تحدت مجموعة من الأعضاء "المحافظين" في البرلمان البريطاني الذين يمثلون مقاعد مناطق شمال إنجلترا، بوريس جونسون، مطالبة إياه بالوفاء بوعوده التي أطلقها خلال حملته الانتخابية لجهة وضع مخطط للنهوض بأوضاع المدن الشمالية الفقيرة.
ففي تحذير واضح من أن وباء فيروس كورونا ينذر بتوسيع الفجوة بين شمال البلاد وجنوبها، و"بدفع المناطق الشمالية إلى مزيد من التقهقر"، أعلنت "مجموعة أبحاث الشمال" Northern Research Group (وهي مجموعة نيابية من حزب المحافظين تمثل شمال البلاد) أن أولويتها الملحّة هي وضع "خريطة طريق واضحة للخروج من الإغلاق" الذي فرضه تفشّي الوباء والذي أدّى إلى وضع مناطق مثل مانشستر الكبرى وميرسيسايد ويوركشاير والشمال الشرقي، تحت ضغط قيود هي أشدّ من تلك المطبّقة في أنحاء عدة من جنوب البلاد.
في المقابل، امتنع النواب الـ54 عن منح غطاء للمتمرّدين داخل الحزب، مؤكدين الإصرار على أن هدفهم ليس "إحراج الحكومة أو زيادة الضغط عليها".
لكن الرسالة التي وجّهها هؤلاء إلى رئيس الوزراء البريطاني تعكس قلقهم المتزايد من أن عامل الجذب (الذي تمثل بوعده بأنه سيجلب الازدهار الاقتصادي إلى تلك المناطق) الذي أغرى الناخبين بالتصويت لحزب "المحافظين" لانتزاع مقاعد كان يسيطر عليها حزب "العمال" في منطقة تطلق عليها تسمية "الجدار الأحمر" (لتصويتها تقليدياً لصالح حزب العمال)، قد تراجع منذ انتخابات ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي.
حزب "العمال" المعارض (سارع إلى التقاط اللحظة ليصوّب على رئيس الوزراء) بقوله إن ما حصل، يعدّ إشارة إلى أنه "حتى نواب حزب بوريس جونسون يدركون أنه لا يمكن الوثوق فيه للوفاء بوعوده".
أما العضو في البرلمان عن مقعد روسيندايل وداروين في لانكشير جايك بيري، وهو زعيم "مجموعة أبحاث الشمال" والوزير السابق الذي كلّف إدارة حقيبة Power House (مبادرة لتعزيز النمو الاقتصادي في شمال إنجلترا، لا سيما في المدن الأساسية)، فذكّر بأن "عودة حزبنا إلى الحكومة في ديسمبر العام الماضي، تحقّقت بفضل الدعم الذي منحنا إياه أشخاص مجتهدون عملوا بجدّ في دوائر انتخابية كدائرتنا، وقاموا بتأييد حزب المحافظين للمرّة الأولى منذ نحو جيل، وقد أخذوا هذا الخيار بناءً على وعد بألا يتم نسيانهم أو تجاهلهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف بيري: "لا يمكننا أن ننسى أنه يجب علينا الوفاء بالتعهّدات التي قطعناها على أنفسنا خلال تلك الانتخابات لجهة النهوض بالمجتمعات الشمالية وتحسين أوضاعها الاقتصادية وإيجاد فرص استثمارية في جميع أنحاء منطقتنا".
وذكّرت "مجموعة أبحاث الشمال" في المقابل، بأن الاقتصادات المحلية في الشمال الإنجليزي، تواجه في ظل غياب اتجاه محتمل للتخفيف من حدة القيود المفروضة على هذه المناطق من جرّاء تفشي فيروس كورونا، صعوبات ومحنة مستمرة، مع إقفال الشركات أبوابها وفقدان فرص العمل.
وأشار رئيس المجموعة إلى أن "مناطق الشمال واجهت مستوى من الضرر لم تشهده أجزاء أخرى من البلاد. فقد كشف الفيروس بوضوح النقاب عن الفجوة العميقة في البنية التحتية والأنظمة المتّبعة التي تغرق فيها مجتمعاتنا، وتهدد بزيادة مستويات التفاوت بشكل أكبر بين مناطق الشمال والجنوب.
وقال جايك بيري إن "فئة الناخبين في دوائرنا كانت من أشدّ الجهات تضرّراً من هذا الفيروس، بحيث خسر كثيرون منهم وظائفهم وأعمالهم ومصادر رزقهم". واعتبر أنه "لا توجد أيّ قضية سياسية أو اقتصادية أكثر أهمية وإلحاحاً يمكن أن تتقدّم على مسألة دعم تلك المجتمعات المهددة في الشمال. لكن بدلاً من المضي قدماً ضمن مسار طموحاتنا المشتركة، فإن مفاعيل وباء كوفيد - 19 وزيادة تفشي الفيروس باتت تهدد بدفع الشمال في الاتجاه المعاكس".
وأوضح أن "أولويات المجموعة تمثّلت في وضع خريطة طريق واضحة لتخفيف مستويات التأهّب المتعلقة بإجراءات مواجهة كورونا، تمهيداً لإزالة القيود كلّياً. ومن ثم اعتماد خطة التعافي الاقتصادي لمناطق الشمال". ودعا بيري رئيس الوزراء البريطاني إلى "التعاون معهم لترجمة التزامهم المشترك الهادف إلى ردّ الاعتبار إلى المجتمعات الشمالية بتعزيز اقتصادها وإعادة بنائه بشكل أفضل".
ويليام راغ، النائب في حزب "المحافظين" عن مقعد هيزل غروف في مانشستر الكبرى، أكد هو الآخر أن "مناطق الشمال كانت في حاجة منذ فترة طويلة إلى خطة (نهوض) اقتصادية صلبة من جانب الحكومة، وقد جاء الفيروس ليزيد من حدّة هذه الحاجة".
وأضاف: "نحن لا نهدف من خلال هذا التحرك إلى التسبب بإحراج للحكومة أو زيادة الضغط عليها، فرئيس الوزراء يشاركنا تلك الأولويات التي نلتقي عليها. لكن بصفتنا مجموعة النواب التي تمثل الشمال، يمكننا أن نقدّم حججاً مقنعة وبنّاءة إلى الحكومة حول كيف يمكنها الوفاء بوعدها لجهة النهوض بأوضاع المناطق الشمالية".
تجدر الإشارة إلى أن نحو 40 نائباً من حزب المحافظين وقّعوا على الرسالة الموجّهة إلى رئيس الوزراء، في حين حذف قرابة 14 من مؤيديهم أسماءهم، كما أفادت "مجموعة أبحاث الشمال".
ماذا عن موقف الحكومة البريطانية؟ متحدّث باسم "10 داونينغ ستريت"، علّق: "نحن ملتزمون كلّياً تحسين الأوضاع في مختلف أنحاء البلاد وإعادة البناء بشكل أفضل بعد مرحلة فيروس كورونا".
وأضاف: "لقد قطعنا في الانتخابات الأخيرة وعداً رسمياً بأننا سنعكف على تحسين مستوى حياة الناس في هذه المناطق، وعلى الرغم من أن الوباء لم يجعل من السنة 2020 ما كنّا نأمل جميعاً في أن تعود علينا به، فإن الطموحات الوطنية التي لا نزال نتمسك بها تبقى راسخة ولم تتغير".
بريدجيت فيليبسون، السكرتيرة الرئيسة لوزارة الخزانة في حكومة الظل "العمالية"، أشارت إلى أن "حتى نواب حزب بوريس جونسون يدركون أنه لا يمكن الوثوق به للوفاء بوعوده".
وقالت أخيراً إن "الحكومة كانت تتعامل مع المجتمعات المحلية بازدراء. والواقع أن قرار عدم تمديد الوجبات المجانية في المدارس يعدّ أوضح إشارة حتى الآن إلى أن ’المحافظين‘ يجهلون ترتيب الأولويات بحسب الأصول، ولا يقفون إلى جانب الأسر البريطانية".
© The Independent