يواصل التوسع في النشاط الاقتصادي للقطاع الخاص في بريطانيا التراجع للشهر الثالث على التوالي، ما ينذر باحتمال دخول البلاد في ركود ثانٍ هذا العام، أي ركود مزدوج، سيكون في حال حدوثه، الثاني خلال أكثر من نصف قرن.
ووفق مؤشر مديري المشتريات الذي تصدره مؤسسة "آي إتش إس ماركتس"، جاءت قراءة شهر أكتوبر (تشرين الأول) للناتج الاقتصادي المجمع عند 52.9 نقطة مقابل 56.5 نقطة في سبتمبر (أيلول)، وهو معدل تراجع كبير هبط بالمؤشر إلى أدنى مستوى في أربعة أشهر. وكان التقهقر كبيراً في كل القطاعات، فبالنسبة إلى مؤشر نشاط قطاع الخدمات جاءت القراءة لشهر أكتوبر 52.3 نقطة، مقابل 56.1 نقطة في سبتمبر الماضي، وهي أقل قراءة في أربعة أشهر أيضاً. أما بالنسبة إلى قطاع التصنيع، فجاءت قراءة مؤشر مديري المشتريات عند 53.3 نقطة مقابل 54.1 نقطة لشهر سبتمبر، وهي أدنى قراءة للمؤشر في ثلاثة أشهر.
وعلى الرغم من أن المؤشر يظل فوق حاجز 50 نقطة الفاصل بين التوسّع والانكماش، إلا أن وتيرة التراجع في النشاط الاقتصادي في مجمل القطاعات منذ بداية الانتعاش في يونيو (حزيران)/يوليو (تموز) الماضيين تزداد نزولاً نحو حاجز 50 نقطة.
وفي حال تشديد إجراءات الوقاية من الموجة الثانية من وباء فيروس كورونا، يمكن أن يهبط المؤشر عن مستوى النشاط باتجاه مستوى الانكماش، كما حدث بالنسبة إلى مؤشر مديري المشتريات لدول منطقة اليورو في أكتوبر. وفي هذه الحالة، تواجه بريطانيا احتمال الركود – بخاصة إذا تعثّرت مفاوضات الاتفاق بين بريطانيا وأوروبا لما بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي (بريكست) أو تم التوصل إلى اتفاقات جزئية.
توقعات متشائمة
في التعليق على تقرير مؤشر مديري المشتريات، يقول كبير الاقتصاديين في "آي إتش إس ماركتس" كريس وليامسون إن "بطء نمو الناتج وهبوط الطلب وتدهور سوق العمل مجدداً، تشير إلى أن الاقتصاد البريطاني يدخل الربع الرابع من العام وهو في وضع ضعيف. وعلى الرغم من أن الاستعدادات لبريكست قد تؤدي إلى انتعاش بسيط قصير الأجل في بعض قطاعات الاقتصاد قبل 31 ديسمبر (كانون الأول) 2020، فإن الزيادة في أعداد المصابين بكوفيد-19 وإجراءات الإغلاق المصاحبة لذلك تؤثر سلباً في النظرة إلى الاقتصاد على المدى القصير. ومع احتمال أن يشهد الربع الرابع من العام توسّعاً بسيطاً في القطاع، فإن وتيرة النمو تبدو متراجعة بشكل حاد بما يزيد خطر الركود الثاني".
وفي التقرير ذاته، كتب مدير مجموعة "سي آي بي إس" دنكان بروك معلّقاً على نتائج مسح مؤشر مديري المشتريات لشهر أكتوبر: "تراجع التفاؤل إلى مستويات مايو (أيار) الماضي، ويظل عدم اليقين التوقّع الوحيد لما تبقّى من العام. فبريكست على الأبواب والدعم الحكومي الجديد أضعف مما كان عليه حين بدأ الوباء، ومن الواضح أنه سيكون على الأعمال والشركات تلمّس سبل بقائها بينما يرجع الاقتصاد إلى المربّع صفر".
وقد بدأت مؤسسات بريطانية وعالمية بالفعل إصدار تقارير وبيانات حول احتمالات الركود المزدوج في المملكة المتحدة. وتشير توقعات الربع الأخير من العام إلى زيادة احتمال دخول الاقتصاد في ركود مجدداً بعد الانكماش غير المسبوق في الربع الثاني، حين هوى الناتج المحلي الإجمالي بنحو 20 في المئة.
وفي ظل معدل نمو اقتصادي ضعيف، فإن تراجعاً بنسبة تزيد على 1 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي بسبب بريكست من دون اتفاق أو باتفاقات جزئية، (كما توقع تقرير لوحدة استخبارات الإيكونوميست)، يمكن أن يهوي بمعدل النمو الاقتصادي البريطاني للسالب مجدداً.
الاقتصاد الأضعف
تجمع أحدث تقارير مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية، مثل "ستاندرد أند بورز" و"موديز"، على أن ضعف النمو في الربع الثالث واحتمال الانكماش في الربع الرابع يظلان احتمالين قائمين، بخاصة إذا لم تفلح حزم الدعم الحكومية الجديدة في المحافظة على وتيرة الانتعاش الاقتصادي واستمرت أعداد الإصابات بفيروس كورونا في الزيادة، إضافة إلى عدم اليقين بشأن اتفاق بريكست مع الاتحاد الأوروبي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي التقرير المصاحب لإعلان خفض التصنيف الائتماني لبريطانيا في وقت سابق من هذا الشهر، ذكرت "موديز" ثلاثة عوامل رئيسة ومتداخلة في ما بينها، استند إليها قرارها بتخفيض تصنيف الدين السيادي: تراجع أداء الاقتصاد البريطاني منذ خفّضت المؤسسة التصنيف الائتماني للملكة المتحدة آخر مرة في سبتمبر 2017، وضعف الوضع المالي للحكومة البريطانية بخاصة مع المستويات العالية للدين العام الذي تجاوز 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بتخطّيه حاجز التريليوني جنيه إسترليني (2.6 تريليون دولار)، وتراجع المؤسسات البريطانية وضعف القواعد والقوانين واللوائح المنظمة للأعمال والشركات في السنوات الماضية.
وتوقعت "موديز" أن تعمل الحكومة البريطانية على وقف ارتفاع الدين العام وعلى استقرار عجز الموازنة، وكذلك تحسين المناخ التشريعي الحاكم للأعمال والشركات. إلا أن التقرير لم يتوقع نمواً جيداً، وقدّر أنه مع تعافي الاقتصاد البريطاني سيكون الأضعف بين اقتصادات الدول المتقدمة الأخرى في العالم. وذكر التقرير أنه "على الرغم من التعافي المستهدف، نقدّر أن يشهد الاقتصاد البريطاني انكماشاً أكبر وأكثر حدّة من أي بلد آخر في مجموعة العشرين".
ووفق تقدير "موديز"، فإن وضع القطاع يتدهور حتى من قبل وباء كورونا، تحديداً منذ استفتاء بريكست عام 2016، إضافة إلى أنه لم يتعافَ تماماً من تأثير الأزمة المالية العالمية عام 2008.
وأضاف التقرير "حتى قبل الصدمة الناجمة عن الوباء، كانت هناك عوامل تؤثر سلباً في الأداء الاقتصادي في بريطانيا، من قبيل بطء نمو الإنتاجية منذ الأزمة المالية العالمية، وتراجع الاستثمار في الأعمال منذ استفتاء عام 2016 بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي واستمرار عدم اليقين بشأن العلاقة المستقبلية بينهما".