باشر البرلمان الجزائري بغرفتيه، الأولى والثانية (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة) إرسال دعوات إلى جميع النواب ضمن رسائل نصية من أجل الاستعداد لجلسة استثنائية نهاية الأسبوع الحالي (دون تحديد تاريخها) لإقرار شغور منصب رئيس الجمهورية. ووجّه عبدالعزيز بوتفليقة رسالة ثانية اعتذر فيها من الجزائريين. ويأتي ذلك في سياق مطالبات جديدة للجيش بتفعيل مواد دستورية تمنع المرور بورقة عبد القادر بن صالح لخلافة بوتفليقة مدة تسعين يوماً.
لم ينتظر المجلس الدستوري كثيراً، ليعلن شغور منصب رئيس الجمهورية بعدما أبلغه بوتفليقة بإنهاء عهدته الانتخابية ابتداء من 2 أبريل (نيسان) الحالي. وجاء في بيان للمجلس الدستوري في نهاية اجتماعه "يثبت الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية طبقاً للمادة 102 الفقرة 4 من الدستور". وتبلغ الأربعاء، 3 ابريل (نيسان)، "شهادة التصريح بالشغور النهائي لرئاسة الجمهورية، إلى البرلمان طبقاً للمادة 102 الفقرة 5 من الدستور".
وتنص المادة المذكورة "في حالة استقالة رئيس الجمهورية أو وفاته، يجتمع المجلس الدستوري وجوباً ويثبت الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية وتبلغ فوراً شهادة التصريح بالشغور النهائي إلى البرلمان الذي يجتمع وجوباً ويتولى رئيس مجلس الأمة مهمات رئيس الدولة لمدة أقصاها تسعون (90) يوماً تنظم خلالها انتخابات رئاسية ولا يحق لرئيس الدولة المعين بهذه الطريقة أن يترشح لرئاسة الجمهورية".
وجاء في نص المادة "إذا اقترنت استقالة رئيس الجمهوريّة أو وفاته بشغور رئاسة مجلس الأمّة لأيّ سبب كان، يجتمع المجلس الدّستوريّ وجوباً، ويثبت بالاجماع الشّغور النّهائيّ لرئاسة الجمهوريّة وحصول المانع لرئيس مجلس الأمّة. وفي هذه الحالة، يتولّى رئيس المجلس الدّستوريّ مهمات رئيس الدّولة. يضطلع رئيس الدولة المعين حسب الشروط المبينة أعلاه بمهمة رئيس الدولة طبقاً للشّروط المحدّدة في الفقرات السّابقة وفي المادّة 104من الدّستور. ولا يمكنه أن يترشّح لرئاسة الجمهوريّة".
دعوات إلى تفادي حتمية بن صالح
حتى اجتماع البرلمان بغرفتيه، سيكون المشهد السياسي أمام تبعات المادة 102 وحدها، بمعنى أمام مسار يقوده عبد القادر بن صالح، المرفوض شعبياً وسياسياً وعلى الرغم من أن الرجل لن يكون بمقدوره التشريع بأوامر رئاسية، أو المبادرة بتعديل الدستور أو إعلان حالة الطوارئ أو الحالة الاستثنائية ولا حلّ المجلس الشّعبي الوطني، أو إجراء انتخابات تشريعيّة قبل أوانها، وحتى تعديل الحكومة، فإن قيادته الدولة مرفوضة بشكل واسع من الشارع، الذي رفع مطلباً جديداً للمؤسسة العسكرية بتفعيل المادتين 07 و08 مثلما تعهدت.
ومباشرة، بعد إقرار شغور منصب الرئيس، بدأت التحضيرات على مستوى البرلمان بغرفتيه، من أجل استدعاء نواب كل من المجلس الشعبي الوطني، ونواب مجلس الأمة، لعقد جلسة غير عادية من باب الوجوب وفق ما ينص عليه الدستور .
وعلم من مصادر برلمانية أن الاجتماع سيتم في الساعات المقبلة بالقاعة الكبرى لنادي الصنوبر غرب العاصمة، وقال النائب في البرلمان نزيه برمضان لـ"اندبندت عربية"، وهو رئيس كتلة النواب (من دون انتماء)، أن "مكتب المجلس يشتغل على استدعاء النواب في أسرع وقت ممكن، إذ قد تتم الجلسة نهاية الأسبوع الجاري".
وتقتضي هذه المرحلة من البرلمان "تشكيل لجنة مشتركة بين الغرفتين لصوغ بيان نظامي عن إجراءات الجلسة"، ويفترض "أن يكون أعضاؤها أعضاء في اللجنتين القانونيتين في الغرفتين"، والمرجح أن تكون "الجلسة علنية إلا في وجود استثناءات".
قايد صالح في موقف جديد أمام الشارع
ولأن وزارة الدفاع الوطني كانت طرفاً مباشراً في مواجهة مباشرة مع سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الجزائري، الذي وصف في آخر بيان للمؤسسة العسكرية على أساس مصطلح قانوني "العصابة"، فإن مطالب جديدة رفعت للفريق أحمد قايد صالح، للإيفاء بتعهداته، لا سيما تفعيل المادتين 7 و8 من الدستور، مع مقترحات بحذف ما سمي "الباءات الثلاث" من المشهد السياسي في إشارة إلى عبد القادر بن صالح وبدوي نور الدين وبلعيز الطيب، وهم على التوالي رئيس مجلس الأمة، الوزير الأول ورئيس المجلس الدستوري.
وليست أطراف الحراك الشعبي من يدفع في اتجاه تفعيل أليات أخرى فحسب، فمن الموالاة نفسها صدرت البيانات تباعاً، الأربعاء، تثمن جميعها استقالة بوتفليقة. وجاء في بيان صادر عن هيئة تنسيق جبهة التحرير الوطني أن الحزب يقدر موقف الرئيس بوتفليقة الذي تجاوب مع ظروف المرحلة، ويؤيد البيان خطوات الجيش لتفعيل مواد أخرى بعد 102.
كذلك سجل حزب التجمع الوطني الديمقراطي في بيان ارتياحه إلى استقالة بوتفليقة منوهاً بموقف الجيش الوطني الشعبي الذي أسهم في الوصول إلى هذا الحل الدستوري. وثمّن حزب تجمع أمل الجزائر الخطوة، معتبراً اياها مخرجاً دستورياً سليماً لتجسيد المادة 102 المرفقة بالمادتين 7 و8 من الدستور. وحيا حزب عمارة بن يونس مسيرة إنجازات رئيس الجمهورية خلال العشرين سنة الماضية مشيداً بالموقف الوطني للمؤسسة العسكرية، داعياً إلى انتقال سلمي يؤدي إلى انتخابات رئاسية شفافة.
بوتفليقة للجزائريين: "أعتذر منكم"
وعقب إقرار شغور منصبه في رئاسة الجمهورية، وجّه الرئيس المستقيل بوتفليقة رسالة جديدة للجزائريين، أقر فيها ضمناً بأخطاء شابت فترة حكمه، قائلاً "ألتمس الصفح ممن قَصَّرت في حقهم من أبناء وطني من حيث لا أدري".
وذكر بوتفليقة في رسالة الوداع "أنني أغادر سدة الـمسؤولية وجب علي ألا أنهي مساري الرئاسي من دون أن أوافيكم بكتابي الأخير هذا وغايتي منه ألا أبرح الـمشهد السياسي الوطني على تناء بيننا يحرمني من التماس الصفح ممن قَصَّرت في حقهم من أبناء وطني وبناته، من حيث لا أدري على الرغم من حرصي على أن أكون خادماً لكل الجزائريين والجزائريات بلا تمييز أو استثناء".
ورد في الرسالة أيضاً "الآن، وقد أنهيت عهدتي الرابعة، أغادر سدة الـمسؤولية وأنا أستحضر ما تعاونا عليه، بإخلاص وتفانٍ، فأضفنا لبنات إلى صرح وطننا وحققنا ما جعلنا نبلغ بعض ما كنا نتوق إليه من عزة وكرامة بفضل كل من ساعدني من بناته وأبنائه البررة". وزاد "رغم الظروف الـمحتقنة، منذ 22 فبراير (شباط) الـماضي، أحمد الله على أنني ما زلت كلي أمل أن الـمسيرة الوطنية لن تتوقف وسيأتي من سيواصل قيادتها نحو آفاق التقدم والازدهار مـولِياً، وهذا رجائي، رعاية خاصة لتمكين فئتي الشباب والنساء من الوصول إلى الوظائف السياسية والبرلـمانية والإدارية، ذلك أن ثقتي كبيرة في قدرتهما على الـمساهمة في مغالبة ما يواجه الوطن من تحديات وفي بناء مستقبله".
وفي فقرة أخرى قال "أخاطبكم مودعاً وليس من السهل عليّ التعبير عن حقيقة مشاعري نحوكم وصدق إحساسي تجاهكم ذلك أن في جوانحي مشاعر وأحاسيس لا أستطيع الإفصاح عنها و كلماتي قــــاصرة عن مكافـأة ما لقيته من الغالبية العظمى منكم من أياد بيضاء ومن دلائل الـمحبة و التكريم".
وبحسبه، فقد "تطوعت لرئاسة بلادنا استكمالاً لتلك المهمات التي أعانني الله على الاضطلاع بها منذ أن انخرطت جندياً في جيش التحرير الوطني الـمجيد إلى الـمرحلة الأولى ما بعد الاستقلال، وفاء لعهد شهدائنا الأبرار، وسلخت مما كتب لي الله أن أعيشه إلى حد الآن عشرين سنة في خدمتكم، والله يعلم أنني كنت صادقاً ومخلصاً، مرت أيام وسنوات كانت تارة عجافاً وتارة سنوات رغد، سنوات مضت وخلفت ما خلفت مما أرضاكم ومما لـم يرضكم من أعمالي غير الـمعصومة من الخطأ والزلل".
ولفت بوتفليقة إلى أنه غير حزين على مغادرته سدة الحكم " أغادر الساحة السياسية وأنا غير حزين ولا خائف على مستقبل بلادنا، بل أنا على ثقة بأنكم ستواصلون مع قيادتكم الجديدة مسيرة الإصلاح والبذل والعطاء على الوجه الذي يجلب لبلادنا مزيداً من الرفاه والأمن بفضل ما لمسته لدى شبابنا، قلب أمتنا النابض، من توثب وإقدام وطموح وتفاؤل".
وتمنى ألا "يعني لزوم بيتي، بعد اليوم، قطع وشائج الـمحبة والوصال بيننا ولن يعني رمي ذكرياتي معكم في مهب النسيان وقد كنتم، وستبقون تسكنون في سويداء قلبي".
وختم "أطلب منكم وأنا بشر غير منزه عن الخطأ، الـمسامحة والـمعذرة والصفح عن كل تقصير ارتكبته في حقكم بكلمة أو فعل".