كل من يعرف الجدة عليا مغامس يروي قصصها المرحة بفرح واندفاع. فالمعمّرة اللبنانية البالغة من العمر 106 سنوات، تنشر طاقة إيجابية من حولها. في اليوم الذي أصيبت بفيروس كورونا، ساور القلق محبيها كافة. فكان يُخشى من ألا يتمكن جسمها من مقاومة المرض في هذه السن لأن مضاعفاته تزيد لدى المسنين الذين هم الفئات الأكثر عرضة للخطر.
أما هي، فتصرّ من بيتها الجبلي الحجري الجميل المحاط بطبيعة خلابة، أن ما أصيبت به كان مجرد إنفلونزا عادية تتعرض لها كل عام وتتخطاها من دون مشكلة.
في الطبيعة بعيداً من كورونا
كانت حياة الجدة عليا مفعمة بنشاط يصعب تخيّله لسيدة في مثل سنّها. تستيقظ باكراً لتعمل في الأرض ويحيط بها أولادها وأحفادها وأحباؤها من أهالي المنطقة.
يقول ابنها الياس "عندما ارتفعت درجة حرارة والدتي لم يخطر ببالنا أن السبب قد يكون كورونا. وعندما نقلناها إلى المستشفى بسبب ارتفاع الحرارة وضيق النفس الذي أصابها، صُدمنا عندما أتت نتيجة كورونا إيجابية. عشنا مرحلة من القلق والتوتر من شدة الخوف على حياتها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن في مقابل مخاوف أفراد العائلة كلّها، لم تخشَ الجدة التي عاصرت الحرب العالمية الأولى كورونا يوماً. كما لم تعره أهمية بحسب ما تؤكد ضاحكة. فهو لا يختلف أبداً عن الرشح الذي يصيبها عادة وتسخر من الأهمية التي تُعطى له.
التجربة الأسوأ التي مرت بها، بحسب الياس، كانت أثناء وجودها في المستشفى. لم تكن المشكلة في وضعها الصحي، فحالتها النفسية هي التي ساءت كثيراً، لأنها لم تعتد أن تكون بمفردها، بعيدة من أولادها وأحفادها.
يوضح الياس أن الطبيب أكد لهم أنها كانت ترفض المكوث في المستشفى لحظة واحدة، "أصيبت بانهيار عصبي وكانت تصرخ بأعلى صوتها، تسأل عن أولادها وأحفادها الذين تركوها وحدها في المستشفى ولم يسألوا عنها".
كان الحل الوحيد آنذاك في عودتها إلى منزلها. وتقول ابنتها نجلا التي كانت تعتني بها خلال فترة مرضها أن حالتها النفسية لم تكن تحتمل إبقاءها في المستشفى أكثر من يومين. "فكرنا أنها إذا كانت ستموت لا قدّر الله، من الأفضل أن تموت بسلام في منزلها محاطة بأحبائها".
في الأيام الأولى لعودتها إلى المنزل، كانت الجدة متعبة من الصراخ والنوبة العصبية التي تعرضت لها. لكن سرعان ما استعادت عافيتها بفضل العلاجات التي تلقّتها والغذاء الصحي الذي كانت تحصل عليه.
وتوضح نجلا "تتناول الحليب مع الحبوب الغذائية والعسل صباحاً والطهو المنزلي ظهراً. لكن كونها تأكل بكميات قليلة، حرصت على إعطائها الوجبات الصغيرة باستمرار من فاكهة وخضار، إضافة إلى الفيتامينات التي كانت تأخذها". وكان الطبيب يزورها في المنزل لمتابعة حالتها.
على الرغم من سنّها المتقدمة، لا تتناول الجدّة عليا أدوية باستثناء حبة أسبرين تعطيها لها ابنتها مرتين في الأسبوع. اليوم وبعد شفائها التام من المرض، لم يبقَ سوى الذكرى وقليل من الضعف الذي يمنعها حتى اللحظة من متابعة الأعمال التي كانت تقوم بها في حدائق المنزل.
ويعبّر ابنها الياس عن أسفه لذلك ورغبته في أن يراها مجدداً في الحقل واقفة على قدميها، تعمل بنشاط كما قبل إصابتها بكورونا.
عندما لا يعود العمر معياراً
تخطت الجدة عليا إصابتها بكورونا وتغلّبت على المرض بمناعتها الصلبة، على الرغم من المعطيات الطبية والدراسات التي تؤكد أن المسنين من الفئات الأكثر عرضة لمضاعفات المرض.
في المقابل، يقول طبيب العائلة الاختصاصي في أمراض المسنين وفي الصحة النفسية الدكتور وائل كرامة، "تشكّل المناعة عنصراً أساسياً طبياً لمقاومة فيروس كورونا وتخطيه. في الوقت ذاته، لا يمكن استبعاد دور المناعة النفسية في اعتبارها داعمة للمناعة الجسدية. فمن يعرف الجدة عليا يدرك أنها شخصية مرحة تنشر الإيجابية والسعادة من حولها. ولا يمكن ألا يؤخذ هذا في الاعتبار في عملية شفائها".
وعن قدرتها على تخطي المرض، يشير كرامة إلى أنها لم تكن تعاني أية مشكلة صحية ولا تتناول أي دواء، ما ساعدها على التغلّب على كورونا. ففي مثل هذه الحالة كما عند الإصابة بأي فيروس، تلعب المناعة الدور الأساسي ولا يعود للسن من أهمية.
منذ اللحظة الأولى التي زارها فيها الدكتور كرامة، بدا واضحاً أنها تعاني التهاباً رئوياً ولديها سعال جاف. فوصف لها العلاج المناسب، لكن عندما بدأت حرارتها ترتفع وشعرت بضيق في النفس، نُقلت إلى المستشفى حيث وضع لها الأوكسجين.
ويضيف أنها لم تتمكن من المكوث أكثر من يومين بعدما عانت الهلوسة وأصيبت بنوبة هلع نتيجة الوحدة مع ضيق النفس ورغبتها في العودة إلى منزلها.
استعادت الجدة عليا عافيتها سريعاً، فقاوم جسمها الصلب بفضل حياتها الصحية في الجبل بعيداً من مسببات التلوث النفسي والجسدي. وهي مسألة وقت بحسب كرامة حتى تستردّ نشاطها كاملاً بفضل مناعتها القوية.