أشعل حكم أولي أصدره قاض بإحدى المحاكم السعودية منصات التواصل الاجتماعي، بعد رفضه تعويض صاحب متجر لبيع أدوات المعسل والشيشة كان تعرض لسرقة بقيمة 430 ألف ريال سعودي (114 ألف دولار أميركي)، معللاً ذلك بأنه "مال محرّم، وليس فيه منفعة شرعية".
وفي تفاصيل القضية المثيرة للجدل، يقول محامي التاجر السعودي نايف آل منسي، إن القاعدة الشرعية تفيد بأن "اجتهاد ولي الأمر في المسائل الخلافية يقطع الخلاف، فإذا اختار أحد الآراء واعتمد في البلاد، فيجب على المحاكم ألا تقضي بما يتعارض مع ذلك، بغض النظر عن القناعات الشخصية بالمسائل الخلافية".
ويبدو أن ما دفع المحامي لنشر تفاصيل الحكم عبر حسابه الرسمي في "تويتر"، هو أن الشيشة والتبغ ومنتجاتهما تباع في الأسواق السعودية بطرق نظامية وعبر تصاريح من قبل وزارة التجارة والجمارك السعودية والجهات ذات العلاقة.
ويوضح آل منسي أن "الأحكام التي تخالف الأنظمة العامة للدولة لا تُصادق غالباً"، لما فيها من تعد على سلطاتها، وتُنقض من قبل المحكمة العليا في البلاد.
مبررات الحكم
وجاء في تفاصيل مبررات حكم القاضي الذي صدر الخميس الماضي، بأن "ما يطلبه المدعي وكالة بضاعة المعسل هي من قبيل المال المحرم، والقاعدة العامة عند العلماء أن المحرمات لا يجوز بذل العوض فيها لأنها عين محرمة ليس فيها منفعة شرعاً، ولا مالاً متقوماً في نظر الشرع، والمال المحرم هو كل ما حرم الشرع على المسلم تملّكه والانتفاع به، فإن هذا العوض لا يجوز الانتفاع به لأنه عوض خبيث، ولا يعاد على صاحبه لأنه استوفى العوض".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول المحامي، الذي يترافع عن موكله منذ أكثر من عام، إنه "لا يوجد أي نظام في السعودية يخالف الشريعة الإسلامية، إلا أن هناك بعض المسائل التي تواجه خلافاً فقهياً بين العلماء، ومن هنا يحق لولي الأمر الاختيار وفقاً للمصلحة العامة".
باب جديد للسرقة
هذا الحكم دفع كثيرين عبر منصات التواصل إلى التساؤل في شأن جواز حصول السارق على المبلغ أو البضاعة باعتبارها "محرمة شرعاً"، وهو الأمر الذي قد يفتح باباً لسرقة كل ما يقع في مساحة الخلاف الفقهي بين علماء الإسلام، مثل الآلات الموسيقية ومنتجات التبغ والبنوك الربوية وغيرها.
ويشير آل منسي إلى أن هذا الحكم مزدوج بشكل واضح، "لأنه قد يكون دافعاً للاعتداء وسرقة بعض الأموال المصرح بها في البلاد، إذ إن السارق سيتملك المال المسروق بحجة وجود فتوى أو حكم بعدم إباحته". وأضاف، "حتى إن سلّمنا بأن المال الذي حُكم فيه عليه إشكال شرعي، فإنه من غير المباح تمليك هذا المال إلى السارق، وهذا الأمر غير مقبول لا شرعاً ولا عقلاً".
وحاولت "اندبندنت عربية" الوصول إلى تصريح في شأن القضية من المتحدث باسم وزارة العدل السعودية، إلا أنها لم تتلق رداً.
نظام القضاء
تحاول وزارة العدل السعودية دعم منظومة العمل لتحقيق الجودة والشفافية. وفي سبتمبر (أيلول) 2019، دشن وزير العدل وليد الصمعاني "مركز العمليات العدلي" بهدف متابعة مؤشرات الأداء وتحليلها لرفع جودة الخدمات العدلية في البلاد.
وفي جانب آخر، أكد الصمعاني خلال لقاء تلفزيوني أجراه مطلع العام الحالي، أن الوزارة تسعى إلى "ترسيخ منهجية القضاء المؤسسي المعتمد والمستند إلى الشريعة الإسلامية، باعتبارها الثابت الوحيد في القضاء، على أن يصل في النهاية إلى هدف محدد، وهو تأثير الرأي والاختيار الشخصي وتقليل الاجتهادات الفردية".
وأشار الوزير السعودي إلى أن أصول القضاء المؤسسي ليست جديدة، إذ إنها موجودة في نظام القضاء السعودي الصادر عام 2007، وبدأ تفعيلها أخيراً بشكل أكبر، مؤكداً أن التطوير سينقل التأثير الأكبر من الاجتهاد الشخصي للقاضي إلى الاجتهاد المؤسسي، على أن يبقى الأول "العنصر الأبرز لكن ليس الوحيد، ويُراعي المحاكم الأعلى درجة، وبإجراءات منضبطة وموحدة".