وجهة نظر من صرح بها، ولا تمثل الموقف الرسمي للبنك المركزي، ورافق ذلك إشاعات أطلقها مضاربون، ما أثر في السعر مؤقتاً"، مشدداً على أن "سعر الصرف ثابت ولم يتغير"، وأن سياسته النقدية "واضحة وشفافة".
وأشار المركزي العراقي إلى أن احتياطاته من "العملة الأجنبية جيدة جداً، وفقاً لكل المؤشرات الدولية، بما يمكنه من تجاوز الأزمة الحالية التي تمر بها البلاد"، آملاً من وسائل الإعلام اعتماد المصادر الخاصة به حصراً في هذا الخصوص.
تبريرات اللجنة المالية
وتفاوتت تبريرات النواب وأعضاء اللجنة المالية في البرلمان العراقي، ففي حين يعزو البعض ارتفاع سعر الصرف إلى طباعة عملة تتجاوز حدود احتياطات البنك المركزي من الدولار، يشير البعض الآخر إلى أن استغلال المضاربين لانخفاض المعروض في مزاد العملة هو السبب الرئيس. ويشير عضو اللجنة المالية النائب ناجي السعيدي، إلى أن "السبب الرئيس وراء ارتفاع أسعار الصرف هو طباعة عملة جديدة في البنك المركزي، ما أدى إلى حدوث تفاوت بين حجم العملة المحلية واحتياطات الدولار". وأضاف لـ "اندبندنت عربية"، أن "اللجنة المالية لم تقدم أية توصيات في شأن رفع أسعار الصرف أو تعويم العملة"، معبراً عن اعتقاده بأن "شرط التحول من سعر الصرف الثابت إلى المتحول مرهون بتحقيق الاستقرار المالي".
أما مقرر اللجنة المالية البرلمانية، النائب أحمد الصفار، فرد سبب ارتفاع سعر صرف الدولار إلى "انخفاض عرض الدولار في نافذة بيع العملة بالبنك المركزي (مزاد العملة)"، مشيراً إلى أن "النافذة كانت تبيع بحدود 250 مليون دولار يومياً، إلا أن المبلغ تناقص بعد الأزمة المالية إلى حدود 170 مليون دولار يومياً، الأمر الذي استغله المضاربون لرفع أسعار الصرف".
تضخم بنسبة 50 في المئة
في المقابل، حذر متخصصون في الاقتصاد العراقي من مغبة رفع أسعار صرف العملة المحلية، مشيرين إلى أن السبب الرئيس في الزيادة يعود إلى العجز المالي والوضع السياسي والأمني للبلاد. وأرجع المتخصص بالاقتصاد ماجد الصوري، زيادة أسعار الصرف إلى "العجز المالي في البلاد، وتصريحات بعض المسؤولين أن أحد الحلول المطروحة، هو خفض قيمة الدينار أمام الدولار"، مشيراً إلى أنه من ضمن الأسباب الأخرى "الوضع السياسي والأمني في البلاد".
وأشار الصوري إلى أن "غاية المدافعين عن خفض قيمة الدينار تتمثل بتعظيم الموارد المالية للحكومة"، مبيناً أن هذا الإجراء "سيتسبب بزيادة أسعار السلع والخدمات، وخفض قيمة رواتب الموظفين بشكل غير مباشر، نظراً إلى عدم وجود إنتاج محلي".
وفيما لفت إلى أن هذا الإجراء ربما يتسبب بـ"ثورة شعبية"، اعتبر الصوري أنه سيكون "أكبر جريمة ترتكب بحق العراقيين"، مبيناً أن "رفع سعر الصرف إلى حدود 1500 دينار للدولار الواحد، يعني خفض قيمته بنسبة 31 في المئة، ما يعني انخفاض القدرة الشرائية للفرد نظرياً بذات النسبة، لكنه عملياً سيؤدي إلى وصول نسبة التضخم إلى حدود 50 في المئة".
وفي شأن الحلول الممكنة لتجاوز الأزمة المالية، بين الصوري أن "أي إجراءات لا تشمل تقليل النفقات العامة لا يمكنها معالجة مشكلة الإيرادات"، لافتاً إلى أن "الورقة البيضاء" التي أعلنتها الحكومة قبل أيام تمثل "أفضل الاقتراحات لتجاوز الأزمة المالية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نفقات هائلة
وكشف الصوري عن حجم نفقات الحكومة خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي، مشيراً إلى أنه "وفق الأرقام الرسمية تم صرف نحو 48 تريليون دينار (40 مليار دولار) منذ بداية العام وحتى نهاية أغسطس (آب) الماضي"، مردفاً أن "هذا يعني أن النفقات الشهرية تبلغ نحو 6 تريليونات دينار (5 مليار دولار)". وتابع "بلغت الإيرادات النفطية في الفترة ذاتها، نحو 32 تريليون دينار (27 مليار دولار)، وبلغ خصم الحوالات من البنك المركزي (الاقتراض) نحو 15 تريليون دينار (12.5 مليار دولار)، فضلاً عن الأرصدة المدورة من مؤسسات الدولة حتى التاريخ ذاته، والتي بلغت نحو 6 تريليونات دينار (5 مليار دولار)"، مبيناً أن "المتبقي هو 4.5 تريليون دينار (3.8 مليار دولار) حتى مطلع شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، من دون إضافة المتحقق من الإرادات النفطية في سبتمبر، والتي بلغت 3.7 تريليون دينار (3.1 مليار دولار)".
ولفت الصوري إلى أن "تقديرات موازنة 2020، تشير إلى أن حجم الإيرادات الأخرى غير النفطية، حتى نهاية شهر أغسطس، بلغت نحو 6 تريليونات دينار (5 مليار دولار)"، مبيناً أن حساب تلك الأرقام يعني أن "الحكومة تملك حتى نهاية أغسطس نحو 14 تريليون دينار (12 مليار دولار)".
ورأى أن أحد الإجراءات الضرورية لحل للأزمة المالية يكون من خلال "إلغاء المخصصات المتعلقة بالرواتب غير المشرّعة بقانون"، معبراً عن اعتقاده أن هذا الإجراء "سيوفر نحو 16 تريليون دينار (13.5 مليار دولار)".
وختم الصوري أن "ما يعرقل كل الإجراءات الإصلاحية هو غياب الإرادة السياسية للأحزاب المسيطرة على السلطة والسلاح المنفلت"، مشيراً إلى أن تلك الإجراءات "تتعارض إلى درجة كبيرة مع مصالح بعض الجهات السياسية التي تؤزم الوضع الاقتصادي للبلاد".