ملخص
يرى مراقبون أن اقتناء المعدات والأسلحة يعكس سعي المغرب إلى تعزيز جاهزية قواته المسلحة لمواجهة مختلف التهديدات التقليدية وغير التقليدية التي قد تنشأ عبر حدوده الشرقية والجنوبية.
خصص المغرب في موازنته المالية الجديدة لسنة 2025، مبلغاً مالياً قدره 5.8 مليار درهم (نحو 580 مليون دولار) بزيادة 464 مليون درهم (46.4 مليون دولار) مقارنة مع العام الماضي، من أجل شراء المعدات والأسلحة والذخيرة لفائدة الجيش المغربي، وتقوية البنية التحتية بغرض تأمين الحدود الشرقية والجنوبية للبلاد.
وخصص المغرب أيضاً مبلغ 8.7 مليار درهم (870 مليون دولار) في موازنة 2025، من أجل تمويل المشاريع والصفقات السابقة، وأيضاً بهدف تقوية الخطط الدفاعية والأمنية الاستباقية للجيش المغربي من خلال إطلاق صفقات جديدة، فضلاً عن تغطية الدين العسكري.
ويرى مراقبون أن اقتناء المعدات والأسلحة يعكس سعي المغرب إلى تعزيز جاهزية قواته المسلحة لمواجهة مختلف التهديدات التقليدية وغير التقليدية التي قد تنشأ عبر حدوده الشرقية والجنوبية، وأن هذا التأمين ليس عسكرياً وأمنياً فقط، بل يروم تحقيق بيئة تنموية محفزة أيضاً في المنطقة.
تنافس تأمين الحدود
ويحرص المغرب، على لسان عبد اللطيف لوديي الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني، على تأمين ومراقبة حدوده البرية الممتدة على أكثر من 3.3 ألف كيلومتر بما فيها حدود الجزائر المقدرة بنحو 1600 كيلومتر"، مشيراً إلى أن هذا التأمين يستوجب توفير مختلف الموارد المادية والبشرية.
وتتمثل هذه المراقبة العسكرية والأمنية المتطورة للحدود الشرقية والجنوبية للمغرب في إرساء أنظمة إلكترونية للحراسة والمراقبة عن كثب، بفضل رادارات ثابتة وأخرى متحركة وطائرات مسيرة وأجهزة تكنولوجية دقيقة للاستشعار.
ويوظف المغرب في سبيل تأمين حدوده الشرقية والجنوبية، سواء مع الجزائر أو موريتانيا، تشكيلات متنوعة من أفراد القوات المسلحة تنتسب إلى البحرية الملكية التي تضطلع بأدوار تأمين المياه الإقليمية المغربي، أو جهاز الدرك الملكي الذي يعمل بدوره على مراقبة الحدود ضد أية عمليات مشبوهة ترتكبها شبكات التهريب والجريمة المنظمة، وأيضاً على دعم قوات الجيش البرية أو القوات البحرية في مهام تأمين حدود البلاد.
من جانبها، تولي الجزائر لتأمين حدودها مع المغرب أهمية قصوى، من خلال "رفع وتيرة عمل الدوريات الراجلة والمتنقلة، وتقوية أداء حوامات الاستطلاع الجوي، وترميم الخنادق، وبناء عوازل ترابية في النقاط الحساسة على الحدود البرية لمختلف الدول التي لديها تماس حدودي مع الجزائر، وذلك بهدف محاربة ظاهرة التهريب، وحماية الأمن القومي"، وفق تقارير رسمية جزائرية.
تحديات أمنية وجيوسياسية
يعلق الباحث في الشأن الاستراتيجي والعسكري مولاي هشام معتضد على هذا الموضوع، بقوله إن تخصيص المغرب مبالغ إضافية ضمن مشروع موازنة 2025 لاقتناء المعدات والأسلحة والذخيرة لفائدة القوات المسلحة الملكية، يهدف أساساً إلى تعزيز البنية التحتية على الحدود الشرقية والجنوبية، كما يعكس رؤية استراتيجية تروم معالجة عدد من التحديات الأمنية والجيوسياسية.
ويشرح معتضد أن هذا التوجه يتسم بتركيز واضح على تعزيز السيادة الوطنية وضمان الأمن والاستقرار في سياق إقليمي ودولي متغير، فمن حيث التحديات الأمنية الإقليمية،
تشهد المناطق الحدودية الشرقية والجنوبية للمغرب تحديات أمنية متعددة، تشمل تهديدات الإرهاب العابر للحدود، وتهريب الأسلحة والمخدرات، والهجرة غير النظامية.
وذهب المحلل نفسه إلى أن "موقع المغرب الجغرافي يجعله عرضة لهذه الأخطار، مما يتطلب استثمارات كبيرة في تطوير المعدات والتكنولوجيا الدفاعية لضمان استجابة فعالة"، مشيراً إلى أن "تأمين الحدود يعد أولوية وطنية بالنظر إلى ارتباطه الوثيق باستقرار الدولة وحماية مواطنيها".
وأما بخصوص تعزيز القدرات الدفاعية، يردف معتضد أن "الاستثمار في اقتناء المعدات والأسلحة يعكس سعي المغرب إلى تعزيز جاهزية قواته المسلحة لمواجهة مختلف التهديدات، سواء كانت تقليدية أو غير تقليدية"، لافتاً إلى أن هذا التوجه "ينسجم مع استراتيجيات التحديث العسكري التي تعتمدها الدول للحفاظ على سيادتها وأمنها في ظل التغيرات الجيوسياسية والتقنيات العسكرية المتقدمة".
وعن هدف دعم الاستقرار الداخلي والتنمية، أفاد الأستاذ الجامعي أن "تقوية البنية التحتية في المناطق الحدودية لا ينظر إليه كخطوة عسكرية بحتة، بل كجزء من استراتيجية شاملة تسعى إلى تحقيق التنمية المحلية في المناطق الحدودية المهمشة"، موضحاً أن "تعزيز الأمن في هذه المناطق يشجع على استقرارها، ما يسهم في جذب الاستثمار وتحقيق التنمية المستدامة، بالتالي تقوية الروابط بين الدولة والمجتمعات المحلية".
وأضاف معتضد أن "المنطقة المغاربية والساحل الأفريقي تشهد تحولات جيوسياسية عميقة، تتطلب من المغرب تبني سياسات دفاعية استباقية"، قبل أن يخلص إلى أن "هذه السياسات تهدف إلى حماية المصالح الوطنية وتأمين حدود المملكة من أي تهديدات محتملة، مع تعزيز دور الأمن المغربي الإقليمي والدولي".
رؤية شمولية للأمن والتنمية
اعتبر زهير لعميم وهو محلل سياسي وأستاذ بجامعة مراكش، أن "الرهان على تأمين الحدود الشرقية والجنوبية للمغرب يتأطر ضمن سياق إقليمي مضطرب، بحكم حجم التحديات والتهديدات في المنطقة، خصوصاً منطقة الساحل والصحراء"، متابعاً بأنه "من أجل ذلك كان من اللازم على المغرب تأمين حدوده بعتاد وبنية تحتية نوعية، لتأمين العلاقات الممتدة مع دول أفريقيا".
وشدد لعميم على أن "الرهان ليس أمنياً أو عسكرياً فحسب، بقدر ما هو رهان جيوسياسي وجيواقتصادي وجيواستراتيجي يستحضر حجم التحديات والأخطار في المنطقة، مثل التهديدات الإرهابية وشبكات الجريمة المنظمة وشبكات الهجرة غير الشرعية، خصوصاً في ظل غياب تنسيق أمني بين دول المنطقة، بحكم ضيق أفقها السياسي والضعف الاستراتيجي الواضح داخل بنيتها السياسية".
واستطرد المتحدث ذاته أن "الواقع يستدعي نوعاً من اليقظة والتعبئة وتطوير القدرات العسكرية والأمنية"، مضيفاً أن "الرهان ليس فقط على العتاد العسكري الكمي، ولكن كذلك بالاعتماد على نوعية هذا العتاد واستحضار ضرورة تقوية البنية التحتية في المنطقة، من خلال تقوية المسالك الطرقية، وفتح ولوجيتها أمام تدفق السلع والأفراد بانسيابية في أمن وأمان، بحكم أن المنطقة واعدة وحبلى بالفرص التنموية.
ووفق لعميم، تدخل كل هذه التعبئة لتأمين الحدود الشرقية والجنوبية للبلاد في سياق يتمثل في "المبادرة الأطلسية التي تروم تحقيق نوع من الاستقرار والأمن، لخلق ظروف مواتية للإنسان الأفريقي، من أجل تطوير إمكاناته وقدراته"، لافتاً إلى أن "هذا البعد الذي يظهر أنه بعد عسكري، هو في الحقيقة لا يستحضر الأمن بمفهومه الضيق بل في إطار رؤية شمولية للأمن" وفق تعبيره.