تشهد دول آسيان اهتماماً غير مسبوق بالانتخابات الرئاسية الأميركية، فاستطلاعات الرأي المتعددة ومراكز الدراسات تستشرف السباق الرئاسي إلى البيت الأبيض ونظرة المرشحين إلى قضايا المنطقة برمّتها. لكن هناك تبايناً ملحوظاً في وجهات نظر، وتطلعات حكومات المنطقة وشعوبها إلى الرئيس الأميركي الأفضل لمنطقة جنوب شرق آسيا.
الفيليبين صديقة ترمب
يرى مراقبون أن هناك تقارباً ملموساً بين واشنطن ومانيلا، إذ تجمع الرئيس دونالد ترمب علاقة جيدة مع نظيره (رودريغو) دوتيرتي، على عكس الخلاف الواضح الذي اتّسمت به العلاقة مع الرئيس السابق باراك أوباما، الذي انتقد صراحة سياسات الرئيس الفيليبيني، ما انعكس على رؤية المواطنين الفيليبينيين لميولهم إلى ترمب.
وكما تعتقد الصحيفة الفيليبينية "كاميلا إليما" أن المواطنين يشعرون بالميول إلى الرئيس الأميركي الحالي، بسبب التشابه بينه ودوتيرتي، فهما جريئان ويقولان ما يريدان بأي طريقة وبأي أسلوب لإثبات وجهات نظرهما.
وتؤكد الصحيفة أن أمن المنطقة هو أهم ما تترقبه الفيليبين من نتائج الانتخابات المركزية المقبلة، موضحةً أن فوز جو بايدن بإمكانه أن يقلل من نفوذ الصين في مانيلا، إذا استطاع المرشح الديمقراطي التفاوض مع الرئيس الفيليبيني من دون المساس بشخصه، أو انتقاد سياسته على الملأ.
ووفقاً لصحيفة "إينكوايرر"، فإن الأميركيين من أصل فيليبيني سيميلون إلى التصويت في الانتخابات المقبلة للرئيس الحالي، كونه استطاع أن يقف للصين بالمرصاد في توسعاتها ببحر الصين الجنوبي الذي يمثل نقطة خلاف بين بكين ومانيلا.
كما طالبت "إينكوايرر" في مقال رأي، بايدن بتقديم وعود واضحة، تدلل على حزمه وعزمه على كبح نفوذ بكين في المنطقة، إذا كان يرغب في كسب أصوات الأميركيين من أصل فيليبيني.
فيتنام الرابح الأكبر
أما في فيتنام، وهي الدولة الحليفة للولايات المتحدة وإدارة ترمب، فإن هانوي حققت استفادة كبرى من سياسة واشنطن على مرّ السنوات الأربع الماضية، إذ ذكرت صحيفة "ذا وول ستريت جورنال" أن سياسة الرئيس الأميركي الحالي في رفع التعريفات الجمركية على البضائع الصينية أفادت البضائع الفيتنامية، فارتفعت نسبة المنتجات التجارية الصادرة من فيتنام إلى الولايات المتحدة 36.4 في المئة، كما أوضحت الصحيفة أن تصاعد الصراع التجاري العالمي من الممكن أن يزيد الناتج الإجمالي المحلي لفيتنام 2.1 في المئة.
ويرى محللون أن الفائدة الاقتصادية الكبيرة جعلت من هانوي داعمةً للإدارة الحالية وراغبة في استمرارها الفترة المقبلة، وهو ما انعكس على اتجاهات الأميركيين من أصل فيتنامي، إذ وجد استطلاع على فيسبوك خُصّص لهم أن 94 في المئة من المشاركين سيصوّتون في الانتخابات المقبلة للرئيس الحالي.
ويرجّح موقع "ذا كونفرسيشن" هذا الاتجاه من جانب الأميركيين من أصل فيتنامي إلى دعمهم سياسات ترمب تجاه الصين، التي تسعى إلى الحدّ من نفوذها وتدين ادعاءاتها بالتحكم في حركة الملاحة ببحر الصين الجنوبي، إلى جانب رفضهم النظام الشيوعي الذي دأب ترمب على مهاجمته بشكل مستمر.
قلق سنغافوري وانتقاد ماليزي
وفي سنغافورة، قال رئيس الوزراء لي هسين لونغ أن نصيحته للفائز في الانتخابات الرئاسية المقبلة في الولايات المتحدة هي خلق استقرار للعلاقات بين واشنطن وبكين وجنوب شرق آسيا، مشيراً إلى رغبته في تطوير الإدارة الجديدة لسياسة التوافق بين جميع الأطراف بشأن السياسة الآسيوية لضمان استمرارها في ما بعد الإدارة الجديدة والإكمال عليها.
وكان لونغ صرّح سابقاً أن التوترات بين الصين والولايات المتحدة تمثّل قلقاً قوياً بالنسبة إلى دول جنوب شرق آسيا. وألمح إلى سياسات إدارة ترمب المناهضة لحرية التجارة، ووصفها بـ"الضغط الواقع على الاقتصاد" في دول آسيان التي يعتمد نموّها على نظام حركة التجارة المفتوحة المتعددة الأطراف.
أما رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد فانتقد الرئيس الجمهوري ونصحه بالاستقالة من منصبه لحماية أميركا، وذلك تعقيباً على خطته للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأعرب زعيم المعارضة الماليزية أنور إبراهيم عن رغبته في فوز جو بايدن بالانتخابات الرئاسية المقبلة، واصفاً إياه بـ"الصديق". وقال إن الانتخابات الأميركية تؤثر في التجارة والاقتصاد والأمن في جنوب شرق آسيا، ونصح بأهمية الهدوء في تلك الفترة واستمرار التواصل مع آسيان وأميركا والصين. بينما يرى الماليزيون أن الحكومة الأميركية الحالية ليست في صالحهم في قضايا عدة كحظر استيراد زيت النخيل والميل إلى الجانب الإسرائيلي بشكل غير مسبوق.
وأبدت الحكومة الماليزية تخوّفها بشأن الحظر الأميركي المتزايد على منتجاتها الزراعية، فقد قالت وزارة الصناعات الزراعية والسلع أن هناك حاجة ماسة إلى منصة حوار بين واشنطن وكوالالمبور لمعالجة الادعاءات والمزاعم التي يمكن أن تؤثر سلباً في الأنشطة التجارية بين البلدين. ويأتي ذلك التخوف العلني بعد حوادث عدة تتعلق بحظر صادرات المنتجات الزراعية الماليزية من قبل إدارة الجمارك وحماية الحدود الأميركية أخيراً.
بين بانكوك وواشنطن وجاكرتا
يقول متخصصون إندونيسيون إن العلاقات بين جاكرتا وواشنطن يجب أن تبقى وطيدة وجيدة بغض النظر عمّن سيكون الرئيس الأميركي الجديد. وتنصح صحيفة "جاكرتا بوست" على لسان مؤسس منظمة إندونيسيا للسياسة الخارجية دينو باتي بأن تبني البلاد شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة تتعدى حدود التجارة والاستثمار، وتستشرف التغيرات المقبلة عقب الانتخابات المرتقبة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
بينما ذكر المحلل التايلاندي كافي تشونجكيتافورن، في مقال له في "بانكونك بوست"، أن الفيليبين وتايلاند هما حليفتا الولايات المتحدة في جنوب شرق آسيا تحت قيادة ترمب، موضحاً أن فوز بايدن يمكن أن يعزز التحالف الأميركي التايلاندي ويحقق نتائج أفضل. وأضاف أن الرئيس المقبل عليه أن يهتم بحضور قمم آسيان في المستقبل لتبيّن الإدارة الجديدة أهمية هذه المنطقة بالنسبة إليها.
تراجع الثقة بالإدارة الأميركية
وذكرت إحصائية حديثة صادرة عن منظمة يوسف إسحاق، التي تتخذ من سنغافورة مقراً لها، أن 60 في المئة من مواطني دول جنوب شرق آسيا واثقون بتبدّل سياسات واشنطن نحو المنطقة إلى الأفضل إذا ما تغيّرت الإدارة الأميركية الحالية، بينما أظهرت الإحصائية النسبة الكبرى لهذه الرؤية بشكل خاص في دول الأرخبيل وإندونيسيا وماليزيا وبروناي وسنغافورة.
كما وجد الاستبيان أيضاً أن الغالبية العظمى من مواطني دول آسيان يشعرون بأن إدارة ترمب أسهمت في زيادة الهيمنة الصينية على بلادهم، وأن إدارة البيت الأبيض الحالية تقاعست مع قضايا بلدانهم، مما أدّى إلى اتجاه بوصلة حكوماتهم نحو الصين، لكن استطلاعاً للرأي أجراه "مركز بيو للأبحاث" وجد أن المواطنين الفيليبينيين هم الأعلى ثقة بترمب.