أثارت الصور الكاريكاتورية التي نشرتها صحيفة شارلي إبدو الفرنسية الخاصة بالرسول محمد، وعرضها أستاذ التاريخ صموئيل باتي، وما نتج عن ذلك من جريمة شنعاء، حين تم قطع رأس الأستاذ في وضح النهار وأمام ثانويته وعلى أبواب باريس، أثارت كثيراً من النقاش والشتائم والقذف المتبادل بين الشخصيات السياسية ورجال الإعلام والكتاب والفنانين ورجال الدين.
وفي ظل هذا الجدل، نتساءل عن مفهوم "الاستفزاز"، وكيف توظف تهمة "الاستفزاز" في البلدان غير الديمقراطية من أجل كبح حرية الإبداع وتكميم أفواه المفكرين والفلاسفة.
في مجتمع منمّط ثقافياً، حين يراد إطلاق تهمة على الكاتب لمحاكمته أو تهميشه أو تسكيته، يقال عنه: إنه مستفز، إنه جدالي، إنه كاتب مثير للشغب.
كيف يمكننا تحديد مفهوم "الاستفزاز" الأدبي أو الفلسفي في رأس جزائري أو في رؤوس الذين يشبهونه، وهم كثر في العالم الذي ننتمي إليه؟ إن "الاستفزاز" في الكتابة هو تجاوز للخطوط الحمراء، لكن ما هي هذه الخطوط الحمراء؟ "الاستفزاز" هو الكتابة عن المواضيع الحساسة، لكن ما هي هذه المواضيع الحساسة؟ الاستفزاز هو بث الفوضى الخلاقة في النظام السائد، لكن ما هو هذا النظام السائد؟
في عيون القوى المحافظة الماضوية، الكتابة في موضوع يوقظ الوعي، ويحرك الذكاء الفردي والجمعي، ليطرح استفسارات وأسئلة لدى القارئ، هذه الكتابة بمقارباتها غير العادية تصنف في باب "الاستفزاز".
من هنا، فالكتابة عن التطرف الإسلاموي استفزاز، والكتابة عن مطلب تعدد اللغات في الجزائر استفزاز، والكتابة عن حقوق حرية المرأة استفزاز، والكتابة عن المساواة في الجنس استفزاز، والكتابة عن حق ملكية المرأة لجسدها في مجتمع ذكوري استفزاز، والكتابة عن الهيمنة الذكورية استفزاز، والكتابة من أجل إدانة التحرش الجنسي أو العنف ضد المرأة استفزاز، والكتابة عن زنا المحارم، الذي هو مرض "سوسيو" نفساني والمنتشر بكثرة في القرى والمدن الداخلية هو استفزاز، والكتابة عن الـ "بيدوفيليا" في المدارس التحضيرية استفزاز، والكتابة عن المثلية الجنسية استفزاز، والكتابة عن غياب حقوق الإنسان في مجتمعاتنا استفزاز، والكتابة عن الفساد المالي المعمم في البلاد استفزاز، والكتابة عن المناضل سعيد سعدي استفزاز، والكتابة عن فضائل العلمانية في تسيير شؤون الدولة المدنية استفزاز، والكتابة عن السوق المربحة في الأعضاء البشرية استفزاز، والكتابة عن الاستثمار السياسي والأيديولوجي في لباس المرأة المسلمة استفزاز، والكتابة عن جمال موسيقى الراي استفزاز، والكتابة عن وطنية المغنية الشيخة الريميتي استفزاز، والكتابة عن ظاهرة الهوس الجنسي استفزاز، والكتابة عن تاريخ اليهود الجزائريين استفزاز، والكتابة عن دور المدرسة اليهودية وتأثيرها على الموسيقى الجزائرية استفزاز، والكتابة عن ضرورة تعليم اللغة العبرية في الجامعات الجزائرية استفزاز، والكتابة عن مكانة اللغة الفرنسية في المجتمع الجزائري حيث 11 مليون جزائري يستعملونها استفزاز، والكتابة عن الموقع المشرف للآداب الجزائرية المكتوبة بالفرنسية استفزاز، والكتابة عن ضرورة تعميم تعليم اللغة الأمازيغية في المنظومة التربوية في الجزائر استفزاز، والكتابة عن الاغتيالات التي مارسها الإخوة الثوار ضد إخوتهم في الثورة زمن الثورة استفزاز، والكتابة عن اغتيال المناضل الثوري عبان رمضان منظّر الثورة الجزائرية من قبل إخوانه زمن الحرب الجزائرية استفزاز.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والكتابة عن الجهوية الإيجابية في الحكامة كمخرج للأزمة السياسية، وتقوية للوحدة الوطنية والحفاظ عليها استفزاز، والكتابة عن فرحات مهني رئيس "الماك" (الحركة من أجل استقلال منطقة القبائل) استفزاز، والكتابة عن منطقتي بني سنوس الأمازيغية اللسان في منطقة تلمسان استفزاز، والكتابة عن سرقات أموال الزكاة استفزاز، والكتابة عن التاريخ العريق للنبيذ الجزائري استفزاز، والكتابة عن الوسائل العجيبة التقليدية التي تستند إليها لجنة مراقبة الأهلّة لتحديد بداية شهر رمضان أو نهايته، في زمن التكنولوجيا المعقدة والدقيقة، استفزاز. والكتابة عن المسافة المتغيرة ما بين المقدّس والمدنّس في الثقافة الإسلامية استفزاز، والكتابة عن حق وجود وعيش الديانات الأخرى في بلادنا إلى جانب الإسلام استفزاز، والكتابة عن استعمار المسلمين لإسبانيا مدة ثمانية قرون استفزاز... والكتابة عن الاستفزاز هي أيضاً استفزاز!
إن الاستفزاز المؤسس على معرفة هو فنّ ومسؤولية، الاستفزاز الذكي في الكتابة الأدبية ليس قضية عرضية أو بسيطة، والاستفزاز الفلسفي هو الطاقة التي تحرك الآداب المسكونة بقضايا مجتمعاتها وتحترم ذكاء مواطنيها وتسهم في تعميقه بالأسئلة الجديدة.
إن الاستفزاز الإيجابي التاريخي في الكتابة الإنسانية العالمية له أسماء وعناوين، كاتب ياسين وأبو نواس وأبو العلاء المعري وبودلير والطاهر جاووت والشيخ النفزاوي ومحمد شكري ومظفر النواب والشيخ السيوطي ونينا بوراوي وهنري ميللير.