أكملت دولة جنوب السودان الترتيبات لاستضافة محادثات بين الحكومة السودانية ومتمردي "الحركة الشعبية- الشمال" لتسوية النزاع في منطقتَي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وذلك لردّ الجميل للخرطوم التي استضافت فرقاء جنوب السودان وتوقيع اتفاق للسلام في أغسطس (آب) الماضي.
الخرطوم ترحب
ورحّبت الخرطوم بمبادرة رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، للتوسط بينها وبين المتمردين في منطقتَي جنوب كردفان والنيل الأزرق. وتأخرت الوساطة بسبب استمرار جهود جوبا في توحيد تيارَي "الحركة الشعبية –الشمال" التي انقسمت العام
الماضي إلى فصيلين، الأول بزعامة عبد العزيز الحلو، الذي يسيطر على مواقع على الأرض ويملك قوة عسكرية كبيرة، والثاني يقوده مالك عقار.
وتحتفظ "الحركة الشعبية لتحرير السودان"، الحزب الحاكم في جنوب السودان، بعلاقة تاريخية مع "الحركة الشعبية –الشمال"، وكانتا في الماضي جسماً واحداً، قبل أن يفرق بينهما انفصال جنوب السودان في العام 2011. وتقاتل "الحركة الشعبية – الشمال" القوات الحكومية منذ العام 2011، للمطالبة بوضع خاص لمنطقتَي جنوب كردفان والنيل الأزرق، غير أن وقفاً لإطلاق النار يسري منذ 3 سنوات، والتزمه الطرفان، ألقى بظلال إيجابية على الوضع الأمني في المنطقتين.
جوبا جاهزة
ويقول توت قلواك مستشار رئيس جنوب السودان لشؤون الأمن الذي يزور الخرطوم لـ "اندبندنت عربية"، إن سلفاكير دعا قادة متمردي "الحركة الشعبية –الشمال" إلى جوبا، التي وصلوها قبل أيام وهم في انتظار وفد من الخرطوم للتفاوض.
ورأى قلواك أنه في حال عدم اتحاد فصيلَي الحلو وعقار، فسيجلسان إلى طاولة واحدة مع وفد الحكومة السودانية، مثل فصائل جنوب السودان التي جلست في الخرطوم وتجاورت مع بعضها بعضاً.
وقال قلواك إن "التفاوض في جوبا سترعاه حكومة جنوب السودان وستكون الجهة الضامنة والآن كل الأطراف موجودة في جوبا"، مشيراً إلى أن "الرئيس عمر البشير وافق على التفاوض مع المتمردين ووعد بإرسال فريق مفاوض لأن استقرار السودان ستكون له آثار إيجابية في استقرار جنوب السودان نظراً إلى ترابط الأمن في الدولتين".
واستبعد مستشار سلفاكير أن تكون للاحتجاجات المستمرة في السودان تأثير في موقف المتمردين برفع سقف مطالبهم، باعتبار أن الحكومة السودانية في حالة ضعف. واعتبر أن ما يجري في السودان "شأن داخلي، والتظاهرات لا تعني سقوط النظام ولن تتوقف عملية السلام".
علاقات شطري السودان
وتحسنت علاقات السودان وجنوب السودان خلال المرحلة السابقة بعدما بقيت متوترة منذ انفصال الجنوب في يونيو (حزيران) العام 2011، حتى وصلت إلى مرحلة "حرب جزئية" في منطقة هجليج النفطية على حدود البلدين. إلا أن تحسن العلاقات لم ينعكس على طيّ الملفات العالقة بينهما، مثل النزاع على منطقة أبيي الحدودية، وترسيم الحدود المشتركة التي تمتد على أكثر من ألفي كيلومتر، وإنشاء منطقة عازلة لمنع تسلل المسلحين، إضافة إلى الخلاف على مناطق حدودية عدة، ما عطّل تنفيذ تسع اتفاقيات للتعاون بينهما.
ويعتقد خبراء أن حالة المد والجزر التي تشهدها العلاقات السودانية - الجنوبية سببها منهجية التفاوض المعتمدة لتسوية القضايا العالقة التي يمسك بعضها برقاب بعض، حيث تمّت تجزئتها، ما عرقل إمكان التوصل إلى تسوية مستدامة.
هواجس أمنية
وصرّح الخبير العسكري صالح بابكر أن "الجارين يرتبطان بوثاق صنعها التاريخ والجغرافيا، لكن صلات السودان مع الجنوب ظلّت تسيطر عليها شكوك أمنية، مسببةً "أزمة ثقة"، ما أضاع على البلدين وشعبيهما مصالح كانت كفيلة بوضع العلاقات على مسارها الصحيح. وأضاف أن "أمن البلدين مرتبط، وكلٌ منهما عمق للآخر. وللجانبين إمكان تصدير المتاعب إلى جاره وأذيته، ولكن يبدو أن بعض قادة الجنوب كانوا يعتقدون بعد انفصال دولتهم أنهم يحتاجون إلى معارك خارجية للتعبئة الشعبية والصهر الاجتماعي اللذين لا تكتمل من دونهما القومية الجنوبية، وهم مخطئون لأن الجنوب لا يحتمل مزيداً من المشاكل، وأي مواجهة يمكن أن تقود إلى انهياره".
مصالح مشتركة
وترسّخت أخيراً قناعات لدى قادة الدولتين بأن من مصلحة السودان وجنوب السودان، إقامة علاقات احترام متبادل، وتغليب الجوانب السياسية والاقتصادية على تلك الأمنية، ونسج شبكة مصالح مشتركة تمتصّ أيّ هزات عابرة، وتحويل الحدود إلى معابر مرنة لتبادل المنافع.
وساد تفاؤل في الخرطوم بأن الاستقرار يحوّل الحدود المشتركة بين البلدين، التي تمتد بطول ألفَي كيلومتر، ويعيش على جانبيها نحو 14 مليون شخص تقريباً، إلى واحة سلام وتعايش بما يؤمّن مصالح الشعبين المتجاورَين. كما يمكّن الاستقرار والأمن، جنوب السودان من تأهيل حقول النفط المعطلة وإنتاج أكثر من 300 ألف برميل يومياً، ما يسهم في سدّ فجوة المحروقات التي يعاني منها السودان الذي سيأخذ نصيبه عيناً بدلاً من رسوم عبور النفط.
كذلك، فإن فتح المعابر بين السودان والجنوب سينشّط حركة التجارة وسيكون الميزان التجاريّ في صالح السودان الذي سيصدّر للجنوب 73 سلعة في المرحلة الأولى، ما سينعش الصناعات السودانية ويشغّل المصانع المعطّلة ويؤدّي إلى استيعاب الأيدي العاملة والحصول على نحو ملياري دولار سنوياً.
في المقابل، ستستفيد دولة الجنوب بزيادة إنتاجها النفطي حيث تعتمد على عائدات النفط في تأمين أكثر من 90 في المئة من ميزانيتها، وتوفير الغذاء لخمس من ولاياتها المتاخمة للسودان نظراً إلى بعدها عن دول الجوار الأخرى التي تورّد إليها السلع بسبب عدم وجود موانئ في دولة الجنوب.