من المتوقع أن تنجح شنغهاي في خطف تاج الاكتتاب العام العالمي هذا العام، ما يعزز حملة بكين لتقليل اعتمادها على الأسواق المالية الأجنبية. إذ جمعت البورصات في الصين الكبرى، بما في ذلك هونغ كونغ وشنغهاي وشنتشن، ما مجموعه 123 مليار دولار من خلال مئات الشركات المدرجة الجديدة حتى الآن هذا العام، وفقاً للبيانات التي جمعتها شركة الأبحاث "دي لوجيك".
كان هذا الرقم مدفوعاً بشكل كبير من قِبل مجموعة "آنت غروب"، التي حصدت 34 مليار دولار من خلال إدراجها في هونغ كونغ وشنغهاي، عبر أكبر طرح عام أولي في التاريخ. لكن الاكتتابات الأخرى، بما فيها "سميك"، وضعت ثلاث بورصات في الصين على قدم وساق قبل نيويورك وناسداك للعام الثاني على التوالي.
كشف التقرير أن القوة المشتركة جعلت هونغ كونغ بوابة الاكتتابات في بكين، بعدما شهدت أكبرها في الصين ولفترة طويلة، خصوصاً مع انفتاحها على الاستثمار بشكل أكبر من المقاطعات الصينية الأخرى.
وهذا العام، وعلى الرغم من ذلك، فإن شنغهاي أصبحت وزناً ثقيلاً أكثر بكثير مما كانت عليه في الماضي. فمبلغ 61 مليار دولار الذي جُمِع حتى الآن في 2020 من خلال العروض العامة في بورصة المدينة هو أكثر من ثلاثة أضعاف الإجمالي الذي حُصِد خلال 2019. إذ إن لديها كثيراً من الزخم، ومن المرجح أن تحتل بورصتها المرتبة الأولى في العالم بالنسبة إلى الاكتتابات العامة الأولية هذا العام، وفق التقرير.
وتوقع إدوارد أو، الشريك الإداري لشركة "ديلويت" في منطقة جنوب الصين، أن "تؤمن بورصة شنغهاي جوهرة التاج في الترتيب العالمي لأماكن الاكتتاب العام بحلول نهاية 2020". ومن المرجح أن تحتل هونغ كونع المرتبة الثانية على الأرجح بشكل عام، وفقاً لشبكة "سي إن إن".
يتمثل أحد العوامل الرئيسة وراء طفرة الاكتتاب العام في الصين في رغبة بكين في الاعتماد بشكل أقل على الأموال والتكنولوجيا الأجنبية، وتوسيع الرقابة التي تمارسها على الشركات ذات القيم الضخمة.
لماذا تهرب الشركات إلى "وول ستريت"؟
تاريخياً، كانت الشركات المدرجة في بورصة شنغهاي بنوكاً كبيرة مملوكة للدولة وشركات للطاقة والعقارات. وعادة ما تلجأ الكبرى منها خصوصاً العاملة في مجال التكنولوجيا إلى وول ستريت أو هونغ كونغ، للعثور على مستثمرين بسبب العوائق التي تحول دون الإدراج في محيط مقرها الرئيسي، بما في ذلك حظر الأسهم ذات الفئة المزدوجة، التي تمنح المديرين التنفيذيين مزيداً من القوة.
لكن تغير هذا، وتكثفت حملة الرئيس شي جينبينغ للاعتماد على الذات، في الوقت الذي تخوض بكين حرباً تجارية وتكنولوجيا صعبة مع الولايات المتحدة الأميركية. وتعد "ستار ماركت"، التي تشبه إلى حد كبير بورصة "ناسداك"، التي ظهرت للمرة الأولى في شنغهاي خلال يوليو (تموز) 2019، مثالاً على هذا التحول.
وللمرة الأولى في الصين، سمحت "ستار ماركت" للشركات غير المربحة بالإدراج، كما بسّط نظام تسجيل الاكتتاب العام على الطريقة الأميركية عملية التقديم للاكتتاب العام، ما يمنح المصدرين والمستثمرين مزيداً من التحكم في الأسعار والتوقيت، وسُمح للشركات بعرض أسهم من فئة مزدوجة، مثلما تفعل البورصات في نيويورك وهونغ كونغ.
في زيارة سابقة إلى مدينة شنغهاي، قال الرئيس الصيني، "نحن بحاجة إلى تشجيع شركات التكنولوجيا الصعبة ودعمها للإدراج في ستار ماركت". وأشار إلى الرغبة في "كسر القبضة الأجنبية على بكين في بعض التقنيات الرئيسية".
خلال الأشهر الـ15 الماضية، أُدرج ما يقرب من 200 شركة وجُمع 40 مليار دولار من دون احتساب مجموعة "آنت غروب". وبعد أن تكمل شركة التكنولوجيا المالية إدراجها، ستكون "ستار ماركت" قد استحوذت على 60 في المئة من سوق الاكتتاب العام في الصين هذا العام.
تخفيف القيود على الشركات
في الوقت نفسه، تظل هونغ كونغ موطناً لواحدة من أهم بورصات الأوراق المالية في المنطقة، وأصبحت بمثابة "حل وسط" شائع للشركات الصينية التي تتداول بالفعل في الخارج، لكنها تريد جذوراً أقوى أقرب إلى الوطن، وفقاً لبروك سيلفرز، كبير مسؤولي الاستثمار في صندوق الأسهم "كايوان كابيتال" ومقره شنغهاي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت شركة "علي بابا" قد قررت في أواخر 2019 الاحتفاظ بطرح ثانوي في المركز المالي الآسيوي، الذي خفف في السنوات الأخيرة القيود التي دفعت الشركة الصينية إلى اختيار وول ستريت للاكتتاب العام الأولي لعام 2014 الذي حطم الرقم القياسي في المقام الأول، وجرى الترويج لعودة الشركة إلى آسيا على أنها عودة كبيرة للوطن.
حفزت علاقة بكين المتدهورة مع واشنطن مزيداً من الشركات الصينية لتفضيل الإدراج في أسواق بلادها بدلاً من نيويورك. إذ لجأ كثير منها والمدرجة في شنغهاي أو هونغ كونغ هذا العام إلى ذلك، بسبب مخاوف من أن تصبح الولايات المتحدة مكاناً أكثر عدائية لها.
في السياق ذاته، أوضحت شركتا "نت سي"، و"جي دي كوم"، المدرجتان في نيويورك في إيداعات الشركات هذا العام، أنهما تعتقدان أن الولايات المتحدة أصبحت "أكثر عدائية" تجاه الشركات الصينية، إذ ينظر المنظمون والمشرعون في قواعد جديدة، من شأنها أن تؤدي إلى "إشراف أكثر صرامة"، وكلتاهما تحمل قوائم ثانوية في هونغ كونغ.
خلال الأشهر الماضية، أجرت هونغ كونغ تغييرات يمكن أن تجذب مزيداً من شركات التكنولوجيا الصينية. وأعلنت مؤشرات "هانغ سنغ"، وهي الشركة الرائدة في تجميع المؤشرات في المدينة، في يوليو (تموز) الماضي، أنها ستطلق مؤشراً تكنولوجياً يشبه ناسداك لتتبع أكبر شركات التكنولوجيا التي تتداول فيها.
كما غيرت مؤشرات "هانغ سنغ" القواعد في مايو (أيار) الماضي، للسماح للشركات التي اختارت هونغ كونغ لإدراجها الثانوي في الظهور بمؤشر المدينة القياسي، ممهدة الطريق للمؤشر لإضافة "علي بابا" و"تشاومي" كعضوين في سبتمبر (أيلول) الماضي. مع ذلك، فإن هيمنة شنغهاي على الاكتتاب العام إلى جانب سيطرة الصين الكبرى قد تكون عابرة.
3 سيناريوهات متوقعة
يشير مسؤولو الاستثمار في صندوق الأسهم "كايوان كابيتال" إلى أن أسواق الصين تظل أقل انفتاحاً بكثير من الأسواق الأخرى، إذ لا تزال بكين تمارس "سيطرة صارمة" على رأس المال في البلاد. واليوان أيضاً "غير قابل للتحويل بحرية"، والبيئة القانونية "ليست مفضّلة" للأعمال التجارية الدولية.
أضاف "سيلفرز" كبير مسؤولي الاستثمار في صندوق الأسهم "كايوان كابيتال"، أن هناك عدداً كبيراً جداً من "الأبطال المحليين" الذين يمكنهم العودة إلى بكين وإطلاق العروض العامة. وقال، "الأسواق المحلية قد لا تزال تتطلب إجراءات فتح إضافية كبيرة، قبل أن تبدأ الشركات غير الصينية الراسخة في طلب الإدراج"، مضيفاً أنه لكي يستمر الاتجاه الحالي، يجب أن تمتد جاذبية بكين إلى ما هو أبعد من المجموعة الفرعية للشركات الصينية الكبيرة التي تقوم بالإدراج.
وحدد ثلاثة سيناريوهات، وهي يمكن أن يتلاشى اتجاه عودة الشركات الصينية إلى بلدانها للإدراج، أو يمتد إلى المؤسسات المتوسطة الحجم في الخارج، كما أنه وارد أن تبني بكين على زخمها من أجل "مزيد من الانفتاح والتدويل".