بالنسبة إلى أكثرية المقيمين في القرى الصغيرة المتناثرة على طول الساحل الغربي الاسكتلندي، احتمال لقاء الرئيس الأميركي وجهاً لوجه مستبعد، إن لم يكن مستحيلاً. وهذا على الأرجح ما فكر فيه سكان ترنبري وآيرشاير Turnberry, Ayrshire– حتى رأوا رجل الأعمال النيويوركي الذي اشترى الفندق وملاعب الغولف في المنطقة عام 2014، يدخل البيت الأبيض ويصبح سيّد القرار فيه بعد عامين.
اليوم، بعد مرور أربع سنوات وقبل استحقاق رئاسي جديد، كلّ من في ترنبري لديه نكتة أو حكاية عن المرشح الجمهوري والرئيس دونالد ترمب، منهم الذي عمل في منتجعه أو لدى منظمي الفعاليات التي حضرها، ومنهم الذي اصطدم به أثناء مشاركته في حفلة زفاف في فندقه.
"كنتُ ذات مرّة خلفه في ملعب الغولف وكان يتكلم بصوت عالٍ جداً"، يتذكر جون جيليسبي، ساعي البريد المتقاعد والبالغ من العمر 67 سنة.
والسيد جيليسبي المقيم في جيرفان الواقعة على بعد خمسة أميال من ترنبري، يتكلم باسم عدد كبير من جيرانه حين يقول إن الآراء متضاربة بشأن المرشح الرئاسي الاميركي.
"معظم الناس هنا يرون أن (ترمب) أحسن صنعاً حين استثمر أمواله في اقتصاد المنطقة واستحدث الوظائف لأبنائها. لكنني لو كنتُ أعيش في أميركا، لصوّتتُ لبايدن لأنه يبدو أكثر تواضعاً– وأكثر واقعية. وقد يكون ترمب رجل أعمال ولكنه حتماً ليس رئيساً"، يوضح جيليسبي.
ومما لا شك فيه أن الشباب والشابات الذين نشأوا وترعرعوا في هذه المنطقة، استفادوا بشكل خاص من وظائف قطاع الضيافة والأعمال الترفيهية التي أوجدها مشروع "ترمب ترنبري" (Trump Turnberry). وهذا يفسّر امتناع كثيرين منهم عن إبداء رأيه علناً بالرجل الذي يعتبر المدير المسؤول أولاً وأخيراً، سواء خوفاً من نقمته أو تقديراً لمجهوده في المنطقة.
لكنني "أظن أنه من الأفضل له أن يتولّى إدارة الفنادق بدلاً من رئاسة الدول"، تقول موظفة سابقة، 20 سنة، وهي في طريقها إلى عملها الجديد، غير آبهة بالشائعات حول فشل ترمب في تسيير الأعمال وعلامات الاستفهام المحيطة بتمويل عقار ترنبري.
ويحتل منتجع ترمب مع المباني التشغيلية وبيوت الموظفين، المساحة الأكبر من أراضي قرية ترنبري. ومن كل زاوية تقريباً من زوايا ملاعب الغولف الثلاثة، يمكن للاعبين أن يرصدوا "منارة ترنبري" Turnberry lighthouse وجزيرة أيلزا كريغ Ailsa Craig البركانية المهجورة وجزيرة أران isle of Arran، أي المعالم التي اشتهرت بها القرية الخلابة قبل وصول السيد ترمب إليها. لكن وعلى الرغم من فخامة "ترمب ترنبري" وطابعه الإقصائي (الحصري بنزلاء دون غيرهم)، فهو يقع في منطقة عانت الأمرّين جراء البطالة والفقر بعيد انهيار صناعاتها التقليدية.
"لا أحد ينكر أنه أنفق الكثير من المال ووفّر وظائف للناس هنا، لكنه مع ذلك لا يستحق أن نتحمّل الإحراج الناجم عن اضطرارنا إلى الارتباط به"، تضيف كيري ماكولي التي تبلغ من العمر 46 سنة وتصف المرشح الرئاسي بـ"السيد بابمبكين (يقطين)".
وقد علمنا أن هذا اللقب مبتدع من توأم ماكولي البالغين من العمر ثماني سنوات، ولكنه أيضاً من ألقاب عدة تطلق على ترمب في آيرشاير وأكثرها ملاءمة للأطفال. فـهو (ترمب) مصدر خطر محتمل كبير، وسأفتح زجاجة شامبانيا لحظة إعلان خسارته في الانتخابات"، تقول ماكولي.
وفي ظل أزمة كورونا التي أرخت بثقلها على آيرشاير Ayrshire، يجد السكان المحليون أنفسهم مجبرين على الالتزام ببعض أكثر الإجراءات صرامة في المملكة المتحدة، ونعني بها: منع الاختلاط في الأماكن المغلقة وإقفال نوادي البولينغ وصالات البلياردو وإغلاق النوادي الليلية والمطاعم جراء حظر المشروبات الكحولية. وبسبب هذه التدابير، وحدها المقاهي لا تزال مفتوحة، "لنقل فقط إن (ترمب) لن يحظى بترحيب حار لو حضر إلى هنا لتناول خبز الفطور الصباحي"، يعلّق مالك أحد المقاهي.
يظهر أن الجائحة وطريقة تعامل السيد ترمب معها عززتا النظرة السلبية المحلية حياله. فجيري فيرارا، 65 سنة، يرى أن المقاربة التي اعتمدها السيد ترمب لمواجهة كورونا عام 2020 شبيهة بعملية استحواذه على عقار "ميني" Menie في آبردنشير Aberdeenshire عام 2012. ففي الحالتين، أبى السيد ترمب الإصغاء إلى احتجاجات المجتمع المحلي. وفي هذا الشهر وحده، حصل السيد ترمب على رخصة تخطيط لبناء ملعب آخر في هذا الموقع.
ويتابع فيرارا حديثه، قائلاً: "تظهر قسوة (ترمب) بوضوح في فشله المشين في معالجة أزمة كوفيد-19 الكارثية وفي تقليله من شأن الجائحة". ومن وجهة نظر فيرارا الذي تقاعد من عمله في مدرسة "آيرشاير كوليدج" (Ayrshire College) أخيراً، يختبر الشعب الأميركي حالياً ما سبق للشعب الاسكتلندي أن رآه منه على نطاق أضيق. وأظن أن أشخاصاً كثيرين في المنطقة مصدومون من احتمالية خضوع الولايات المتحدة والعالم لسلطة هذا المهرج لأربع سنوات إضافية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفيما تسير متعهدة الحفلات ناتالي ليديل، ابنة الـ38 سنة، مع كلبها أنغوس من نوع الـ"بوردر كولي" على طول الطريق الساحلي في آيرشاير– وهي بقعة جغرافية جميلة جرى تغيير مسارها لتفادي مرور المارة في ملاعب الغولف الخاصة بترمب – تتساءل عن الطريقة المثلى لتمضية عشية الانتخابات:
"كل من يعرفني، يعلم أنني قد أغفو في اللحظات الحاسمة. لكن هذه المرة، سأشرب كلّ ما أمكنني من قهوة لأبقى صاحية. فقد كنت أتابع هذه الانتخابات عن كثب وأنا متفائلة كثيراً وأرى أن جو بايدن سيطيح بترمب ولن أدَع الحدث يفوتني".
ومن جهته، يخطط إيان فرايزر الذي تسنّت له فرصة لعب الغولف في منتجع "ترمب ترنبري" والمكوث في الفندق المجاور له بفضل الهدية التي خصصتها له الشركة التي يعمل فيها مستشاراً في الخدمات المالية، لمشاهدة الانتخابات وإعلان النتائج "من البداية وحتى النهاية".
وإن كان يريد فرايزر لترمب أن يفوز، فليس حبّاً به أو دعماً له- إنما لاعتقاده بأن بايدن وهاريس سيسيئان للولايات المتحدة؛ "يدهشني جداً أن هذين الشخصين هما أفضل ما تستطيع هذه البلاد أن تقدّمه إلى قاعدتها الانتخابية العريضة".
وصحيح أن سكان ترنبري بعيدون كلّ البعد عن أن يكونوا قادرين على المشاركة في الانتخابات، لكنهم يشعرون بأن لهم مصلحة في النتيجة، والأكيد أنهم سيترقّبون كسائر العالم ما إذا كان جو بايدن أو جارهم المثير للجدل دونالد ترمب سينتخب رئيساً. وفيما قد تختلف الآراء في هذه المنطقة الساحلية الاسكتلندية النائية، هناك شعور سائد بأن الأكثرية تتمنى لو بإمكانها أن تعود بالزمن إلى الفترة التي لم تكن فيها معنيّة بانتخابات أعلى منصب في العالم.
"أتمنى لو تتمحور الأحاديث هنا حول المجتمع لا حول السياسة. وأودّ ألا أكون مضطرة للبقاء مستيقظة طوال الليل في كل مرة تجري فيها انتخابات في أميركا"، تختم ناتالي ليديل، شاكية.
© The Independent