هاجس أميركا هو الصين، لا روسيا. وحلم دول في الشرق الأوسط هو التقرب من اللاعب الروسي أكثر من انتظار اللاعب الصيني. لكن الصين هي القوة التي تتقدم لتحقيق ما يسميه الرئيس وزعيم الحزب الشيوعي شي جينبينغ "الحلم الصيني" للسيطرة على العالم. فمنذ الثمانينيات في القرن الماضي والقادة الصينيون يطبقون مبدأ دينغ شياو بنغ "خبئ قوتك وانتظر وقتك". وعلى ساعة شي جاء "وقت الجرأة على سحب السيف اللامع"، حسب التعبير الصيني.
بداية الإعلان عن تنامي القوة الخشنة والقوة الناعمة كانت مشروع "الحزام والطريق" في استعادة رمزية لما كان "طريق الحرير". وهو حسب المؤرخ البريطاني بيتر فرانكو بان في كتاب "طريق الحرير: تاريخ جديد للعالم"، بدء "العولمة كحقيقة حياة قبل 2000 عام"، خلافاً للنظر إلى العولمة كظاهرة معاصرة. ولم يكن طريقاً في اتجاه واحد بل في اتجاهين وأكثر. فمن بغداد عاصمة الخلافة ذهب الأطباء والفلكيون وعلماء الحساب، ومن الصين جاء الحرير وسواه.
أما طريق الحرير الجديد، فإنه على خطين بري وبحري، وهو عسكري ولوجستي وليس مجرد طريق تجاري. بكين رصدت له تريليون دولار وبنت قواعد عسكرية ومحطات مراقبة وسيطرت على مرافئ في أماكن حساسة من آسيا وأوروبا وأفريقيا. مرفأ داروين في شمال أستراليا القريب من قاعدة بحرية أسترالية تستضيف قوات بحرية أميركية باتت تستخدمه شركة صينية. مرفأ بيريوس في اليونان صار بإشراف الصين. وفي المحيط الهندي، فإن الصين أحاطت من جوانب عدة بالهند التي هي على عداء تقليدي معها. إذ صارت لها قواعد ومرافئ على شواطئ ميانمار وسريلانكا وجزر المالديف والباكستان وجيبوتي وكينيا. والهدف الذي تعمل على تحقيقه هو السيطرة الكاملة على بحر الصين الجنوبي، مكان عبور ثلث السفن في العالم، والصيد فيه ثروة لملايين الناس في جنوب آسيا، فضلاً عما فيه من نفط وغاز.
وفي أساس القوة الخشنة، فكان تحديث الجيش الصيني بحراً وجواً، ومع أن موازنة الدفاع تبلغ 180 مليار دولار أي ربع موازنة الدفاع الأميركية، فإن لدى الصين 335 قطعة عسكرية بحرية مقابل 285 لدى أميركا وحاملتي طائرات مقابل عشرات لدى أميركا. وأخيراً، جرت أحاديث عن عقد إستراتيجي وعسكري لمدة 25 سنة بين الصين وإيران التي سحبت من الهند مشروع بناء سكك حديد، وعن استثمارات بمبالغ خيالية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي مجال القوة الناعمة، فإن الصين تقدمت في التكنولوجيا التي سرقها "اللصوص الوطنيون" من أميركا. والعالم كله مشغول بقصة "هواوي" و"تيك توك". فضلاً عن نشر عشرات المعاهد التي يديرها "معهد كونفوشيوس" لتعليم اللغة الصينية في عواصم ومدن عدة في العالم.
والصين اليوم هي الاقتصاد الثاني في العالم بعد الاقتصاد الأميركي. وحسب معهد "كيال" الألماني، فإن قروض الصين للدول النامية تبلغ 520 مليار دولار، ضمن سياسة الإقراض من أجل مشاريع كبيرة، ثم الاستيلاء على المشاريع عندما تعجز تلك الدول عن السداد. والباكستان وقيرغيزستان وسريلانكا تطالبها بتأجيل سداد القروض. وهي حائرة: إذا شدت خسرت زبائنها، وإذا أرخت خسرت أموالها.
والسؤال هو: إلى أين تصل المواجهة بين أميركا والصين؟ راش دوشي، مدير مبادرة الصين الإستراتيجية في معهد "بروكينغز"، يرى أن "فجوة القوة تنغلق والفجوة الأيديولوجية تتسع بين أميركا والصين، وهما دخلتا منحدراً حلزونياً أيديولوجياً لا أحد يعرف أين قعره". زاو كيجيبني، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة "تشينخوا"، يقول "العلاقات الأميركية- الصينية تواجه مرحلة خطيرة، لكن الواقعية الجديدة تفرض الابتعاد من حرب باردة جديدة والاتجاه نحو حرب ناعمة". وفي رأي يي زينغ ليان، الخبير في الشؤون الآسيوية، فإن شي يتبع إستراتيجية ماو القديمة، التي تقوم على تطويق المدن التي يحتلها تشان كاي تشك قبل دخولها في مرحلة لاحقة، ثم تطويق البلدان الرأسمالية المتقدمة ببلدان العالم الثالث كمرحلة أولى.
لكن آدم شيف، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي، يعترف بأن اللجنة تؤمن بعد عامين من التدقيق مع أجهزة الاستخبارات "بأن أميركا غير مستعدة لمنافسة الصين على الساحة الدولية، والاستخبارات ليست جاهزة لمواجهة المستجدات".
والمفارقة أن رأسمال الصين وروسيا في العالم هو كره بلدان عدة لأميركا، مع أنهما أشد قسوة منها.