مع الإعلان غير الرسمي عن فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن بالانتخابات الرئاسية الأميركية وتمتّعه بلقب "الرئيس المنتخب"، تتجه كل الأنظار إلى الرئيس دونالد ترمب كي يقر بالهزيمة خلال ساعات أو أيام بما يضمن انتقالاً سلمياً للسلطة في الولايات المتحدة. لكن ماذا سيحدث إن لم يفعل؟ وهل يهدد ذلك انتقال السلطة في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل بما يجعله فوضوياً؟
من المفترض أن يبدأ قريباً انتقال السلطة بين الإدارة المنتهية ولايتها لترمب والإدارة المقبلة للرئيس المنتخب. غير أن التحدي الذي يمثله رفض الأول للهزيمة والاتهامات بتزوير الانتخابات من دون دليل حتى الآن، يسلّط الضوء على الأجواء المثيرة للجدل التي جعلت البعض قلقاً بشأن التحول الديمقراطي الذي استمر بانتظام منذ تسليم جورج واشنطن الرئاسة للمرة الأولى إلى خليفته جون آدامز في نهاية القرن الثامن عشر.
وفيما تختلف الآراء حول كيفية قبول ترمب للخسارة، يعتقد المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض لاري كودلو أنه سيكون هناك انتقال سلمي للسلطة يلتزم سيادة القانون على الرغم من مسارات التقاضي لحملة الرئيس.
كيف تبدأ عملية تسليم السلطة؟
يستعد في العادة مسؤولون لترتيب عملية انتقال السلطة قبل أشهر من موعد الانتخابات. وهذا العام، انخرط فريقا بايدن وترمب للمرة الأولى في مايو (أيار) الماضي للنظر في هذه الإجراءات بموجب قانون الانتقال الرئاسي لعام 1963.
في تلك المرحلة عَيّن بايدن، صديقه القديم تيد كوفمان، الرئيس السابق لموظفيه حين كان نائباً للرئيس باراك أوباما وعضو مجلس الشيوخ السابق عن ولاية ديلاوير، كقائد لفريقه الانتقالي. كما بدأت الحملة الديمقراطية بجمع ملايين الدولارات للمساعدة في هذه العملية.
وبموجب القانون الفيدرالي، شكّلت إدارة ترمب مجلس تنسيق انتقالي للبيت الأبيض للمساعدة في ذلك، بإدارة كريس ليدل، مساعد ترمب، الذي التزم حتى الآن المواعيد النهائية لإطلاع الكونغرس على خططه المحتملة لتسليم السلطة إلى إدارة بايدن. غير أنه من غير الواضح مدى استعداد إدارة ترمب للتعاطي مع عملية الانتقال الفعلية للسلطة، في أعقاب مزاعم تضمنتها تغريداته بشأن نتائج انتخابات 2020.
ماذا يحدث خلال انتقال السلطة؟
يشير خبراء أسهموا في ترتيبات انتقال السلطة من قبل إلى أن فرق انتقال السلطة المقبلة تركز عادة على تحويل وعود الحملة الانتخابية للرئيس المنتخب إلى سياسة وصياغة نظام لصنع القرار ومعرفة شكل وحجم المعلومات التي قد يحتاج إليها الرئيس.
وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، منحت الحكومة الفيدرالية فريق بايدن الانتقالي مساحة مكتبية قدرها 22 ألف قدم مربعة في مبنى وزارة التجارة بعد إبرام اتفاق سياسي بينهما بشأن تسليم السلطة حال فوزه. وفي تلك المرحلة، حصل الفريق على الموارد الحكومية لبدء إعداد الخدمات اللوجستية لإدارة الحكومة المحتملة.
أهمية الانتقال السلس للسلطة
أدركت حكومة الولايات المتحدة أن الفترة الانتقالية بين الإدارات الأميركية هي وضع نسبي مؤقت من أجل انتقال فعال للسلطة، إذ يجب ضمان استمرارية عمل الحكومة، بينما يوجد حالياً وضع هش بسبب إصابة كثيرين بفيروس كورونا ومغادرة مسؤولين عدة مقاعد السلطة في إدارة ترمب. ولهذا، فإن حدوث اضطراب من شأنه أن يسبب قدراً من الفوضى ويضرّ بالمصالح الأميركية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتملك إحدى الوكالات الفيدرالية التي لا تُسلَّط عليها الأضواء ولا يعرفها معظم الأميركيين مفاتيح حل هذه المعضلة. إنها إدارة الخدمات العامة التي تجعل انتقال السلطة من إدارة إلى أخرى ممكناً، وهي التي تموله من أموال دافعي الضرائب مثلما تدعم الوظائف الأساسية للوكالات الفيدرالية الأميركية وتدير المباني الحكومية منذ تأسيسها عام 1949.
وبموجب القانون الصادر عام 1963، فإن رئيس إدارة الخدمات العامة، الذي يعيّنه الرئيس، يقرر التوقيت الذي يتم فيه التأكد من الفائز بالانتخابات. ومتى يحين ذلك، تفتح الوكالات الفيدرالية الأميركية أبوابها لتوفير التمويل اللازم لتحركات وحاجات الرئيس المنتخب وفريقه المساعد. وهكذا، يصبح أمام الإدارة الأميركية المقبلة ما يزيد قليلاً على شهرين لتنظيم نفسها قبل يوم التنصيب.
ولا يعني أن تتأكد الرئيسة الحالية لإدارة الخدمات العامة إيميلي ميرفي، من الفائز في الانتخابات أنها ستحدد من هو الرئيس، فالناخبون هم من يفعلون ذلك.
9.9 مليون دولار
وتمتلك مورفي، التي عيّنها ترمب عام 2017، سلطة تقرير متى تكون نتائج الانتخابات واضحة بما يكفي للبدء بتحريك عملية انتقال السلطة. وإذا كان بايدن هو الفائز الواضح في حكمها، فإن إدارة الخدمات العامة تقرر متى سيتم منح فريقه تمويلاً قدره 9.9 مليون دولار لتشكيل إدارة حكم جديدة، بما في ذلك إجراءات الفحص والتدقيق الخاصة بالإدارة الأميركية الجديدة بالكامل.
لكن عملية التأكد من الفائز في الانتخابات لم تتم بعد حسبما أعلنت باميلا بنينغتون، المتحدثة الصحافية باسم إدارة الخدمات العامة، قائلة إن الإدارة ومديرتها ستواصلان الالتزام والوفاء بجميع المتطلبات المعنية بهذا الأمر بموجب قانون الانتقال الرئاسي لهذه الدورة الانتخابية، وبمجرد أن يكون الفائز واضحاً بناءً على العملية المنصوص عليها في الدستور.
جوانب غامضة
ولا تزال الجوانب الأخرى الدقيقة حول عملية انتقال السلطة غامضة، لا سيما في الوكالات الفيدرالية وبين الموظفين، فيما تشير وسائل إعلام إلى عدم نشر تعليمات صريحة من البيت الأبيض حول كيفية المضي قدماً في عملية انتقال السلطة.
وخلال الانتخابات التقليدية السابقة، كانت إدارة الخدمات العامة تتخذ قراراً ببدء عملية انتقال السلطة بمجرد إعلان وسائل الإعلام الإخبارية الموثوقة عن الفائز أو بعد أن يقر الطرف الخاسر في الانتخابات بالهزيمة، لأن الحكومة الجديدة ترغب عادة في التحرك بسرعة حتى يستطيع الرئيس المنتخب الجديد تنظيم نفسه عندما يتولّى زمام الأمور في النهاية.
تجربة عام 2000
غير أنه بعد انتخابات عام 2000، واجهت إدارة الخدمات العامة في عهد الرئيس بيل كلينتون ضغوطاً غير عادية لمنح مرشح الحزب الجمهوري جورج دبليو بوش حق الحصول على تمويل لتشكيل إدارة حكم جديدة، إلا أنها لم تفعل ذلك إلا بعد صدور حكم المحكمة العليا الذي منح بوش المنصب الرئاسي واعتراف المرشح الديمقراطي المنافس آل غور بالهزيمة.
ولأن عملية انتقال السلطة هذا العام تكتسب أهمية خاصة، يرغب فريق بايدن في أن تبدأ بسرعة بموجب القانون، إلا أن ما قد يعقد الأمور هو غياب معايير صارمة منصوص عليها في القانون حول كيفية تأكد إدارة الخدمات العامة من المرشح الفائز بشكل واضح، إذ يشير القانون إلى أنه يجب أن تجري عملية التأكد على أساس الجوهر وليس السياسة، بهدف منع البيت الأبيض من التدخل بشكل غير مناسب. ومع ذلك، فإن القرار والتوقيت يخضعان لتقدير رئيس إدارة الخدمات العامة.
وما يزيد من شكوك انتقال السلطة بطريقة تقليدية أن الرئيس دونالد ترمب، تحدث عن مزاعم بتزوير في العملية الانتخابية، قائلاً إن الديمقراطيين يحاولون سرقتها، كما أصدر بياناً أكد فيه أن الانتخابات لم تنتهِ بعد.
تمويل ذاتي
ولا يبدو أن فريق بايدن سينتظر أن يحاول ترمب منع الأموال التي يحتاجون إليها لدفع تكاليف جهود انتقال السلطة، إذ شرع في حملة قوية ذاتية لجمع التبرعات، بخاصة أن التحديات التي ستواجهها إدارته كبيرة ولا تحتمل الانتظار، ومنها الإشراف على لقاح لفيروس كورونا، بما في ذلك تنظيم سلامته وفعاليته والإشراف على توزيعه بمجرد أن يصبح جاهزاً، فضلاً عن حسم الخلافات حول حزمة الإغاثة الاقتصادية.
من أجل القيام بذلك بشكل فعال، سيحتاج الرئيس المنتخب إلى أشخاص يثق بهم وسيرغب في ملء الوظائف السياسية الحكومية التي تقدر بـ4000 وظيفة تشرف على مليوني عامل فيدرالي في البلاد، حتى يتمكن من العمل بسرعة على وعود حملته الانتخابية.
ويحتاج حوالى 1200 من المعينين السياسيين إلى موافقة مجلس الشيوخ، التي قد تكون عقبة رئيسة أمام إدارة بايدن إذا ظل المجلس تحت سيطرة الحزب الجمهوري، وهذا سيتوقف على سباقات الإعادة فيه المتوقعة في ولاية جورجيا خلال يناير.