منذ العام 2017 قطعت السلطة الفلسطينية رواتب موظفيها في غزّة كإجراء عقابي على تشكيل حركة حماس (تسيطر على القطاع منذ العام 2007) لجنة إدارية لإدارته، إثر تشكيل حكومة الوفاق الموكلة إليها إدارة الأراضي الفلسطينية، والتي جاءت بعد مخاض جولات المصالحة الوطنية في القاهرة.
وبلغت نسبة الرواتب المقتطعة من جميع موظفي السلطة الفلسطينية في القطاع ما يعادل 35 في المئة من إجمالي القيمة المالية التي يتقاضاها الموظف، وبعد عام على هذا التدبير، رفعت وزارة المالية النسبة لتصل إلى 50 في المئة، والتي شملت أيضاً بعض العاملين في السلك الحكومي.
حسومات وتقاعد
لم تقتصر إجراءات السلطة بحق موظفيها في غزّة على ذلك، بل أوقفت بعض الامتيازات المالية الوظيفية عنهم، والتي تشمل العلاوتين الإشرافية والاجتماعية للموظفين وبدل المواصلات، كما أحالت ما يزيد على 13 ألف موظف إلى التقاعد القسري المبكر، إلى جانب رفضها صرف الرواتب بعد الحسم لجميع الموظفين لأكثر من ثلاثة أشهر، بذريعة وجود "خلل فني" في عملية الإحالة المالية وفقاً لحديث عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عزام الأحمد.
على الرغم من فرض الحسومات على موظفي غزّة، إلا أن الحكومة الفلسطينية أشارت في الموازنة العامة لعام 2018 إلى إمكان دمج 20 ألف موظف فقط من قطاع غزة، في حين أن عدد موظفي السلطة الفلسطينية العموميين في القطاع بلغ 62 ألفاً بعد فرض التقاعد القسري المبكر، علماً أن عددهم كان 75 ألفاً (32 ألفاً من المدنيين و43 ألفاً من العسكريين).
يقول الباحث الاقتصادي مازن العجلة إن وجود بند يشمل دمج 20 ألف موظف في الموازنة العامة للحكومة، بينما عدد العاملين يزيد على 62 ألفاً، يعني ذلك أن لدى السلطة الفلسطينية نية في تحويل عدد كبير منهم إلى بند التقاعد القسري المبكر، لافتاً إلى أن هذا الأمر قد يكون منطقياً ليصبح العدد الإجمالي لموظفيها مناسباً موازنتها المالية في ظل وجود عجز كبير.
أموال المقاصة المصدر الأول للسلطة
إلا أنه وبعد حل حماس اللجنة الإدارية، لم تَعِد السلطة الفلسطينية رواتب موظفيها، واستمر الحسم، متذرعة بأن ذلك يعود إلى قطع إسرائيل 190 مليون دولار أميركي من أموال المقاصة (عائدات الضرائب الفلسطينية تجبيها الحكومة الإسرائيلية نيابة عن السلطة، على واردات الأخيرة من إسرائيل والخارج)، الأمر الذي أثر في موازنة السلطة وجعلها عاجزة عن دفع أي رواتب ومستحقات بشكل عام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يشير العجلة إلى أن أموال المقاصة تعد المصدر الأول للأموال الذي تعتمد عليه السلطة الفلسطينية (تشكل 63 في المئة من إجمالي الإيرادات العامة الفلسطينية) لدفع رواتب موظفيها سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزّة، واقتطاع جزء منها أو رفض تحويلها كلها، يؤثر في موازنتها عموماً ويجعلها عاجزة عن الالتزام بالرواتب، وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا لا يعني إعطاء الحسومات صبغة شرعية.
حل مشكلة المقاصة هذا الشهر
على أيّ حال، بدا أن هناك تقارباً واضحاً بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل في حل اقتطاع أموال المقاصة وعدم تحويلها إلى وزارة المالية، ويقر بذلك الأمين العام لمجلس الوزراء الفلسطيني أمجد غانم الذي قال، "هناك جهود تبذل في هذا الملف، إن الحكومة تأمل في أن تستلم أموال المقاصة خلال نوفمبر (تشرين ثاني) الجاري، ومن المتوقع أن يتم دفع الرواتب كاملة لجميع الموظفين العموميين".
ونية السلطة الفلسطينية دفع رواتب موظفيها كاملة حتى في قطاع غزّة، يقول الباحث الاقتصادي مازن العجلة، يشكل توجهاً لديها لتصحيح مسار تعاملها مع موظفيها في القطاع، بالتزامن مع تقاربها مع حركة حماس في ظل الحديث عن إمكان تطبيق المصالحة والذهاب للانتخابات، فهذه الملفات تحتم على السلطة دفع رواتب موظفيها كاملة.
جميع الموظفين
في هذا الوقت، قال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية إنه سيتمّ دفع الرواتب كاملة للشهر الجاري، موضحاً أن إيرادات الحكومة انخفضت إلى أكثر من 50 في المئة، والمساعدات الدولية تراجعت كثيراً، لكن هناك حديثاً عن استلام أموال المقاصة ما يخفف أعباء الحكومة، وأشار إلى أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أعطى توجيهات لإلغاء التقاعد المالي عن موظفي قطاع غزة، وتحويله إلى اختياري، ولا يفرض على أحد، ووفق القانون.
يقول المتحدث باسم الحكومة الفلسطينية إبراهيم ملحم إن دفع الرواتب كاملة ومستحقاتهم، سيتم فور الخروج من الأزمة المالية التي تعيشها السلطة منذ سنوات، موضحاً أن كل ما رصد لهم سيتم صرفه حين عبور الأزمة المالية التي نتجت من اقتطاع أموال المقاصة والتي يتم حل إشكاليتها مع إسرائيل.
وسط هذه الأجواء، لم يذكر أي مسؤول فلسطيني موظفي السلطة في غزّة بالنص الصريح، لكن في المقابل يقول الباحث الاقتصادي مازن العجلة، "المعروف أن السلطة عندما تتحدث عن موظفيها، فإن ذلك يعني العاملين في السلك الحكومي، في الضفة الغربية أو قطاع غزة، ولا يوجد تفرقة بينهم، وفي الأولى يتقاضى الموظفون رواتبهم كاملة منذ أشهر، لكن في غزة حسومات، والحديث عن دفعها كاملة قد يعني موظفيها".
على أي حال، يقول وزير التنمية الاجتماعية أحمد مجدلاني إنه تولى ملف موظفي غزة، وفي اجتماعات الحكومة سيعمل على مناقشته مع رئيس الوزراء ووزير المالية، مشيراً إلى أن هناك أخطاء غير قانونية ارتكبت بحق موظفي القطاع التابعين للسلطة، ومنها التقاعد المالي والحسومات التي فرضت عليهم.
من بين التجاوزات القانونية، يوضح عصام عابدين، المستشار القانوني لمؤسسة الحق (منظمة حقوقية غير حكومية) أن الحسومات جرت من دون قرار رئاسي، وتنطوي على نوع من التمييز على أساس جغرافي، ينتهك أحكام المادة التاسعة من القانون، وتخالف قانون تنظيم الموازنة العامة والشؤون المالية، وتخالف الشروط الدستورية الفلسطينية.