خلال صيف العام الماضي ومع تكثيف الرئيس الأميركي دونالد ترمب ومنافسه الديمقراطي جو بايدن، جهودهما للفوز بالانتخابات الرئاسية الأكثر إثارة للجدل منذ عقود، انشغلت لورا دانيلز وجيسي يونغ وإيرين براون أيضاً بنشر تعليقات تنتقد السياسة والمجتمع الأميركي على تويتر ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى. وقاموا بالتغريد حول سوء التعامل مع جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) الذي أصاب قرابة 9 ملايين أميركي وأسفر عن وفاة نحو 226 ألف شخص، كما نشروا عن العنصرية وشاركوا وجهات نظر سلبية بشأن الفضائح الشخصية والسياسية التي تعصف بالرئيس ترمب.
لكن بحسب مجلة نيوزويك الأميركية، فإنه بينما بدت النساء الثلاث وكأنهن مثل ملايين الأميركيين الآخرين الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي كل يوم للتعبير عن استيائهم من الولايات المتحدة، ومع ذلك كان هناك أمر مريب. فرسائل أولئك النساء كانت أحياناً متطابقة مع رسائل أخرى على تويتر وفيسبوك، حيث كانت منشوراتهن متشابهة وكن يميلن إلى الإدلاء بتصريحات تحط من قدر أميركا ونظامها الديمقراطي، بدلاً من الإشارة إلى أحداث معينة. كما كان استخدامهن للغة ضعيفاً أو خليطاً من التعبيرات المألوفة مثل "السود ليسوا عبيداً أبداً! قف برأسك مرتفعاً!". وفي بعض الأحيان يظهر حرف باللغة الصينية في أحد منشوراتهن أو مئات المنشورات الأخرى التي مثلها تماماً.
ووفق تحقيق للصحيفة، فأولئك النساء لم يكن في الواقع شخصيات حقيقية بل روبوتات ومتصيدون يجرى استخدمهم في حملة ممنهجة من قبل مجموعات تابعة للصين لزرع الانقسام والاضطرابات في الولايات المتحدة قبل انتخابات 2020 المقررة في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وبحسب تحليل أجراه المركز الدولي للسياسات الإلكترونية التابع لمعهد السياسة الإستراتيجية الأسترالي، فإن آلاف المنشورات على تويتر وفيسبوك كانت جزءاً من برنامج "نشاط غير حقيقي عبر الأنظمة الأساسية"، و"الذي أجراه ممثلون يتحدثون الصينية ويتوافقون بشكل عام مع الهدف السياسي لجمهورية الصين الشعبية لتشويه سمعة ومكانة الولايات المتحدة".
هجمات إلكترونية
الحسابات المزيفة هي مجرد مثال واحد لما يبدو أنه نشاط مكثف من قبل المجموعات المرتبطة بالصين مع اقتراب الانتخابات. فعلى مدار الأسابيع الستة الماضية، على سبيل المثال، أبلغت غوغل ومايكروسوفت عن محاولات لهجمات إلكترونية مرتبطة ببكين استهدفت أفراداً عملوا مع حملات بايدن وترمب. ومعظم النشاط النابع من الصين يبدو أنه مصمم، كما يقول ويليام إيفانينا، مدير المركز الوطني لمكافحة التجسس والأمن "لتشكيل بيئة السياسة في الولايات المتحدة، والضغط على الشخصيات السياسية التي تراها على عكس مصالح الصين، وتحويل النقد المضاد".
ويقول المتخصصون، إن النشاط المرتبط بالانتخابات هو مجرد جزء صغير من حملة أكبر وأعمق بكثير من التأثير والتدخل من قبل الصين والتي كانت تجري على مدى سنوات عديدة، وتمثل تهديداً مقلقاً على نحو أكبر على المدى الطويل. وتشير المقابلات التي أجريت مع أكثر من عشرين محللاً ومسؤولاً حكومياً وغيرهم من المتخصصين الأميركيين الصينيين، كجزء من تحقيق أجرته نيوزويك لمدة أربعة أشهر، إلى أن هناك عدداً لا يحصى من الطرق الأخرى التي يعمل بها الحزب الشيوعي الصيني والكيانات الأخرى المرتبطة بالحكومة، من خلال قنوات متعددة في الولايات المتحدة على المستوى الفيدرالي ومستوى الولايات والمستوى المحلي، لتعزيز الظروف والاتصالات التي من شأنها تعزيز مصالح وطموحات بكين السياسية والاقتصادية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتشمل هذه القنوات شركات وجامعات ومراكز أبحاث ومجموعات اجتماعية وثقافية ومنظمات الشتات الصيني ووسائل الإعلام الناطقة باللغة الصينية وتطبيق WeChat للوسائط الاجتماعية والرسائل الصينية، كما يقول جون جارناوت، المحلل السياسي الأسترالي والباحث في التدخلات الخارجية للحزب الشيوعي الصيني الحاكم.
600 مجموعة
بشكل منفصل، حددت نيوزويك نحو 600 مجموعة من هذا القبيل في الولايات المتحدة، وكلها على اتصال منتظم مع الحزب الشيوعي الصيني وموجهة من قبله، وهي نسخة واسعة النطاق من نمط موجود في بلدان أخرى حول العالم، بحسب قول المجلة الأميركية.
وتشير المجلة إلى أنه ليس عادة أن تنشر هـذه الحملات الصينية معلومات مضللة، لكنها تشارك المحتوى الأصلي من مصادر إخبارية شرعية مثل نيويورك تايمز وإم إس إن بي سي وغيرهما، إلى جانب تغريدات من مجموعات الحقوق المدنية، والتي سلطت الضوء على الانقسامات العرقية وعدم المساواة في الولايات المتحدة.
ويظهر أن نطاق الأنشطة المزعومة هائل، بما في ذلك التجمعات الاجتماعية والتجارية وحملات المعلومات المكثفة وبناء العلاقات السياسية والاقتصادية التي يمكن الاستفادة منها لتحقيق مكاسب لبكين. وهناك أيضاً اتهامات بالتجسس الاقتصادي على نطاق واسع، ففي خطاب ألقي هذا الصيف في معهد هدسون، أفاد مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي، كريستوفر وراي، بأن الوكالة تفتح تحقيقاً مرتبطاً بالصين كل 10 ساعات، ومن بين ما يقرب من 5000 حالة تجسس نشطة في الولايات المتحدة، يرتبط نصفها تقريباً بالصين.
نفي صيني
ومع ذلك تنفي السلطات الصينية هـذه الاتهامات وتقول، إن الولايات المتحدة تشوه تعاملاتها مع مجموعات المجتمع المحلي، وتنفي بشدة أنها تتدخل في الشؤون الداخلية للولايات المتحدة. ورداً على اتهامات سابقة، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية في أبريل (نيسان) الماضي، إن الانتخابات الرئاسية الأميركية تعد شأناً داخلياً، ولا نسعى للتدخل فيها.
السلاح السحري
لكن بحسب تحليل المركز الأسترالي وتحقيق نيوزويك، فإنه للمساعدة في تنفيذ برنامج التأثير والتدخل في الولايات المتحدة، تعتمد الصين على ما تسميه "السلاح السحري" وهو نظام "الجبهة المتحدة " الذي يقوده قسم لدى الحزب الشيوعي يسمى إدارة عمل الجبهة المتحدة. وهو "شبكة من وكالات الحزب والدولة المسؤولة عن التأثير على الجماعات خارج الحزب"، داخل وخارج الصين، كما يقول أليكس جوسك، الباحث في السياسة الصينية في معهد السياسة الإستراتيجية الأسترالي. وتقليدياً، ركزت الجبهة المتحدة، على الجاليات الصينية في الخارج، مناشدة إحساسهم بالولاء العرقي لإقناعهم برد جميل الوطن الأم. وغالباً ما يتم تضمين المنفعة الشخصية، حيث يوفر النظام فرصاً تجارية مقابل حسن النية والتعاون.
وتقول نيوزويك، إنها حددت عدداً من المنظمات باعتبارها تابعة للجبهة المتحدة في جميع أنحاء الولايات المتحدة: ما لا يقل عن 83 جمعية صينية محلية للمهاجرين، 10 "مراكز المساعدة الصينية"، 32 غرفة تجارية، 13 من وسائل الإعلام باللغة الصينية، نحو 70 جمعية للمهنيين الصينيين في الولايات المتحدة، 38 منظمة تعمل على "إعادة التوحيد السلمي" للصين وتايوان، خمس "منظمات صداقة" و129 مجموعة أخرى تشارك في مجموعة من الأنشطة مثل التعليم والثقافة. إضافة إلى ذلك، هناك 265 اتحاداً صينياً للطلاب والعلماء لما يقرب من 300 ألف طالب صيني في الولايات المتحدة، وترتبط بسياسة الحزب الشيوعي الصيني، غالباً عن طريق الدبلوماسيين الصينيين.
ومع ذلك تلفت المجلة إلى أن أعضاء هذه المجموعات، ومعظمهم من أصل صيني، قد لا يكونون على دراية بعلاقات المنظمة بالحزب الصيني الحاكم، إذ يمكن للأفراد الانضمام للإحساس بالانتماء المجتمعي أو للبحث عن فرصة عمل. على الرغم من ذلك، يقول ياكيو وانج، المحلل لدى منظمة "هيومن رايتس ووتش"، إنه قد تتنافس المجموعات لتكون قريبة من السفارة الصينية وقنصلياتها على أمل الحصول على مكانة ومزايا.