بعد تجميدها لسنتين، تحاول روسيا إحياء مبادرتها المتعلقة بعودة النازحين السوريين إلى بلادهم، في توقيت يرتبط حكماً بالمسارين السياسي والعسكري للواقع السوري، وبمتغيرات الشرق الأوسط، حيث نجحت روسيا في حجز موقع لها على طاولة تقرير مصيره، منذ أن بدأ جيشها بتنفيذ ضربات جوية على مواقع المعارضة السورية ليل 30 سبتمبر (أيلول) 2015.
من طهران إلى بيروت
من روسيا مروراً بإيران والأردن وصولاً إلى لبنان، بدأ الوفد الروسي زيارة متعددة الأبعاد، أول أهدافها التحضير لمؤتمر عام يعقد في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، مخصص لعودة النازحين السوريين الموجودين في دول الجوار، أي لبنان والأردن والعراق وتركيا. فبعد إلغاء وزير الخارجية سيرغي لافروف زيارته إلى بيروت لأسباب برّرها مصدر مقرّب من الخارجية الروسية، بأن لها علاقة بانشغال موسكو بأكثر من ملف ساخن، إضافةً إلى استضافتها اللقاءات المرتبطة بالأزمة الأذربيجانية - الأرمينية، قررت روسيا إرسال وفد إلى بيروت، عرّج في طريقه على طهران، حاملاً معه إلى المسؤولين في لبنان دعوةً رسمية إلى المشاركة في مؤتمر عودة النازحين.
ويرأس الوفد رئيس المركز القومي لإدارة الدفاع في روسيا ميخائيل ميزنتساف، ويضم الممثل الشخصي للرئيس فلاديمير بوتين، المكلف بالملف السوري ألكسندر لافرانتييف وموفد وزير الخارجية المكلف تسوية الأزمة السورية ألكسندر كينسشاك وعدداً من المساعدين الكبار، العسكريين والمدنيين. وعلمت "اندبندنت عربية" أن الوفد الروسي سيلتقي خلال زيارته إلى بيروت التي تستمر يومين، كلاً من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، إضافة إلى الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري وقائد الجيش العماد جوزف عون والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، إذا سمحت صحته بذلك بعد إصابته بفيروس كورونا خلال زيارته إلى واشنطن.
ما الذي تغيّر لتحريك ملف النازحين مجدداً؟
عندما أطلقت روسيا في عام 2018 مبادرةً لعودة النازحين السوريين إلى بلادهم، اصطدمت بموقف أميركي وآخر أوروبي وعربي برفض البحث بأي عودة قبل الحلّ السياسي، ومن ضمنه الاتفاق على مصير بشار الأسد ونظامه. وحال الرفض العربي والدولي والأوروبي دون المضي بالمبادرة الروسية التي جمّدت بانتظار الوقت المناسب. فهل في إعادة إحيائها مؤشر لحلّ سياسي بات قريباً؟
يشرح مصدر مقرّب من وزارة الخارجية الروسية أن تقدماً تحقق في المفاوضات الحاصلة بين النظام والمعارضة السورية في جنيف، دفع موسكو إلى التفكير مجدداً بتحريك ملف النازحين، وإن كان التقدم كما يعترف المصدر لا يعدو كونه أجواء إيجابية محيطة بالمفاوضات لم ترقَ بعد إلى مستوى الاتفاق على الدستور الجديد أو الإصلاحات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفيما كشف مصدر مطلع أن عائقاً أساسياً قد يفرض تأجيل المؤتمر إلى ما بعد نوفمبر المقبل، وأن مكان عقده قد يتبدّل من دمشق إلى كازخستان، وذلك بعد رفض معظم الدول الحضور إلى العاصمة السورية، علماً أن لبنان يمكن أن يمثل وفق المصادر بسفيره في سوريا، لكن من الصعب أن يخرج عن الإجماع العربي والدولي في هذا، علماً أن المحاذير السياسية الدولية والعربية التي حالت دون التقدم في المبادرة الروسية عام 2018، لا تزال موجودة باستثناء مؤشرات جديدة يصفها المصدر المقرب من وزارة الخارجية الروسية بالحلحلة في مواقف الدول الخليجية والتقاء روسي - عربي في أكثر من ملف في المنطقة، وهو ما شجّع موسكو على تحريك ملف عودة النازحين الآن والاستفادة من التقارب الحاصل مع الدول العربية التي تشكل مباركتها ضمانةً لإعادة الإعمار وتوفير الشروط اللوجستية والحياتية المطلوبة للعودة.
روسيا تعول على حلحلة في الموقف العربي
وفيما يكشف المصدر السياسي المقرب من وزارة الخارجية الروسية عن أن الآلية المقترحة لعودة النازحين لم تحدّد بشكل نهائي وهي قابلة للنقاش في المؤتمر الذي تعمل على عقده، يبدو أن هذه الآلية ترتبط بالنتائج النهائية للمفاوضات الحاصلة بين النظام السوري والمعارضة، لحسم الجهة المعارضة التي ستشملها العودة، علماً أن اللقاءات مع كل أطياف المعارضة حددت شروطاً أساسية، على النظام احترامها إذا نجحت المفاوضات.
وتقرأ روسيا في تطورات حصلت في أكثر من ملف، فرصة يمكن الاستفادة منها لإنهاء الملف في سوريا، بدعم عربي. ويذكر المصدر الروسي في هذا المجال، تطورات تبادل الأسرى في اليمن والتبريد العسكري هناك، إضافةً إلى التعايش الحاصل بين طرفي النزاع في العراق، كلها تطورات ووقائع ترى فيها موسكو تقدماً في الموقف العربي يمكن التأسيس عليه للمضي قدماً في ملف سوريا، على اعتبار أن الاتفاق مع الدول العربية لا سيما مساهمتها في إعادة الإعمار سيقطع الطريق على الصين التي تقدم نفسها متطوعاً أوّلاً للإعمار، وخلفها إيران.
السلام مع إسرائيل والمبادرة الروسية، تزامن الصدفة؟
هل يمكن فصل زيارة الوفد الروسي إلى لبنان وتحريك ملف إعادة النازحين السوريين، عن اتفاقيات السلام بين دول عربية وإسرائيل؟ في زيارته الأخيرة إلى سوريا، كان لافروف نصح نظام الأسد بضرورة التفاوض مع إسرائيل، والعمل على تخفيف الوجود الإيراني في سوريا. واللافت أن مبعوث لافروف الخاص إلى سوريا المعيّن حديثاً والمكلف بهاتين المهمتين هو في عداد الوفد الروسي الذي يزور بيروت.
وتكشف مصادر دبلوماسية أن الأسد طلب في مقابل الاتفاق مع إسرائيل، البقاء في الحكم ودعمه في الانتخابات المقررة في فبراير (شباط) المقبل، لكن المصدر الدبلوماسي المقرّب من الخارجية الروسية ينفي أي محاولة روسية لتثبيت الأسد، موضحاً أن "موسكو ستترك القرار للشعب السوري الذي عليه أن يختار بحرية ومن دون أي تدخل خارجي"، علماً أن المسؤولين الروس يعتبرون أن الأسد أعاد بناء الدولة ومؤسساتها، بالتالي أعاد الاستقرار الذي هو الشرط الأول لعودة النازحين الموجودين في دول الجوار وكذلك في دول أوروبا. ومقابل قبوله بإعادة النازحين سيترتب على الدول المضيفة القبول به رئيساً دائماً على سوريا. أما في شأن الوساطة الروسية بين الأسد ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي تربطه ببوتين علاقة مميزة، فإن موسكو تعتبر أن الأولوية في العلاقة العربية - الإسرائيلية تبقى لفلسطين، وهم يردّدون بأنهم مع السلام العادل مع ما تحمله هذه العبارة من تفسيرات مختلفة، علماً أن مصادر دبلوماسية كشفت عن أن أميركا سعت أيضاً عبر وسطاء كثر لدى الأسد إلى دفعه نحو السلام مع إسرائيل.