تشهد الساحة السياسية الإسرائيلية شرخاً داخلياً هو الأخطر منذ تشكيل الحكومة الحالية، بعدما بات مستقبلها على المحك على أكثر من صعيد، لا سيما لجهة التظاهرات والاحتجاجات الصاخبة التي لم يسبق لها مثيل في إسرائيل، والموجهة ضد الحكومة وسياستها، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية التي تعيشها.
كذلك تعصف الخلافات داخل حزب الليكود الحاكم نفسه، في ظل عدم المصادقة على الموازنة والأوضاع الاقتصادية الصعبة، ووضعية رئيس الحزب بنيامين نتنياهو القانونية مع زيادة الخطر على مستقبله السياسي باحتمال تشكيل لجنة تحقيق في قضية الغواصات، إلى جانب ملفاته الجنائية ومحاكمته خلال الأشهر القليلة المقبلة.
كما برز توجه حزب "أزرق – أبيض" نحو الانسحاب من الحكومة، على الرغم من عدم بتّ رئيس الحزب بيني غانتس في هذا الشأن، ودخوله في خلافات مع قياديين في حزبه يطالبون باتخاذ القرار فوراً.
هذه الوضعية تضع حكومة نتنياهو أمام مفترق طرق، إذ عليه اتخاذ قرارات في بعض القضايا المطروحة، وفي مقدمتها قضية المصادقة على الموازنة.
وفي الوقت ذاته، عليه اتخاذ خطوات تشجع غانتس على البقاء في الحكومة، وتقوي موقفه داخل حزبه، حيث تسود خلافات بين غانتس ووزير الخارجية غابي أشكنازي ووزير القضاء آفي نيسانكورين. ويطالب الوزيران رئيس حزب "أزرق – أبيض" باتخاذ قرار حاسم حول شراكته مع حكومة نتنياهو، والإعلان الفوري عن موقف يؤدي إلى حل الحكومة، على خلفية عدم المصادقة على الموازنة.
وعقد الحزب اجتماعاً طارئاً في منزل غانتس لاتخاذ موقف مقبول من جميع قيادات الحزب يمنع حدوث شرخ داخله. ونُقل عن مسؤول شارك في الاجتماع أن الأجواء كانت متوترة، وهناك من تحدث بشكل واضح عن رياح الانتخابات التي "باتت تعصف بالجو، ما يستدعي اتخاذ قرار قبل أن يفرض نتنياهو أجندته وجدوله الزمني على الحكومة وحزب أزرق – أبيض".
تراجع حزب غانتس وتقدم حزب نتنياهو
في ظل هذه الأجواء، عادت الجهات ذات الشأن إلى إجراء استطلاعات رأي تستكشف فيها وضعية الأحزاب، في حال تم بالفعل حل الحكومة وتوجهت إسرائيل نحو انتخابات جديدة.
ودلّ آخر استطلاع رأي أجرته قناة 13 الإسرائيلية على ارتفاع قوة تمثيل حزب الليكود إلى 29 مقعداً في مقابل 10 مقاعد فقط لحزب "أزرق – أبيض". وأشار الاستطلاع إلى أن تحالف أحزاب اليمين المتطرف لن يحصل على أكثر من 22 مقعداً. وفي هذه النتيجة يكمن الخطر على نتنياهو، إذ تضعه أمام مفترق طرق يكون وضعه فيهما سيئاً، سواء توجه إلى الانتخابات أو بقي يصارع الخلافات الداخلية.
أزمة الموازنة
مع ظهور نتائج تلك الاستطلاعات، والصراعات بين أحزاب الائتلاف الحكومي من جهة، وداخل الأحزاب نفسها من جهة أخرى، خرجت أصوات محذرة من اتخاذ أية خطوة تؤدي إلى حل الحكومة، لأن أية نتيجة متوقعة ستبقي الوضع على ما هو عليه اليوم، والتعادل السياسي بين اليمين واليسار لن يتغير، لكن مسألة الموازنة والمطالبة بتشكيل لجنة تحقيق مع نتنياهو في قضية الغواصات، ستدفعان نحو حلّ الحكومة والتوجه إلى انتخابات جديدة. فمنذ عام 2018 تعمل الحكومة الإسرائيلية من دون موازنة، وتم إنهاء الأزمة التي نشبت بين حزبي الليكود و"أزرق - أبيض" بحل وسط، قضى بمنح الحكومة فترة تأجيل مدتها ثلاثة أشهر لإقرار موازنة 2020 حتى الأسبوع الأخير من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، أي بعد حوالى شهرين.
ودعا غانتس رئيس الحكومة نتنياهو إلى إعداد موازنة لعام 2021 وطرحها على الحكومة والكنيست حتى ديسمبر لإقرارها. وكتب في هذا الشأن، "لقد خرقت الاتفاق بيننا، فلا تمس بمواطني الدولة". وشدد غانتس على أنه سيتوجه نحو حل الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة في حال عدم إقرار الموازنة العامة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما نتنياهو فيمنع المصادقة على الموازنة، كي يمتنع عن نقل رئاسة الحكومة إلى غانتس، ويتجه إلى الانتخابات في الموعد المناسب له، ومن موقعه كرئيس حكومة مؤقت.
وبحسب الاتفاق بين الليكود و"أزرق - أبيض"، فقد كان يفترض أن يصادق على الموازنة مع نهاية أغسطس (آب) الماضي، لكن نتنياهو تجاهل مضامين الاتفاق، ما استدعى أن يطلق غانتس تهديداته بالانسحاب.
وكان الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين أطلق نداء للحكومة عبّر فيه عن انعكاسات عدم إقرار الموازنة، وقال إنه "منذ سنتين تدار إسرائيل من دون موازنة. جهاز التعليم لا ينجح في بلورة اتجاه واضح لمواجهة تحدي التعليم عن بعد، والعديد من الطلاب بقوا في الخلف، والفجوة الرقمية تتسع، ومن شأننا أن نفقد جيل المستقبل. أعمال تجارية تنهار، معدل البطالة عال، والعجز المالي اتسع، والجهاز الصحي يجثم تحت عبء الوباء. أجيزوا موازنة الآن، وأتيحوا للاقتصاد الإسرائيلي استقراره الأساسي الذي يحتاجه".
المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق
ووصلت ذروة الأزمة على الساحة السياسية هذا الأسبوع إلى رفع مطلب تشكيل لجنة تحقيق مع نتنياهو في قضية الغواصات. ويدور في هذا الملف الحديث عن مسألتين منفصلتين، الأولى هي الإذن الذي أصدره نتنياهو سراً للحكومة الألمانية لإنتاج غواصات متطورة لسلاح البحرية المصرية. والثانية هي التوصية بأن تشتري إسرائيل عدداً من الغواصات، والإصرار على شراء السفن الميدانية من شركة "تسنكروف"، وشراء سفن ضد الغواصات، ومشاركة ميكي غانور ودافيد شمرون وتشايني مروم وسلسلة مشبوهين آخرين توزيع الغنيمة.
وتكمن خطورة الصفقة المصرية في إخفاء نتنياهو قراره الذي صدر خطياً عن قادة جهاز الأمن، من دون أن يتضح من وقّع على هذه الصفقة، علماً أن المدير العام لوزارة الأمن الإسرائيلية، دان هرئيل، أصرّ على نشر العطاء الذي تقدمت به خمس شركات لبناء السفن، من كوريا الجنوبية وإيطاليا وإسبانيا.
في المقابل، لم يتقدم الألمان بعطاء لكنهم عرضوا سعراً مخفضاً بشكل غير معقول. ومن دون معرفة وزارة الأمن الإسرائيلية، توصلت هيئة الأمن القومي إلى مذكرة تفاهم مع الألمان. ووفق ما هو متبع في إسرائيل، لا يمكن إلا لوزارة الأمن التوقيع على المذكرة. وأُرسلت الوثيقة عبر الفاكس من هيئة الأمن القومي إلى وزارة الأمن، لكن هرئيل رفض التوقيع. وفي غضون بضع ساعات وصلت من هيئة الأمن القومي مذكرة تفاهم جديدة تختلف عن سابقتها، إذ إن الغواصة السابعة التي طلبها نتنياهو اختفت، كما اختفت السفن الزائدة المضادة للغواصات، ليُطلب من وزارة الأمن أن تمزق الفاكس الأول.
إلى جانب هذه التفاصيل، هناك جوانب أخرى شملها الاتفاق مع الألمان من دون علم وزارة الأمن، وهي جوانب تستدعي، بحسب قانونيين وسياسيين، التحقيق فيها، لكن عدم التحقيق من قبل المستشار القانوني للحكومة أو أي هيئة قانونية أو حكومية في الموضوع، دفع إلى المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق مع نتنياهو، وهي قضية تزيد المخالفات الجنائية ضد رئيس الحكومة، وتشكل مادة صراع داخلي بين حزبي الائتلاف الحكومي، الليكود و"أزرق – أبيض"، وداخل هذين الحزبين أيضاً.
يُذكر أن نتنياهو صد حتى الآن كل محاولات تشكيل لجنة تحقيق في هذه القضية.