ظل الفوسفات السوري يشكل مصدر جذب دولي لما يكتسبه من مكانة في الأسواق العالمية، إذ يُعدّ الثاني عالمياً بعد المغربي وبمواصفات ممتازة، مما شكّل دافعاً لدى الشركات الروسية للدخول إلى سوق استثماره عبر الأراضي السورية.
وأفضى تعطّش موسكو للاستحواذ على التنقيب واستخراج الفوسفات في بادية تدمر، وسط البلاد، إلى إبرام عقود خلال السنتين الماضيتين، مدتها 50 عاماً. في الأثناء، يراقب السوريون دخول مستثمر أجنبي جديد، وهو صربيا، حلبة السباق لكسب الفوسفات، في حين وصف بعضهم مشاركتها كقارب نجاة، في ظل مقاطعة سوريا. ويأتي ذلك بالتوازي مع وعود وزير النفط والثروة المعدنية السوري، بسام طعمة بانعكاسات إيجابية، بعد أن صادقت بلاده على اتفاق مع شركة "وومكوأسوشيتس دوو" الصربية، لاستخراج وتصدير المادة من المناجم الشرقية في تدمر.
حلبة السباق نحو المناجم
حضور بلغراد في الأسواق الداخلية يشكل بحسب مراقبين، حضوراً لوافد أجنبي جديد، يتحدى العقوبات الأميركية والأوروبية، علاوةً عن التشدد في تطبيق قانون "سيزر" (قيصر) للعقوبات على النظام السوري، مما جعل الأمر مرحَباً به من قبل الأوساط الاقتصادية والسياسية وحتى الشعبية، علّ البوادر الاستثمارية تمنح بعضاً من النتائج المشجعة على الأرض، وتنعكس على اقتصاد البلاد المنهك من الحرب.
وشكّل العجز الحكومي عن تصدير أي طن نتيجة مقاطعة المنتج السوري، الأولوية في الاتفاق الجديد بالنسبة إلى دمشق مع توقيعه في يوليو (تموز) الماضي، ليصادق عليه البرلمان في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وبحسب المعلومات التي حصلت عليها "اندبندنت عربية"، فإن منجم الشرقية يستثمر الفوسفات الخام والخالي من الغبار، وتجهَز هذه الكميات بعربات قاطرة مغلقة سعة الواحدة منها 50 طناً، لتُشحن إلى مصانع الأسمدة بحمص ومرفأ التصدير بطرطوس.
ثلاثة مليارات طن من الفوسفات هي الكمية التي أفصح عنها وزير النفط والثروة المعدنية السوري بسام طعمة خلال جلسة المصادقة على الاتفاق، مبيناً أن "العقد جاء لتأمين حاجات المواطنين"، معتبراً أن الاستثمار الجديد هو الخيار الأفضل.
في هذا الجانب، تمنح بنود الاتفاق مع الشركة الصربية 30 في المئة بشكل صافٍ إلى الجانب السوري، بينما على الصرب أن يحفروا 60 متراً ليصلوا إلى طبقة الفوسفات، إذ تُعد المناطق السورية من أصعب المناطق في استخراج هذه المادة، وفق وزير النفط طعمة الذي أضاف أن "الأموال التي ستصرفها الشركة تصب بالنتيجة لمصلحة العمال المحليين من آليات وأدوات حفر".
الاستثمار الجديد في الثروة
ويأتي الاتفاق الجديد مع تصور حديث أطلقته الوزارة السورية للاستثمار في مجال الثروة المعدنية، وفق حديث الباحث الاقتصادي عبدالمجيد عزام، الذي بيّن أنه مع وجود خطة استراتيجية تتعلق بالثروات المعدنية، فإن الهدف المرحلي القادم هو إحلال صناعات جديدة تعتمد على وجود الخامات الأساسية في الأراضي السورية، مما يحد من الاستيراد.
وأوضح عزام أن الاستراتيجية الجديدة في هذا الجانب تسهم في "خفض فاتورة الاستيراد نتيجة وجود خامات ومواد مصنعة من خامات محلية، وتعزيز تصديرها، عدا عن تعديل التشريعات التي تسمح باستثمار الخامات والموارد ذات القيمة الاقتصادية".
وأكد أن جعل قطاع الثروة المعدنية جاذباً للاستثمارات المحلية والأجنبية يعد أهم أولويات الخطط الاقتصادية القادمة"، لا سيما في ظل ما عانته الصادرات السورية من انخفاض من 7,8 مليار دولار عام 2010 إلى 3,2 مليار دولار، لتستمر بالتراجع حتى 0.72 مليار دولار في عام 2018، وفق تقرير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) الصادر حديثاً.
وبيّن التقرير أن النزاع المسلح غيّر تركيبة الصادرات، ففي عام 2010 قبل الحرب، شكّلت المنتجات المعدنية مثل النفط والفوسفات نسبة 52 في المئة من مجموع الصادرات، لتنخفض وتتصدر في المقابل المنتجات النباتية القائمة، مرتفعة من 10 في المئة إلى 56 في المئة من مجموع الصادرات.
وتوضح المعلومات الواردة أن استثمار الفوسفات من مناجم مثل "خنيفيس" ينتج سنوياً نصف مليون طن مُركز، فيما ينتج منجم الشرقية 77 مليون طن، وتتراوح سماكة الطبقات من الناحية الجيولوجية بين 20 متراً و60 متراً.
الفوسفات الخام على المحك
في غضون ذلك، حلّت صربيا كمستثمر وليد في الساحة السورية، إلا أن سعي الكرملين بجدية إلى انتشال النظام السوري من الحصار المفروض عليه، يسهّل دخول صربيا القريبة من هوى روسيا الاتحادية، بثقل للاستثمار من جهة، ولتكون شركاتها من جهة ثانية فاعلة في تصريف الإنتاج السوري الراكد بفعل الحصار.
في السياق، تعمل شركة "ستروي ترانس غاز" الروسية منذ أن صادق البرلمان السوري على عملها في بادية تدمر، وبأكبر مناجم الفوسفات منذ عام 2018، إذ حصلت بموجب الاتفاق على 70 في المئة من الإنتاج، بينما بلغت حصة سوريا 30 في المئة.
وهكذا يعمل الحليف الروسي على ترسيخ قواعده الاقتصادية عبر استثمارات واتفاقات تجاوز عددها الـ 40، في مجال الطاقة والصناعة ومحطات توليد الطاقة الكهربائية والزراعة والبناء.
من جانبه، أعلن وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السوري محمد سامر الخليل قرب اجتماع الدورة المقبلة للجنة المشتركة الروسية – السورية، والتي من المرجح عقدها قبل نهاية العام الحالي، على أمل أن تنبثق عنها قرارات تساعد في جوانب إعادة الإعمار وكسر الحصار.