بعد أقل من أربع وعشرين ساعة من تهديد وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس، حماس في غزة وإيران في سوريا، بتنفيذ كل ما يتطلب لضمان أمن الإسرائيليين عند حدود الجبهتين، أقلعت طائرته إلى واشنطن حيث لقاء عاجل مع نظيره الأميركي مارك إسبر، بهدف بحث مختلف القضايا الأمنية وسُبل ضمان استمرارية التفوق العسكري لإسرائيل، من دون أن يوضح غانتس مدى حاجة بلاده إلى هذا اللقاء بهذه السرعة وخلال الفترة الزمنية القصيرة، إذ سيقضي يوماً واحداً فقط.
ويعتقد إسرائيليون أن هذا اللقاء، وهو الثاني لوزير الأمن الإسرائيلي مع نظيره الأميركي خلال شهر، جاء في الأساس لبحث صفقة بيع طائرات "أف 35" إلى الإمارات، ومدى تأثيرها في استمرار التفوق العسكري النوعي لإسرائيل، كما سيبحث الجانبان تنسيق الخطوات التي ستتخذها تل أبيب لمواجهة التموضع الإيراني في سوريا.
البحث عن التفوق العسكري
ووقع غانتس وإسبر إعلاناً مشتركاً، يؤكد الالتزام الإستراتيجي للولايات المتحدة بالحفاظ على التفوق العسكري لإسرائيل في الشرق الأوسط على مدى العقود المقبلة. وهذا الالتزام يأتي في سياق التطورات الأخيرة في السياسة الإسرائيلية تجاه غزة وسوريا، من تغيير المعادلة في التعامل مع حماس والتموضع الإيراني في سوريا.
وشدد وزير الأمن الإسرائيلي، بعد توقيع الالتزام، على ضرورة تكثيف العمل المشترك والتعاون المثمر، وبرأيه أن مثل هذا الاتفاق إلى جانب ما سماها "حقبة التطبيع في الشرق الأوسط"، يساعدان على "مواجهة إيران في المنطقة".
وطرح غانتس أمام الأميركيين معادلته الجديدة تجاه قطاع غزة، في أعقاب استمرار إطلاق الصواريخ على بلدات الجنوب من جهة، وإعادة حفر الأنفاق من جهة أخرى، بعدما كُشف نفق جديد مخطط له الوصول إلى إسرائيل.
وتأتي مناقشة موضوع غزة في أعقاب تهديد إسرائيل بتنفيذ عملية في القطاع، وهي خطوة ستؤدي إلى تصعيد الوضع الأمني، قد تكون له تداعيات تعرقل التقدم في العلاقات بين تل أبيب وأبوظبي والمنامة.
ويرى أمنيون إسرائيليون، أن توقيت وطبيعة لقاء غانتس وإسبر يؤكدان حرص البيت الأبيض على التقدم بسرعة في صفقة "أف 35" التي ما زالت تثير جدلاً بين الجهات ذات الشأن. وفي إسرائيل لم تخف القيادتان السياسية والعسكرية خشيتهما من تأثير هذه الصفقة في الحفاظ على التفوق العسكري لهما بالشرق الأوسط.
وتأمل تل أبيب أن يتلقى وزير الأمن الإسرائيلي خلال زيارته، عرضاً أميركياً يخفف من قلق تل أبيب من الصفقة. والتوقعات أن يجري استبدال تزويد الإمارات بطائرة "أف 35" بنسخة أقل قدرة من نظيرتها الإسرائيلية. وسعى غانتس إلى التوصل إلى اتفاق حول صفقة تشمل مروحيات شحن ونقل جنود كبيرة، وطائرات مقاتلة، وطائرات تزويد وقود في الجو وذخيرة متطورة ومتنوعة، إضافة إلى مروحية عملاقة من طراز V-22.
ويعد غانتس من أكثر المعارضين في المؤسستين الأمنية والسياسية صفقة تزويد الإمارات بهذه الطائرات، رغم تصريحاته أكثر من مرة، أنه وفق الثقة المتبادلة بين واشنطن وتل أبيب، وحرص الأولى على الحفاظ على التفوق النوعي لإسرائيل، فإن الخيار لتنفيذ هذه الصفقة أو عدم تنفيذها يبقى بيد أميركا.
المعادلة تغيرت
وتزامن سفر غانتس إلى أميركا مع القصف الإسرائيلي على سوريا، بعد هدوء استمر نحو شهرين، وصواريخ غزية على بلدات الجنوب الإسرائيلي، تلاها الكشف عن نفق يمتد من خانيونس إلى إسرائيل. واكتشاف النفق أدخل المؤسسة الإسرائيلية في نقاش حول ما إذا كانت الأجهزة الحديثة التي جرى نصبها عند الحدود الجنوبية والشمالية، بعد كشف الأنفاق التي ادعت إسرائيل أن حزب الله أقامها لاستخدامها في مواجهات معها، قادرة على منع محاولات جديدة لحفر الأنفاق، التي تشكل أخطر الكمائن، التي يمكن استخدامها في أي مواجهات مع إسرائيل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وخرج وزير الأمن الإسرائيلي بتهديد يحمل أكثر من رسالة، لكن في مركزها أن بلاده لم تعد تسكت عن أي صاروخ يطلق باتجاهها، مشيراً إلى أنه انتهى عهد ما سمّاه أمنيون "ضبط النفس". وقال، "غيرنا سياسة العمل مقابل قطاع غزة، ولن تمر الأمور من دون رد. أنا لا أعمل لدى حماس، بل سنرد وفق اعتباراتنا". مؤكداً أنه "جرى تغيير المعادلة، لا بالون ولا مقذوف، لن نتقبل أي شيء".
وبعث برسالة طمأنينة إلى سكان الجنوب، التي تعيش حالة إغلاق مع بقية البلدات الإسرائيلية، بسبب عدم قدرة الحكومة على مواجهة تفشي كورونا، قائلاً، "بإمكانكم العيش بهدوء. أنا منشغل على مدار اليوم بأمن الدولة في كل الجبهات، ما يحدث في الجنوب وفي الشمال أيضاً".
وحول تموضع إيران في سوريا هدد غانتس باتخاذ كل الخطوات لمنع تجاوز الخطوط الحمراء، التي وضعتها إسرائيل تجاه سوريا، مؤكداً أنه "لن نسمح للجهات الإرهابية من قبل حزب الله أو إيران بالتموضع عند حدود هضبة الجولان، وسننفذ ما هو مطلوب من أجل إبعادهم من هناك".
وكان الجيش قد أطلق صاروخاً على موقع في القنيطرة في جنوب سوريا، ادعى أنه كان موجهاً ضد أهداف تابعة لإيران. ورغم التهديدات التي أطلقها غانتس، واستمرار إطلاق الصواريخ، حتى بعد عودته من واشنطن، فإن جهاز الأمن الإسرائيلي يدفع باتجاه التوصل إلى "تهدئة طويلة المدى"، ويرى أن هناك إمكانية لتطبيقها.